دعا لها سلفاكير بجوبا قمة البرهان وأبي أحمد.. هل تضع حداً للمشكلات الحدودية
الخرطوم: آثار كامل 24 اغسطس 2022م
يعتبر ملف الحدود من أهم الملفات التي تشكِّل تحدياً أمام السودان وجنوب السودان وإثيوبيا، حيث نشبت في الفترة الأخيرة كثيرة من الخلافات بين السودان وإثيوبيا بشأن ملف الحدود خاصة منطقة الفشقة، تسارعت التطورات على الحدود خاصة في ملف الفشقة وعقب الحادثة الأخيرة بإعدام سبعة جنود سودانيين من قبل قوات إثيوبية الأمر الذي صعد من وتيرة الخلافات الأمر الذي جعل حتمية لقاء رئاسي، خاصة وأن البلدين متضررين من أي أزمة خاصة حيث جمعت قمة رئاسية مغلقة آنذاك رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، وذلك على هامش أعمال القمة الطارئة للإيقاد والتي انعقدت بالعاصمة الكينية نيروبي، ونجد أن السودان وإثيوبيا تشهدان توترات داخلية فيما يعيش أبي أحمد، أزمة مع التيغراي الأمر الذي يجعل من التهدئة خياراً رائجاً مرهوناً بجدية الطرفين في إيجاد حلول ناجعة لوقف التوتر في العلاقات بين الدولتين .
ولقد بدأت شرارة الصراع عام 1902، عندما تم توقيع معاهدة الحدود في ترسيم الحدود الإثيوبية السودانية بين إمبراطورية إثيوبيا والإدارة الاستعمارية البريطانية في السودان، حيث أصبحت منطقة الفشة ضمن الحدود السودانية وفق المواثيق الدولية، ولقد ظلت ـ”مليشيات إثيوبية” على الدوام تقوم باعتداءات متكرِّرة على منطقة الفشقة السودانية المتاخمة للحدود، بهدف إخلاء الشريط الحدودي من المزارعين السودانيين.
مطالبات متجدِّدة
يطالب السودان بوضع العلامات الحدودية مع إثيوبيا في المنطقة بناءً على اتفاقية 15 مايو1902م، التي وقّعت في أديس أبابا بين إثيوبيا وبريطانيا (نيابة عن السودان)، وتوضح مادتها الأولى الحدود الدولية بين البلدين وفي عام 2000م، قرَّرت كل من إثيوبيا والسودان تنفيذ تفاهمات عام 1972م، وإنشاء لجنة خاصة مشتركة مكلفة بإيجاد حل ودي للمشكلة الناجمة في منطقة شمال جبل دجليش، علاوة على ذلك، اتفق البلدان على إنشاء لجنة مشتركة خاصة لإعادة ترسيم خط الحدود بين البلدين، ورغم أن اللجنة عقدت (8) اجتماعات فإنها لم تكمل مهمتها الموكلة إليها بموجب اتفاق 1972م، واختصاصاتها المعتمدة بالاتفاق وأثناء استمرار المفاوضات، وقع البلدان عام 2005م، مذكرة تفاهم لوضع حل مؤقت لهذه المشكلة حتى يتم التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن الحل الودي الذي سيتفق عليه البلدان، وتعد المذكرة حلاً تكميليًّا ومؤقتًا لاتفاقية عام 1972م، وليست بديلاً عنها.
حصرت لجنة العمل الميداني المشتركة بين البلدين (754) ألف فدان، استولى عليها مزارعون إثيوبيون، واستمر التوسع ليصل إلى نحو (895) ألف فدان، من الأراضي الخصبة، وشهد شهر مارس 2020م، توغلاً سودانياً في الفشقة، وفي نوفمبر 2020م، بدأ الجيش السوداني بسط سيطرته على المناطق التي لم ينتشر فيها منذ ربع قرن -تقريبًا- معلناً موقفاً جديداً ومثيراً للجانب الإثيوبي.
ومن أجل حل النزاع الحدودي، اتفقت حكومة إثيوبيا والسودان عام 1972م، من خلال وزيري خارجية البلدين على الشروع في عملية إعادة الترسيم من جبل دجليش جنوباً، كما تم الاتفاق على دراسة المشكلة الناجمة عن الاستيطان والزراعة من قبل مواطني أي من الدولتين في أراضي الدولة الأخرى بهدف إيجاد حل ودي.
وبعد شهرين من توقيع المذكرات، وجهت حكومة السودان خطاباً إلى رئيس منظمة الوحدة الأفريقية، تبلغه بأنه تم الاتفاق على تنظيم أطول حدود بين البلدين الأفريقيين، وأبلغت منظمة الوحدة الأفريقية إثيوبيا أن حكومة السودان قد صدّقت على هذا الاتفاق، وفقاً للمادة (102) من ميثاق الأمم المتحدة.
نزاع حدودي
ويرى مراقبون بأن هذه القمة ربما تكون خطوة في اتجاه إيجاد حل لمشكلات الحدود بين البلدين وربما قد يتمخض من القمة قرارات في سبيل المضي عملياً بخطوات تزيل التوتر بين الخرطوم وأديس، وأضاف الخبراء بأن ملف الحدود موثق تاريخياً للسودان، ولكن يبدو أن الأمر تحوَّل إلى قضية نزاع حدودي وليس مشاكل تتعلق بالترسيم والإجراءات الفنية الأمر يحتاج إلى نقاش بين الطرفين حتى يتم الدعم من الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة.
