اتفاق الخامس من يوليو.. الشيطان في التفاصيل
إبراهيم الأمين: الحكومة القادمة أهم من المجلس السيادي التشريفي
خبير إستراتيجي: تعليق بعض المسائل يفتح الباب لدخول الشياطين
عضو في الحركة الاتحادية: القرار في مجلس السيادة يُتّخذ بثلثي الأعضاء
ضابط متقاعد: بناء جسور الثقة الضامن للاتفاق
قوى التغيير: إعلان المجلس التشريعي مرتبط بالاتفاق مع الحركات المسلحة
إعداد: محيي الدين شجر
أعلن مبعوث الاتحاد الأفريقي، محمد الحسن ليباد، في وقت مبكر من صبيحة أمس الجمعة، عن التوصل إلى اتفاق بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير، وذلك بعد يومين من المفاوضات المباشرة.
وأوضح ليباد، في مؤتمر صحفي عقب جولة المفاوضات التي استمرت حتى الساعات الأولى من فجر أمس بحضور الوسيط الإثيوبي، أن الطرفين اتفقا على تشكيل مجلس سيادي بالتناوب بين العسكريين والمدنيين لمدة 3 سنوات وثلاثة أشهر (22) شهراً للعسكريين و(18) شهراً للمدنيين وتشكيل حكومة كفاءات وطنية مستقلة برئاسة رئيس وزراء مستقل واستثناء حزب المؤتمر الوطني والأحزاب التي شاركت معه من حكومة الكفاءات وإقامة تحقيق وطني مستقل وشفاف بشأن الأحداث الأخيرة.
وقال إن الجانبين توافقا على إرجاء تشكيل المجلس التشريعي إلى ما بعد تكوين المجلس السيادي والحكومة المدنية، وأن يعملا بمسؤولية لاتخاذ الإجراءات التي من شأنها تحسين الأجواء وخلق جو مواتٍ للوفاق.
وأكد نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي، الفريق أول، محمد حمدان دقلو، أن الاتفاق سيكون له ما بعده وسيكون شاملاً، ولا يقصي أحداً، ويستوعب الحركات المسلحة والقوى السياسية، وكل طموحات الشعب السوداني وثورته الظافرة.
وذكر القيادي في قوى إعلان الحرية والتغيير، عمر الدقير، أن الاتفاق يفتح الطريق لتشكيل مؤسسات السلطة الانتقالية لتنفيذ برامج الإصلاح الاقتصاديي والسياسية والاجتماعية والاهتمام بقضية السلام.
وأعرب عن أمله بأن يكون الاتفاق بداية لعهد جديد تسوده الوحدة والوعي والإرادة الجماعية لتحقيق أحلام الشعب السوداني وإسكات صوت البندقية إلى الأبد وتحقيق المصالح الوطنية.
الشيطان في التفاصيل
هذا الاتفاق الذي انتظره الشعب طويلا بعد شد وجذب بين المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير وصفه بعض المراقبين بأنه يواجَه بتحديات كبيرة ويفتح باباً في تفاصيله لدخول الشياطين (الشيطان في التفاصيل)، ويقصدون تفاصيل ضمان الالتزام بالاتفاق بين الطرفين واختيار الشخصية التوافقية وتفاصيل صلاحيات الحكومة المدنية التي تتكون وكيف يتم اختيار الوزراء وصلاحيات مجلس السيادة وكيف يتخذ القرار في مجلس السيادة في حالة حدوث خلاف بين الطرفين.. إضافة إلى من يملك سلطة التشريع في ظل غياب المجلس التشريعي.
كل تلك التفاصيل لم ترِد لا من أفواه الذين تحدثوا بُعيد الاتفاق من الجانبين، ولا حتى من الوسيط الأفريقي الذي أشرف على الاتفاق وبشّر به قبل يومين من التوقيع عليه..
سوابق تاريخية
الخبير القانوني والاستراتيجي الدكتور كمال محمد الأمين، قال لـ (الصيحة) إن تاريخ الاتفاقيات السودانية أنها دائماً تعمل على تعليق بعض القضايا، وقال إن أي شد وجذب في الفترة الانتقالية بين المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير سيعمل على تفريغ الفترة الانتقالية من مضمونها، مشيراً إلى أن تأجيل تكوين المجلس التشريعي من شأنه العمل على فتح الباب لدخول الشياطين، وزاد بقوله: (كان من المفترض ألا تكون هنالك أي مسألة معلقة، لأن السوابق التاريخية وبخاصة اتفاقية نيفاشا علقت قضية أبيي كما علق دستور 2005 بعض القوانين التي كانت متعارضة مع الحريات، وذكر بأن تظل سارية إلى أن تُعدّل كقانون النظام العام الذي ظل مطبقاً منذ ذلك التاريخ وحتى سقوط نظام البشير قبل أيام). مضيفاً: كان ينبغي أن يحددوا حداً أقصى لتكوين المجلس التشريعي ومهامه، لأن اتفاقهم بأن يتم تكوينه بعد تعيين مجلس السيادة وحكومة الكفاءات قد يكون سبباً في الخلاف بينهما..
