سراج الدين مصطفى يكتب : نانسي عجاج .. تجربة في مهب الريح!!
22 اغسطس 2022م
(1)
لا يختلف اثنان على أن الفنانة نانسي عجاج واحدة من أجمل الأصوات التي ظهرت في الساحة الفنية مؤخراً .. فهي فرضت نفسها كمطربة من خلال تجربة جادة ابتعدت عن الشكل التقليدي لغناء البنات، وكونت لنفسها شخصية فنية مغايرة من خلال طرح غنائي يتسم بالتطريب العالي .. لذلك لم تجد نانسي صعوبة كبيرة في الوصول لوجدان المستمع السوداني والذي بدوره تقبلها بترحاب كبير.. وهي فنانة في منتهى الذكاء الفني لأنها عرفت من أين يؤكل كتف المستمع باختيارها لأغنيات مسموعة لها وقع خاص عند المتلقي .. وتجلى ذكاؤها في اختيارها وترديدها لأغنيات مثل (شقي ومجنون) التي تعتبر من عيون الغناء السوداني الرصين صاحب الشعبية الكبيرة.. فكان مدخلها سليماً واختيارها موفقاً.
(2)
أغنية (شقي ومجنون) واحدة من الأغنيات الكبيرة في تجربة الفنان الراحل صديق الكحلاوي .. وهو فنان يمتاز بخامة صوتية نادرة وقدرة مدهشة على التطريب والتلاعب بصوته .. وهو رغم أنه فنان شعبي يعتمد في غنائه على الآلات الشعبية البسيطة ولكنه يمتلك قدرات خاصة جعلته واحداً من قلائل قادرين على التطريب الصوتي والتحرك في كل المساحات الأدائية بكل سلاسة وسلامة.. وأغنية “شقي ومجنون” نالت حظها من الإعجاب الكبير بفعل الطريقة الساحرة التي تؤديها بها حتى أصبحت هي الأغنية الأكثر إلحاحاً في السماع.
(3)
لذلك حينما تغني نانسي عجاج لفنان مثل صديق الكحلاوي بكل قدراته الصوتية فذلك يعني وثوقها من قدراتها والدخول في رهان مفتوح على جودة أدائها .. فكسبت نانسي الرهان وكان الناتج جماهيرية طاغية نافست بها حتى الفنانين الكبار الذين سبقوها في التجربة والرصيد الضخم من الأغنيات الخاصة التي شكّلت تجاربهم وشخصياتهم الفنية.
أعتقد أن نانسي عجاج هي الصوت النسائي الأول حالياً، لأنها تتمتع بخاصية التطريب والمقدرة المتقدمة على اختيار الأغنيات التي تناسب صوتها، وأعتقد أن خاصية الاختيار السليم للأغنيات جاءت من كونها سليلة أسرة فنية يقف على رأسها مبدع كبير كبدر الدين عجاج ، ووقوفه بجانبها في بداياتها منحها الأسس السليمة للانطلاق ، ونانسي فنانة موهوبة بالفطرة وصوتها يتمتع بخاصيات كثيرة أولها الخيال الكبير والقدرة على التحرك في كافة المقامات الموسيقية صعوداً وهبوطاً.
(4)
فهي يمكن أن تغني في المناطق الغليظة وتؤدي بحيوية أكثر في المناطق الحادة .. تلك الخاصيات منحتها أبعاداً خاصة بها فقط.. لذلك أنا لا استغرب صعود نجمها في عالم الغناء.. وبتقديري أن نانسي لم تتفجر قدراتها بعد فهي مازالت لديها الكثير والكثير في مقبل الأيام.. وقدمت نانسي عجاج ألبومين غنائيين .. كان أولهما هو ألبوم عبارة عن مقتطفات من درر الحقيبة .. تم تنفيذ الألبوم بواسطة آلة العود ، الكمان والإيقاع. وقد احتوى على (ولي المسا – عازة الفراق بي طال – فلق الصباح – المصير – في الضواحي – ظلموني الناس).. وبعد النجاح الساحق لتجربة الألبوم الغنائي الأول، قدمت نانسي الألبوم الثاني الذي حمل اسم “رفقة” وهي أغنية من كلمات الشاعر الكبير يحيى فضل الله وألحان الموسيقار الشاب ضياء الدين الطاهر، ويحتوي الألبوم على سبعة أعمال هي: (رفقة – يا زمن – ما ذنبي – جسمي المنحول – الطيف – بلدا هيلي أنا – شقي ومجنون).
(5)
رغم كل الجماهيرية الطاغية التي حققتها نانسي في فترة وجيزة بحساب الزمن والتجربة وما ظلت تعانيه من إشكالات مجتمعية ساهمت كثيراً في تحجيم تجربتها للانطلاق في براحات أكثر رحابة، ولكن نانسي فنانة بلا جديد يُذكر في مسيرتها الحالية وليس مسيرتها ككل.. فهي بحسابات الجماهيرية يمكن أن نقول بأنها وصلت القمة ولكن المؤسف أن نانسي بدأت تفقد اشتراطات البقاء في القمة.
ظلت نانسي في كل حفلاتها الجماهيرية أو لقاءاتها التلفزيونية تحصر نفسها في عدد معين من الأغنيات حتى أصبحت من المحفوظات.. أغنيات بعينها ظلت تلوكها حتى أصبحت ماسخة ومائية الطعم واللون .. والشئ الأكثر غرابة أن معظم تلك الأغاني هي من الأغنيات المسموعة وليست من أغنياتها الخاصة .. وواقع الأمر يقول إن رصيدها الغنائي الخاص من حيث التأثير بلا وجود أو حضور ذلك إذا استثنينا أغنية ــ بلداً هيلي أنا ـ وحتى هذه الأغنية تغنت بها من قبل فرقة الهيلاهوب.
نانسي عجاج فنانة بلا رصيد غنائي خاص، ذلك هو الواقع المرير الذي يجب أن تتداركه نانسي قبل فوات الأوان.. لأنه لا يعقل أن تكون فنانة بكل هذا الاسم الكبير ولا تملك رصيداً خاصاً من الأغنيات يخول لها أن تغني ولو في (فاصل غنائي) واحد.
التجربة في مهب الريح عزيزتي نانسي!!