تقرير: صلاح مختار. 22 أغسطس 2022م
انطلق أخيراً الحوار الوطني الشامل في تشاد بين المعارضة المدنية والمسلحة والمجلس العسكري الحاكم، بعد أن تأجل عدة مرات، على أن يستمر ثلاثة أسابيع، بهدف “طي صفحة” المرحلة الانتقالية والتوصل إلى إجراء “انتخابات حرة وديموقراطية”. ويشارك السودان بوفد برئاسة وزير الخارجية السفير علي الصادق، الذي وصل إلى العاصمة أنجمينا لتمثيل السودان في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر الحوار الشامل لتشاد. وأشار الصادق في تصريحات إلى (جزيرة برس) أن تحقيق السلام الشامل في تشاد ذو أهمية قصوى للسودان نسبة للتداخل القبلي والحدود المشتركة وأعداد اللاجئين الكبيرة من الطرفين.
هامش المؤتمر
ومن المقرَّر أن يلتقي الصادق بنظيره التشادي على هامش المؤتمر لبحث العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تطويرها والحفاظ على الأمن على حدود البلدين. إذاً إلى أي مدى يمكن أن يقود نجاح الحوار الوطني التشادي إلى تأثير إيجابي على الوفاق الوطني السوداني وما هي المقاربات التي يمكن أن يشكِّلها الحوار التشادي والوفاق الوطني السوداني؟.
لحظة حاسمة
وفي السياق، أعلن رئيس المجلس العسكري محمد إدريس ديبي إتنو، خلال جلسة الافتتاح أن “هذا الحوار الوطني الشامل يشكِّل لحظة حاسمة في تاريخ بلادنا”. وأضاف: إن الحوار “سيرسم سبل انطلاقة جديدة”. ووصل محمد إدريس ديبي إتنو، بالزي العسكري إلى الباحة الخارجية لقصر 15 يناير، يرافقه طاقم أمني كبير، حيث أزاح الستارة عن تمثال يرمز إلى الوحدة الوطنية قبل أن يدخل القصر. وكان محمد إدريس ديبي، الذي تولى السلطة في أبريل 2021م، على رأس المجلس العسكري الانتقالي بعد وفاة والده إدريس ديبي، الذي حكم البلاد لمدة 30 عاماً، وعد بتنظيم حوار مع المعارضة للتوصل إلى إعادة السلطة إلى المدنيين خلال مهلة 18 شهراً، قابلة للتجديد مرة واحدة.
أسس جديدة
وسيجتمع نحو (1400) مندوب، يمثلون نقابات وأحزاب سياسية والمجلس العسكري الانتقالي لمدة 21 يوماً، في قصر 15 يناير، في قلب العاصمة أنجمينا، من أجل مناقشة إصلاح المؤسسات ووضع دستور جديد يفترض أن يعرض للتصويت في استفتاء. وستناقَش -أيضاً- قضايا السلام والحريات الأساسية. وسيجتمع المندوبون في إطار لجان متنوِّعة. وسيلقي رئيس مفوَّضية الاتحاد الأفريقي التشادي موسى فقي محمد، كلمة في افتتاح الحوار. ويعتبر الحوار الوطني التشادي “فرصة تاريخية لإرساء أسس جديدة لاستقرار تشاد”.
اتفاق الدوحة
وكان الحوار الوطني قد تم تأجيله عدة مرات والذي كان مقرراً عقده في فبراير، بعد أقل من أسبوعين على توقيع اتفاق في الدوحة بين المجلس العسكري التشادي ونحو أربعين مجموعة متمرِّدة. وينص الاتفاق الموقع في الثامن من أغسطس وأبرم مع عدد من المجموعات المسلحة التي قاتلت نظام إدريس ديبي، لسنوات، خصوصاً على “وقف لإطلاق النار”. وقد سمح ذلك بمشاركة المتمردين في الحوار. وقال تيمان إرديمي، زعيم “اتحاد قوى المقاومة” الذي عاد الخميس الماضي، إلى أنجمينا بعد سنوات من المنفى للمشاركة في الحوار، “وقعنا هذا الاتفاق لإعادة بناء تشاد”. والموقف نفسه عبَّر عنه محمد نوري، زعيم حركة “اتحاد القوى من أجل الديموقراطية والتنمية”.