إصلاح القوانين
وقال الأمين إن من مهام المجلس التشريعي في الفترة الانتقالية العمل على إصلاح القوانين الموجودة بإجراء تحديثات فيها تواكب المرحلة القادمة وتجديد السجل الانتخابي الذي يعد باباً مشرعاً لأي تزوير.
وقال: من المتوقع أن يقوم المجلس العسكري بحل نفسه ويقوم بإنشاء مجلس السيادة برئيس عسكري ونائبين نائب عسكري، ونائب مدني، حسب الاتفاق بينهما وقد يتفقون على رئيس عسكري ونائب واحد عسكري، لأن المرحلة الأولى سيتولاها العساكر.
وأكد الأمين أن الطرفين إذا توفرت الثقة بينهما فإنهما يستطيعان إنجاح الفترة الانتقالية والتي شبهها بالسفينة أي تشاكس فيها يؤدي إلى غرقها.
وحول الشخص الحادي عشر في مجلس السيادة قال: هنالك عسكريون كُثر في الجيش أو الشرطة عرفوا بالنزاهة والشرف منهم اللواء عصام ميرغني.
وقال إن نسبة الحرية والتغيير في المجلس التشريعي هي نفس النسبة السابقة 67% على أن تعمل الحرية والتغيير على استيعاب بعض التنظيمات التي لم تشارك مع المؤتمر الوطني في تلك النسبة.
المجلس السيادي تشريفي
نائب رئيس حزب الأمة القومي إبراهيم الأمين تحدث لوسائل الإعلام بعد الاتفاق مؤكداً بأنه اتفاق مُرضٍ للطرفين، وإن التحدي الأكبر ينتظر الحكومة ومجلس الوزراء، وقلل من الحديث من صعوبة التفاصيل، وأشار إلى أن الحكومة القادمة في ظل الحكم البرلماني ستكون أهم من المجلس السيادي وستكون لها كافة الصلاحيات، وأن صلاحيات المجلس السيادي ستكون تشريفية فقط يعتمد الاتفاقيات الدولية ويعتمد تشكيل مجلس الوزراء ورئيس الوزراء.
وأضاف: الأطراف أصبحت في توافق، والحرية والتغيير في حالة تماسك، وهي موحدة في الهدف ومجمعة أن يتم تنفيذ برنامج إعلان الحرية والتغيير وهذا الالتزام على كل الأطراف تنفيذه..
وذكر أن التحديات التي ستواجه رئيس الحكومة المرتقبة تتمثل في قضية السلام وإصلاح الوضع الاقتصادي المتدني، لأن النظام السابق أورث ديوناً ضخة تحتاج إلى معالجات صحيحة.
شخصية عسكرية مدنية
أما القيادي في تجمع شباب الاتحاديين المحامي حسين ميرغني، فقد ذكر أنه لا خلاف بينهم وبين المجلس العسكري حول الشخص رقم (11) في مجلس السيادة. وقال: غالباً ستكون شخصية مدنية عسكرية (ضابط متقاعد مثلاً) يختارها المجلس العسكري وتوافق عليها قوى إعلان الحرية والتغيير أو ترفضها.
مؤكداً أن إعلان الحرية والتغيير ستختار عبد الله حمدوك لمنصب رئيس الوزراء على أن يقوم باختيار حكومته بالتشاور مع الحرية والتغيير، مضيفاً: نحن سنقدم له أسماء وهو يختارهم.
وحول القرار في مجلس السيادة، قال إنه يتخذ بثلثي الأعضاء ولا خلاف على ذلك، مشيراً إلى وجود تفاصيل أخرى غير مؤثرة سيتم الاتفاق حولها.
وعن أسماء المجلس السيادي من المدنيين ذكر أنهم كتجمع الاتحاديين رشحوا بابكر فيصل، مؤكداً أن إعلان الحرية والتغيير قامت بتسمية أسماء مجلس السيادة كما رشحت عدداً من الأسماء لشغل مناصب الحكومة التي ستتشكل قريباً.
وقال حسين في حديثه لـ (الصيحة) إن الفترة الأولى والمقدرة بـ (22) شهراً ستكون من نصيب المجلس العسكري، وقد يكون الرئيس عسكرياً ونائبه عسكرياً على أن يتولى المدنيون الفترة المتبقية (18) شهراً.
وأضاف بقوله: المهم في هذا الاتفاق أنه استبعد المؤتمر الوطني من العملية الأساسية خلال الفترة الانتقالية.