قمة جوبا
أفصحت دولة جنوب السودان، عقد قمة مشتركة بين القادة في السودان وإثيوبيا لحل القضايا العالقة في ملف الحدود بين البلدين واستقبل رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، الاثنين، مستشار رئيس جمهورية جنوب السودان للشؤون الأمنية توت قلواك، الذي نقل إليه رسالة من الرئيس سلفا كير، وأوضح قلواك بحسب بيان أصدره مجلس السيادة أن اللقاء تطرَّق للعلاقات السياسية بين البلدين وقضايا الحدود المشتركة بجانب العلاقات بين السودان وإثيوبيا وجنوب السودان، مبيِّناً أن العلاقات بين الدول الثلاث ستشهد مرحلة جديدة في مسيرة التعاون المشترك.
وقال: “هناك مبادرة من الرئيس سلفا كير لعقد جلسة بجوبا تضم رؤساء السودان وجنوب السودان وإثيوبيا لحل القضايا العالقة في ملف الحدود المشتركة”.
وفي سياق آخر تسلَّم البرهان رسالة خطية من سلفا كير ميارديت دعاه فيها لحضور تخريج القوات المشتركة المنصوص عليها في اتفاقية السلام بجنوب السودان والمزمع في الثلاثين من أغسطس الجاري.
اهتمام خاص
قال أستاذ العلاقات الدولية حامد يس، بأن ملف الفشقة والحدود بين السودان وإثيوبيا من الملفات المعقَّدة جداً ومن الملفات التي أولت الإيقاد اهتمامها بها على تواصل مع البلدين، ونوَّه يس خلال حديثه لـ(الصيحة) بأن السودان لديه تحفظ واضح على قضية ترسيم الحدود هذا بجانب التوترات التي تطرأ بالحدود من المتفلتين أو ما يعرف بعصابات الشفتة، وتابع: هنالك تدخلات إقليمية وتدخلات من دولة جنوب السودان باتجاه التهدئة والجلوس لإيجاد حل وخيارات معقولة للطرفين، مشيراً إلى أن الإشكاليات العالقة بينهما لن تحل إلا بالجلوس في حوار لحسم بؤر التوتر المتكرِّرة، وتوقع يس بأن تجد القمة الحلول وتعمل على تكوين لجنة مشتركة يتم منحها تفويضاً لبحث ومعالجة القضايا الحدودية ووضع حلول واضحة.
أسباب متعدِّدة
يقول المتخصص في شأن القرن الإفريقي أيمن حسن: إن النزاع على المناطق الحدودية وخاصة منطقة الفشقة هو محل تركيز، وأشار في حديثه لـ(الصيحة) إلى أن هناك بعداً آخر للأزمة يكمن في نقص عدد السكان السودانيين في المنطقة الحدودية، بعد نزوح أهاليها إلى المدن الكبرى لعدة أسباب، منها تأجير المزارعين السودانيين أراضيهم لنظرائهم الإثيوبيين، ويوضح أن “هذا الفراغ السكاني يقابله كثافة سكانية كبيرة على الشريط الإثيوبي، ما يدفع الإثيوبيين إلى التوجه نحو الأراضي الزراعية الخاوية داخل الحدود السودانية، ويرى أن القمة المرتقبة بين البرهان وآبي أحمد بجوبا لابد أن تضع حلولاً واضحة لمشكلات الحدود والتي يمكن حلها في نظري بوضع العلامات الحدودية ونشر قوات مشتركة بين البلدين، ليس من أجل ضبط النزاع فقط، بل محاربة عصابة الشفتة المكوَّنة من جنسيات مختلفة، والتي تمارس شتى أنواع الجرائم من قتل ونهب وتجارة مخدرات، وشدَّد على ضرورة محاربة عمليات تهريب السلاح ووقف الهجرة غير الشرعية وجرائم الاتجار بالبشر.
الخلافات مع جنوب السودان
قال د. عبد الرحمن أبو خريس، أستاذ السياسات الخارجية في المعهد الدبلوماسي التابع لوزارة الخارجية في حديثه لـ(الصيحة) بأن السودان ليس لديه مشكلة حدودية مع إثيوبيا، بل البرلمان الإثيوبي أقر بحدود السودان فقط تبقى إجراء تنفيذي، وأضاف بأن المشكلة الحدودية الآن مع دولة جنوب السودان في منطقة أبيي مناطق المسيرية، ونوَّه بأن الحدود مع إثيوبيا تم ترسيمها وهنالك إجراء تنفيذي كان يجب القيام به لأن هنالك أتيام حدَّدت المعالم وأصبحت معروفة ونجد أن أراضي بني شنقول أراضي سودانية، وأضاف أبو خريس بأن ما بدأ بواسطة اللجان السابقة يجب مواصلته لأن المشكلة مع إثيوبيا واضحة والحكومة الإثيوبية الوطنية أقرت بالحدود وتم تعريفها، مضيفاً بأن قمة جوبا لن تقدِّم جديداً، بل يجب تنفيذ ماتم الاتفاق عليه.