فرصة تاريخية
ونص مرسوم وقعه رئيس المجلس العسكري محمد إدريس ديبي، على أن “الحوار الوطني الشامل” سيكون “سيادياً” وقراراته ستكون “تنفيذية”. كذلك، ينص على أن “رئيس المجلس العسكري الانتقالي، رئيس الجمهورية، رئيس الدولة، هو الضامن” للحوار. من جهته، هنأ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، تشاد بهذا الحوار، معتبراً أنه “فرصة تاريخية لإرساء أسس جديدة لاستقرار” البلاد. فيما قال المتحدث باسم الحكومة عبد الرحمن كلام الله: إن “هذا الحوار يجب أن يسمح لنا بجعل استخدام السلاح وراءنا بشكل نهائي”.
خميرة عكننة
ويرى الأكاديمي والمحلِّل السياسي عمر عبد العزيز، أن هنالك مقاربات ممكنة بين السودان وتشاد، مبيِّناً أن هناك شبه إجماع في الحياة السياسية في تشاد عكس ما يدور في السودان، بحيث أن قوى اليسار تشكل خميرة عكننة يحول دون التوصل إلى اتفاق أو وفاق بين القوى السياسية السودانية عكس ما يدور في تشاد، حيث أن القوى السياسية متفقة على القضايا التي يتم من خلالها الحوار، ولفت عبد العزيز في حديث لـ(الصيحة) إلى أن المقاربة مهمة خاصة أن قوى اليسار أو الحزب الشيوعي سيكون خميرة عكننة في الوصول إلى حلول للقضايا السياسية السودانية، وفي تشاد لا يوجد حزب يساري أو قوى يسارية يمكن أن تشكِّل خميرة أو مشكلة تشكِّل عقبة في طريق الحوار الوطني.
استقرار الدولة
أكد الخبير والمحلِّل الاستراتيجي الأستاذ زهير الفاضل، على أهمية مشاركة السودان في الحوار الوطني التشادي بأنجمينا، وقال: إن مشاركة السودان بوفد رأسه وزير الخارجية تعكس حرص السودان على أمن واستقرار تشاد. وأضاف الفاضل في تصريح صحفي: إن تشاد دولة جارة مهمة وعمق استراتيجي للسودان أمنياً واجتماعياً واقتصادياً، تشترك معه في أطول حدود ويوجد تداخل قبلي إنساني مستمر معها، متعايشون سلمياً ومع كافة المجتمعات، إلى جانب وجود اللاجئين السودانيين، لافتاً إلى جهود دولة تشاد من خلال مشاركتها في محادثات جوبا للسلام والتي أسفرت عن توقيع الحكومة السودانية وحركات دارفور على اتفاقية سلام جوبا. ونوَّه الخبير إلى جهود نائب رئيس المجلس السيادي الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، ودوره في بسط الأمن وفرض هيبة الدولة وتحقيق المصالحات بين مكوِّنات المجتمع خلال وجوده بولاية غرب دارفور.
معارضون للحوار
في غضون ذلك لم توقع “الجبهة من أجل التوازن والوفاق في تشاد”، إحدى الحركات المتمردة الكبرى التي تقف وراء الهجوم الذي أودى بإدريس ديبي، اتفاق الدوحة ولن تشارك في الحوار، معتبرة أنه “منحاز بشكل مسبق”. كذلك رفض ائتلاف أحزاب المعارضة وأعضاء المجتمع المدني “وأكد تاما” -أيضاً- المشاركة في الحوار، متهماً طبقاً لـ(فرانس بريس) المجلس العسكري بإدامة “انتهاكات حقوق الإنسان” والتحضير لترشيح الجنرال ديبي للرئاسة مع أنه تعهد في بداية المرحلة الانتقالية بألا يترشَّح.