التوافق
وتحدث مصدر من تجمع المهنيين ــ فضل حجب اسمه، بأنهم سيرشحون الفريق أول ركن معاش مصطفى عثمان العبيد (أب عشرة) رئيس الأركان المشتركة ووزير الدفاع الأسبق ليكون الشخص رقم (11) في المجلس السيادي وقال إن أب عشرة كان قائداً لسلاح المهندسين ثم وزيراً للدفاع في فترة قصيرة، وكان قد أمر بإحالة والي الخرطوم الأسبق عبد الرحيم محمد حسين إلى لجنة محاسبة، حينها أحيل إلى الصالح العام دون أن يخبروه بالإحالة وذكر أنه يتمتع باحترام كبير في القوات المسلحة ومن الثوار، وحول أعضاء مجلس السيادة الآخرين ذكر بأنه تم التوافق على عدد من الأسماء سيتم اختيار خمسة أسماء منهم بينهم فدوى عبد الرحمن أستاذ التاريخ بجامعة الخرطوم إلى جانب وزير الخارجية الأسبق بابكر فيصل المنتمي سياسياً للحركة الاتحادية وصديق تاور القيادي السابق في حزب البعث، وطه عثمان إسحق وإبراهيم طه أيوب وعمر الدقير ومدني عباس مدني.
واستبعد المصدر حدوث خلاف في مجلس السيادة، وقال إن المجلس ليس مثل الأندية، لأن القرار فيه سيتم بتوافق بين كل الأطراف وعبر دراسات ومستشارين ليأتي القرار مدروساً..
ثلثا الأعضاء
واستبعد مقرر الضباط المتقاعدين حسن محمود، أن يتم اختيار أبو عشرة في مجلس السيادة، وقال إنه ضابط حديث، مؤكداً أنهم إذا اختاروا ضابطاً متقاعداً فإنه سيكون من الضباط القدامى كاللواء (م) عثمان عبد الله وزير الدفاع في الفترة الانتقالية السابقة.
وقال لـ (الصيحة) إن الغالب أن يتم ترشيح شخصية مدنية مستقلة معروفة بالنزاهة، وذكر أن تكوين المجلس السيادي من (11) عضواً هو قرار مناسب مؤكداً بأنهم من اقترح هذا العدد، وبين أن القرار فيه سيكون بثلثي الأعضاء وهي النسبة التي تتناسب مع عدد الأعضاء..
وأضاف بقوله إن الاتفاق لابد أن تسبقه النوايا الحسنة من الجانبين وعدم الاختلاف مؤكداً أن بناء جسور الثقة هي الضامن للاتفاق.
الضمانات
وقال المتحدث باسم قوى إعلان الحرية والتغيير مدني عباس مدني في مؤتمر صحافي أمس متحدثاً عن الاتفاق الذي تم بأنه تم التوافق على فترة
انتقالية مدتها ثلاث سنوات وثلاثة أشهر الستة الأشهر الأولى لعملية السلام و21 شهراً رئاستها للعسكريين، وأن تقوم الحرية والتغيير بتكوين مجلس وزراء من كفاءات وطنية، وذكر بأنه تم الاتفاق على تأجيل المجلس التشريعي لما بعد تشكيل المجلس السيادي والحكومة المدنية، وأشار إلى تشكيل لجنة فنية من قانونيين فيها خبراء أفارقة تُنهي عملها خلال 48 ساعة لصياغة التوقيع النهائي للاتفاق.
وأضاف: ما تم الاتفاق عليه سابقاً كان يختص بالصلاحيات الثلاث تشكيل مجلس الوزراء والتشريعي والسيادي، وكان الخلاف في السيادي فقط، مؤكداً أن الاتفاق السابق يعد مرجعية لهذا الاتفاق، وأنه تم تخفيض النسبة في المجلس السيادي.
الشعب السوداني
وحول ضمانات الاتفاق، قال إن الشعب السوداني هو الضامن للاتفاق إضافة إلى ضمانات الاتحاد الأفريقي..
وقال إن رئيس مجلس الوزراء سيقوم باختيار الحكومة بناء على ترشيحات تقدم له.
وحول صلاحيات المجلس السيادي قال إنه سيعتمد رئيس القضاء والنائب العام والوزراء الذين سترشحهم الحرية والتغيير وإذا لم يقرر خلال 15 يوماً يصبح أي قرار سارٍ، وقال إنه سيتم التوقيع النهائي على الاتفاق إلى حين الفراغ من الوثيقة التي يتم إعدادها حالياً، وقال إن حفل التوقيع سيحضره عدد من رؤساء الدول الشقيقة والصديقة والرئاسة دورية، مؤكداً أنهم وافقوا على تكوين لجنة تحقيق وطنية تتمتع بالاستقلالية، وتحوز على اتفاق جميع الأطراف لها، وقراراتها ملزمة.
وعن تخليهم عن لجنة تحقيق دولية، قال إنهم تحدثوا مع قانونيين وكان الرأي أنه لابد من توفّر شرط الاستقلالية في ظل الخلل الذي أصاب الأجهزة العدلية في السودان .
مؤكداً أن اللجان الدولية بعضها لم يحقق شيئاً لهذا ما يهمنا هو أن تحظى اللجنة بقبول الجميع..
وحول إرجاء تكوين المجلس التشريعي، قال مدني: نحن لا نتحدث عن إعادة التفاوض في المجلس التشريعي بل عن إرجاء تشكيله، ولن يكون هنالك فراغ تشريعي، لأن مجلس الوزراء ومجلس السيادة سيعوض غياب المجلس التشريعي خلال الثلاثة أشهر مؤكداً أن إعلانه مرتبط ببعض الاتفاقيات مع الحركات المسلحة الأخرى.