21 اغسطس 2022م
كتب الدكتور يحيى الأحمدي تحت هذا العنوان (امرأة تحت الإنشاء)، مقالاً رائعاً يؤكد اهتمام الإسلام بالأم، بل يهتم بالمرأة مطلقاً، حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم النساء شقائق الرجال.
لاهمية المقال إليكم نصه:
كتب الدكتور وقال (عندما وضعت زوجتي ابنتنا العزيزة. قالت لي من فوق سريرها وهي لا تزال تحت تأثير المخدر قولاً لا زلت أتذكره حتى تلك اللحظة التي تخطو فيها ابنتي على عتبات الجامعة، ألف مبروك يا زوجي لقد أصبح لديك الآن امرأتان، واحدة جاهزة وأخرى تحت الإنشاء، لم ألق بالاً ساعتها لقولها، والتفت عما قال الى الاهتمام بها. ورعيتها لتتمكن من العودة في أسرع وقت الى بيتي الذي رأيته أظلم منذ مغادرتها له، فلما جاء عيد ميلاد ابنتنا الأولى، كررت قولها لي بشكل آخر عندما قالت من بين ضوء الشمعة الوحيدة المتراقص، كل سنة وانت طيب لقد أتممت لك اليوم. وضع حجر الأساس لامرأتك التي تحت الإنشاء، استوقفتها ولا تزال بقية قطعة الجاتوه التي أقضمها في يدي لم أدسها في فمي بعد، وسألتها وماذا تقصدين يا حبيبتي بامرأة تحت الإنشاء؟ قالت لي وقد اعتدلت في جلستها واتخذت جلسة الحكيم المتمكن، إنّ صناعة المرأة السوية تبدأ منذ اللحظة الأولى التي تولد فيها والأم العاقلة التي تعتبر طفلتها هي مشروع امرأة ناضجة تحت الإنشاء، مشروع محتاج مثل كل مشروع الى رسم هندسي ومعماري وهندسة ديكور وتجميل وصناعة وزراعة، قبل أن يأتي يوم التجارة الرابحة، حيث أوان التباهي بما صنعنا وزرعنا وهندسنا وهو بنيان كما ترى يستحق ما يبذل من أجله من جهد وعرق وسهر ليالٍ.
فالمهندس الذي يخطئ في بناء عمارة سوف ينهار بسبب خطئه. ثم يصدر قراراً بوقفه عن ممارسة المهنة، بينما المرأة التي تخطئ في بناء مشروعها الأنثوي. سوف تفسد امرأة وتتعس زوجاً وتشقى أبناء وقد يطال الفساد مجتمعها بأسره والمرأة الغبية هي التي تفترض صناعة المرأة تبدأ إلا عندما تظهر على جسدها دلائل الأنوثة، حيث هي لا تعرف أن كل شئ في غير أوانه قد لا يحصد هشيماً كمال يقول المثل الإنجليزي It is better
because it is in time
فلكل سلوك أوان لتعلمه لو تأخّر عنه ما أمكن التعلم. فالأسبوع الأول من الميلاد مثلاً هو للتعلق بالروح، والأسبوع الثاني للتعلق بالأيدي، والأسبوع الثالث للتعلق بالعينين، والسنة الأولى هي للتعلق باللفظ، والسنة الثانية للتعلق بالحركة، والسنة الثالثة للتعلق بالتعامل مع الآخرين، والعشر السنوات الأولى هي للتعلق بالفكر، والعشر الثانية للتعلق بالعواطف وبين كل تلك السنوات أيام وساعات لا تمر منها لحظة، الا وتتعلم المرأة الطفلة شيئاً، تتعلم أن تحفظ نفسها وأن تحافظ عليها، تتعلم أن تقترب من الآخرين بحذر، وأن تبتعد عنهم بدلال، أن تتجمل دون حاجة لأن تتعرى أن تحب جنسها وتتصالح معه ولا تعاديه، أن تسمو باختلافها عن الذكر فلا تعاقر مشاعر النقص مبكراً، أن تغلق باب حمامها من عمر عامين إلا على أمها أن تقرأ. مبكراً نهم الغرباء على أنوثة الطفلة فيها ان ترفع شعرها عن عينيها في خجل ان تبكي للخارج مرة وللداخل مرتين، أن تتعلم كيف تحب نفسها. أكثر مما يحبها الآخرون وان تحب الآخرين ربما مما يحبون هم أنفسهم، عند هذا الحد شعرت برعشة قوية تسري في أوصالي وسالت نفسي في عجالة اكل هذا علينا ان نفعله مع ابنتنا؟؟ اتكون صناعة المرأة بكل الصعوبة وتستغرق كل هذا الزمن؟؟ وهل لاقت امرأتي من والديها مثل هذا الاهتمام حتى أصبحت على تلك الروعة التي أحسد نفسي (امتلاكها) في بيتي؟؟
استطردت زوجتي غاضة الطرف عن لحظة التفكير التي أخذتني من حديثها لبرهة وهل تظن أن المرأة الجميلة المثقفة العاقلة المتزنة الودود المشبعة لزوجها يمكن ان تكون صناعة تلك الشهور التي تلي خطبتها وتسبق زفافها وحسب؟؟
ألا تعرف أن إشباع المرأة لزوجها هو سلوك له جذوره في طفولة رضاعتها وان حسن رأيها وجرأة مشورتها لهما أصول في اجتماعيات طفولتها المبكرة وان صمتها حين حديث زوجها وحديثها عند صمته هو أدب لا يصلح تعلمه بعد سن السادسة، وإن صبرها على مطالب زوجها المتزايدة هو سلوك لا تتعلمه إلا الى جوار أمها في المطبخ في تلك الساعات الطويلة التي يقضيانها يلفان ورق العنب أو ينظفان الطيور بعد ذبحها على انغام دروس أمها التعليمية والتربوية.
اتستكثر يا زوجي بعد كل ذلك أن تكون طفلتنا هي مشروع (امرأة تحت الإنشاء) لا يحين وقت تسليمه لمن سيسكنه إلا بعد عشرين عاماً من البناء والتشييد والتجميل والتزيين والتأثيث.
ألا تسعد عندما يصبح حفل التسليم مُناسبة للسد على اليد وتقديم آيات العرفان لتلك المهندسة التي أشرفت على الإنشاء، ولذلك المقال الذي تابع صناعة المنشأة خطوة خطوة، ألست مقاولاً تمول الانفاق وتتابع تنفيذ التوجيهات، بينما أنا مهندسة تنفيذ العملية على النحو الذي أراده لها المقاول الناجح الشاطر.
تركتني زوجتي نهبًا للتفكير في إجابة لسؤال أحسبه عويصاً هل مثل تلك الصعوبة التي تعانيها الأم والأب في صناعة الابنة أو الابن هو الذي جعل الجنة تحت أقدام الأمهات، وهو الذي هأ قصراً في الجنة للرجل الذي يحسن تربية ثلاث بنات أو اثنتين او واحدة).
هذا هو المقال القيم للدكتور يحيى الأحمدي وهو مقال هام يجسد أهمية المرأة في بناء الأمة، ولذلك على كل أب وأم أن يشرفا بدقة على بناء الأسرة، آنها العمارة الشاهقة التي يسكنها المجتمع.