بعيونهم قرية في دارفور تدير ظهرها للصراع
بقلم: إدوارد كاروارديني
يجد المرء في قرية يارا مظهراً مختلفاً إلى حد يثير الدهشة في دارفور. ففي المنطقة التي تُصوّر بأن الخلافات العرقية والتوترات القبلية تمزقها، يعيش سكان قبيلة الفور والأسر العربية البدوية جنباً إلى جنب، ويعملون معاً على تحسين مجتمعهم المحلي.
فقد أتاح الاستقرار النسبي السائد في يارا أن يركّز السكان على أولوياتهم المتمثلة في تحسين مجتمعهم المحلي من أجل المستقبل.
فقد أعيد بناء المدرسة والمستوصف المحلي. وبالتركيز على دخل القرويين في المستقبل، أقيم مشتل لزراعة أشجار الليمون والبابايا والماهوغوني. “لقد أصبحت البابايا شائعة بين عدد كبير من سكان دارفور – لذلك ستكون محصولاً نقدياً بالنسبة لنا”، يقول الدكتور محمد حسن عوض، الذي اختاره القرويون المحليون لإدارة مشروع المشتل.
مرافق الصحة والتعليم
في يارا يوجد مجّمع جميل يضم المستوصف الصحي الذي تم تجديده. وقد أصبح هذا المركز الذي يخدم ما يقارب (16.000) نسمة، في المنطقة كلها، المصدر الوحيد للرعاية الصحية المنتظمة للسكان الذين يقطنون على بعد أميال في المناطق المجاورة. ويمدّ لوح شمسي مرفق تخزين اللقاحات بالطاقة الكهربائية للمساعدة في القيام بجولات التحصين المنتظمة.
ويعمل في المركز مرشد صحي للمجتمع المحلي وطبيب ومساعد. وتوجد قابلة واحدة، مع أنها تعيش على مسافة تزيد على كيلومتر واحد من المركز. لكن العيادة الصحية أصبحت مركزاً مهماً لسكان يارا والقرى المحيطة.
كما أصبحت المدرسة مفعمة بالألوان ورمزاً صاخباً للجهود التي تبذلها القرية لكي تدير ظهرها للصراع. ويمضي أكثر من (400) طفل، تتراوح أعمارهم بين (6) سنوات، و (14) سنة، ربعهم من الفتيات، خمس ساعات في اليوم هنا، في قاعات دراسية جُددت حديثاً. وأقيمت نقطة مياه عند أبواب المدرسة، في حين حفرت في إحدى الزوايا البعيدة من المجّمع الكبير حفر لإقامة مراحيض للطلاب.
ويوجد في كل قاعة دروس كراسي وطاولات وألواح طباشير وكتب مدرسية. بل توجد رابطة للآباء والمعلمين في القرية.
التطلع إلى المستقبل
إذن ما الشيء الذي مكّن يارا من التطلع إلى المستقبل بهذه الطريقة الإيجابية؟ يشرح أحد أعيان القرية، عبد اللطيف عيسى هارون شيئاً من التاريخ ” قبل أعوام أنشأنا مبادرة مجتمعية من خلالها تمكن المجتمع المحلي من المشاركة في التخطيط للخدمات المحلية بقليل من الأموال والدعم التي قدَّمه المشروع، والذي قدَّم السكان المحليون إزاءه إسهاماتهم كذلك – التي تمثلت في تقديم مواد أحياناً، أو في العمل الجسدي فقط”.
الرغبة في التعلم
يجلس حمدان وحامد، يبلغ كلاهما 13 سنة، من العمر، في حصة الرياضيات في الصف الثامن. وأبواهما من رعاة الغنم البدو. وهم من أصل عربي، وهي فئة تعتبر أقلية في هذا المجتمع المحلي. ومع ذلك، تركهما أبواهما في يارا خلال السنوات الثلاث الماضية، بدعم من أخ أكبر لهما، وضمانات الأمان التي قدَّمها أعيان المجتمع المحلي.
وكان السبب الوحيد وراء اتخاذ هذا القرار أن يكملا دراستهما.
“كنا نسير إلى المدرسة مسافة طويلة”، يقول حمدان، “لذلك قرر أبوانا أن نمكث هنا. ولو لم نذهب إلى المدرسة، لبقينا مجرَّد راعيي غنم، ولما وجد أمامنا مكان نتوجه إليه في حياتنا. فقد أتاح لنا مجيئنا إلى المدرسة، الفرصة لتحقيق المزيد في حياتنا”.
وقد احتضن المجتمع المحلي هذين الصبيين. ويعتبرهما كبير المدرسين، محمد إبراهيم خليل، مؤشراً لمستقبل أفضل.
أحد قادة المجتمع المحلي، عبد اللطيف عيسى هارون، من قرية يارا يشرح حين يقول: “لقد بدأنا نرى أطفالاً يتخرجون من هذه المدرسة ويذهبون إلى الجامعة” ويضيف، “وإننا لا نستغرب ذلك. إذ يداوم جميع الأطفال في القرية في المدرسة. ويوجد معنا العديد من الأطفال العرب الذين تشجعهم لجنة قريتنا، وهم يشعرون بالأمان بيننا. وتتبرَّع الأسر للمساعدة في دفع رواتب المعلمين المتطوعين الذين لا تدفع لهم الحكومة راتباً”.
‘ما الذي يجمع الناس معاً؟
“لقد نجح هذا البرنامج لأنه يقدم الدعم الملائم للناس، وبإمكاننا أن نقيم بنى أساسية – كالمدرسة – التي تجمع الناس معاً”، يقول السيد خليل، ويضيف، “عندما يرحب مجتمع محلي بالأطفال من جميع الأسر، ويظهر أن كل فرد بوسعه أن يتعلم بأمان، فإن هذا النوع من المبادرات يجمع الناس معاً حقاً”.
وهنا، يضم عجوز آخر صوته ويقول: “أتسالون ماذا يجمع الناس معاً؟ فلا توجد تباينات بين الناس بلا شيء. إننا جميعاً نفتقر إلى الأشياء ذاتها. وهذا ما يجعلنا متساوين”.