في الشأن الاقتصادي.. أسئلة تحتاج إلى إجابة (10-10)
كتب: صلاح عبد الله 14 اغسطس 2022م
ومن سجلات الجمارك يمكن التعرُّف على الحصيلة من حجم الاستيراد لهذه السلع التي استهلكت مدخرات الوطن وحرمته من الاستفادة من عائدت مواطنيه المغتربين وإحجامهم عن توريد مدخراتهم إلى داخل بلادهم بالطرق المشروعة
وقف استيراد هذه السلع سوف يوقف الطلب التزايد على الدولار وبالتالي يخفض سعره فوراً مقابل عملتنا التي وصلت إلى درجة مخيفة من الضعف والانهيار.
القرارات الحاسمة ما لم تقم بها حكومة الثورة الآن سوف نظل في هذه الدوامة اللا نهائية.
أثر البيئة وسلوك المجتمع في التطوُّر الاقتصادي
كما ذكرنا -سابقاً- أن الاقتصاد لا يتجزأ، فالنهضة الاقتصادية لا تتم أو تحقق أسباب النجاح إذا لم تتوفر لها كل مقومات هذا النجاح .
فالنمو الاقتصادي لأي دولة الهدف الأساسي منه هو تحقيق رفاهية المجتمع وبما أن رفاهية المجتمع معيار نسبي إذا أن الرفاهية تختلف من مجتمع لآخر وفقاً للمستوى المعيشي والتعليمي والصحي والاجتماعي من عادات وتقاليد وموروثات ثقافية فهذه مجتمعة تشكِّل معياراً الرفاهية لأي مجتمع .
والنمو الاقتصادي يتطوَّر كلما تطوَّر المجتمع في النواحي التي ذكرناها آنفاً ويظل هذا التطوُّر إشباعاً لرغبات المجتمعات والأفراد . إذ أن النظريات الاقتصادية كلها مبنية على إشباع رغبات أفراد المجتمع والمعلوم بداهة أن الإنسان كلما أشبع رغبة من رغباته تظهر له رغبات جديدة ينتجها التطوُّر الصناعي والاجتماعي في البيئة التي يعيش فيها .
فرفاهية الفرد تنبع من رفاهية المجتمع في كل نواحي الحياة، لذالك فالنمو الاقتصادي الذي يحقق رفهاية المجتمع لا يتم كما أسلفنا بمجهودات فردية من أفراد متخصصين فقط في العلوم الاقتصادية فالنهضة الاقتصادية الشاملة عبارة عن منظومة متماسكة ومترابطة ببعضها البعض ويجب العمل على استنهاضها دفعة واحدة .
المعلوم أن علوم الاقتصاد تجارب بشرية تختلف من بيئة إلى أخرى ومن مجتمع إلى آخر وهي بالتالي ترتبط بنمو الدولة في كافة المجالات التي ذكرناها سابقاً .
يأتي في الأهمية سلوك المجتمع المبني على عاداته وتقاليده الراسخة في وجدان مواطنيه.
فالأمثال الشعبية مثلاً المحبطة التي يتداولها أفراد المجتمع بكل بساطة في سلوكهم الحياتي لها الأثر الكبير في تحديد الرغبة نحو نمو الاقتصادي ومن الأمثال المحبطة التي يتناولها أفراد المجتمع بكل براءة وسذاجة .
- i. (دار أبوك كان خربت شيل ليك منها شلية)
- ii. (كان غلبك سدها وسِّع قدها)
iii. (كان كترت عليك الهموم أدمدم ونوم)
- iv. (اصرف مافي الجيب يأتيك مافي الغيب)
هذه نماذج اخترتها فقط للتدليل على أثرها في سلوك المجتمع وعدم المبالاة .
أي أمة تكون هذه هي أمثلتها في الحياة اليومية لا طموح، بل استسلام كامل لمعتقدات اجتماعية وأقوال لا نعلم من الذي أطلقها في هذا المجتمع السوداني حتى صارت أمثلة يومية لسلوك الفرد السوداني وهي من أكبر المحبطات لأي معادلة للتطلع لمستقبل زاهر ورسم لطريق النمو الاقتصادي ليعبر بالبلاد إلى بر الأمان وإلى اللحاق بالأمم المتحضرة إذا لم تتغيَّر هذه المفاهيم والأمثلة كلية فلن نعشم في أي طموح يقود إلى نهضة اقتصادية تحقيق رفاهية المجتمع .
يأتي بعد ذلك العادات والتقاليد المجتمعية وسلوك الأفراد والجماعات في مختلف الأنشطة الاجتماعية والحياة اليومية منها العادات والتقاليد في المناسبات الاجتماعية كالأفراح والأتراح والصرف البذخي والمظهري في حياة سكان المدن خاصة من أجل المباهاة الاجتماعية والظهور في المجتمع بصورة قد تكون غير واقعية فرضتها الظروف المحيطة بكل أسرة حتى تنال الحظوة والريادة الاجتماعية .
فالتبذير في المأكل والمشرب والإسراف في هذه المناسبات لا معنى له سوى إكمال المظهر الاجتماعي .
ومن أهم عوامل تخلفنا عن ركب الأمم اقتصادياً عدم احترام الزمن، فالزمن يضيع هدراً في سلوكيات ومجاملات اجتماعية وتقاليد بالية لا تنفعنا دنيا ولا آخرة.
الزمن هو أساس الحياة والاستفادة القصوى من كل دقيقة منه أمر ما زالت شعوبنا بعيدة منه تماماً، فسلوكنا المجتمعي ملئ بالعادات والمجاملات التي تهدر ما لا يقل عن (80%) من الزمن المتاح لدينا يومياً .
ومازلنا لم نتعلم أهمية إدارة الوقت سواءً على المستوى الفردي أو الجماعي في أجهزة الدولة المختلفة أو حتى في القطاع الخاص .
وبما أن الزمن هو الاقتصاد، فالاقتصاد القوي لا تبنيه دولة لا تستطيع التحكُّم في زمنها.
يأتي من بعد ذلك عامل مهم جداً من عوامل النمو والتطور الاقتصادي ألا وهو الاهتمام بمعايير الجودة في كافة أعمالنا الفردية والجماعية. فطبيعة الإنسان السوداني ومع الأسف لا يهتم بتجويد عمله بالصورة المطلوبة على الرغم من أن تجويد العمل سلوك كلفنا به ديننا الحنيف ( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه) .
فالجودة هي المعيار العالمي الذي وضعت له الدول العظمى مقاييس عالمية متفق عليها (ISO) وكلفت كل الدول بالاهتمام بتطبيق هذه المعاير وفقاً لاتفاقية عالمية .
الجودة هي المدخل الأساسي لكل المنافسات العالمية لاختراق الأسواق العالمية وملأها بمنتجات الدول المختلفة.
ما لم نهتم بهذا الأمر ونضع كل إمكانياتنا العلمية والعملية إلى أرقى وأعلى فلا نحلم بأي تقدم اقتصادي .
وفي الختام أن المعالجات الوقتية لكل الضايقات المعيشية أمر مطلوب ولكنها معالجات ظرفية لن تستطيع أن تصمد على المدى الطويل، لذلك يجب التفكير بروح جديدة وهمة عالية للقيام بالدراسات ووضع الاستراتتجيات المبنية على المعلومات الحقيقية كما ذكرنا في مقدِّمة هذه الورقة .
إن الاستفادة من طاقات الشباب العظيم الذي فجَّر هذه الثورة العظيمة يجب أن تكون لها الأولوية في أي برنامج لتحقيق أي نمو اقتصادي يقود في النهاية لرفاهية المجتمع .
تبقى هذه هي المسؤولية التاريخية التي تواجه كل القوى السياسية في السودان والتحدي الأكبر الذي ينتظرها بعد الفترة الانتقالية.
والله من وراء القصد,,,,,,,,,,,,,,,