خسائر الاعتصام والتفلّتات الأمنية.. من يُجبر الضرر؟
ملايين الجنيهات تكبّدتها مؤسسات حيوية بالقرب من مكان الاعتصام
جامعة الخرطوم ومستشفى العيون.. خسائر باهظة وأضرار بالغة
وزارة البنى التحتية: خسائرنا بلغت 192 مليون جنيه
أدلة دامغة.. “فيديوهات” كشفت الطريقة سُرِقت بها أسلاك وكيبلات أعمدة الإنارة
خبير اقتصادي: المسؤول عن الخسائر من حرَّض الشباب على الاعتصام أمام القيادة
خبير قانوني: كل خطأ سبّب ضرراً للغير يُلزَم فاعله بالتعويض
محيي الدين شجر
بعد فض الاعتصام من أمام القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة بالخرطوم، تفاجأت عدة مؤسسات بتخريب طالها من قبل من وُصِفوا بالمخرّبين الذين استغلوا سيطرة المحتجين على تلك المواقع بوضع المتاريس دون الوصول إليها، حيث أصبحت مقراً لهم طوال فترة الاعتصام، والتي امتدت منذ السادس من أبريل الماضي وحتى الثالث من يونيو الجاري.
في تلك الفترة احتشد الآلاف أمام قيادة الجيش، وتمددت الحشود لتستقر في مباني جامعة الخرطوم، مفوضية الشؤون الإنسانية، اتحاد المصارف، عيادة جامعة الخرطوم (الكلينك)، مستشفى العيون التعليمي، كلية الأشعة، مركز الشهيد الزبير للمؤتمرات، مركز تدريب سودانير، المركز القومي للإنتاج الإعلامي، ومكاتب خاصة بوزارة الزراعة، وسبب احتلالها أنها تقع في مسار الطريق إلى القيادة العامة، وتم إغلاقها بالمتاريس، حيث كان الداخل إلى مكان الاعتصام يمر بتلك المباني ويخضع إلى تفتيش دقيق من قبل المحجين.
كان هذا هو الواقع أيام الاعتصام، ولكن بعد فضه تفاجأ الجميع بتخريب طال تلك المؤسسات، حيث تعرضت لعمليات سرقة وسطو وتخريب لكثير من معداتها وأجهزتها غالية الثمن .
(الصيحة) رصدت حجم خسائر الاعتصام البشرية والاقتصادية في التحقيق التالي:
الزراعة 15 مليون جنيه
أعلنت وزارة الزراعة والثروة الحيوانية بولاية الخرطوم أن خسائر مكاتب الأراضي التابعة لها بسبب الاعتصام والأحداث الأخيرة، بلغت 15 مليون جنيه، وقال المدير العام للوزارة بابكر محمد عطية إن مكاتب الوزارة الواقعة بشارع الجمهورية على بعد أمتار من مناطق الاعتصام تعرضت للنهب، حيث تم نهب أجهزة معمل التحاليل الزراعية وثلاجة ناقص 80 درجة الفريزر الدوائية و25 مكيفاً وغيرها.
المصارف 10 ملايين جنيه
وكشف الدكتور سراج الدين عثمان، الأمين العام لاتحاد المصارف، أن الخسائر والأضرار التي لحقت بالاتحاد بلغت قيمتها 10 ملايين جنيه .
لجان جامعة الخرطوم
أما جامعة الخرطوم، التي نالت نصيباً كبيراً من النهب والتخريب، كما ذكرت إدارتها فقد كونت ثلاث لجان مهمتها حصر كلفة الأضرار التي لحقت بالجامعة خلال الأحداث الأخيرة، ولجنة ثانية لتقصي الحقائق، وثالثة لجبر الضرر، ويترأس أولى اللجان وكيل الجامعة، محمود علي أحمد وعضوية 11 آخرين مهمتها حصر الأضرار وفتح ومتابعة البلاغات الجنائية، على أن ترفع اللجنة تقريرها خلال أسبوعين.
وقال مدير إدارة الإعلام والعلاقات العامة بجامعة الخرطوم، عبد الملك النعيم، بحسب وكالة السودان للأنباء، إن اللجنة الثانية برئاسة وكيل الجامعة السابق والعميد السابق لكلية العلوم الرياضية، محسن حسن عبد الله هاشم، مهمتها تقصي الحقائق حول الأحداث التي حدثت في الجامعة في مجمع الوسط من تدمير ونهب لأصول الجامعة، وتحديد الجهة التي تقع عليها المسؤولية ومعرفة أوجه القصور التي ساعدت على ذلك، وسترفع هذه اللجنة تقريرها خلال 3 أسابيع.
وأشار النعيم إلى أن اللجنة الثالثة تم تشكيلها لجبر الضرر مهمتها النظر في كيفية جلب الدعم والمساعدة لإعادة بناء وتشييد الأصول التي فُقدت.
وأوضح مصدر مطلع تحدث لـ (الصيحة)، أن خسائر جامعة الخرطوم تُعَد من أكبر خسائر اعتصام القيادة، مشيراً إلى أن المخربين سرقوا وأتلفوا كثيراً من الأجهزة والمعدات وقد تصل تقديرات الخسائر إلى أكثر من 200 مليون جنيه.
مستشفى العيون.. خسائر لا تُحصَى
ويرى المدير العام لمستشفى العيون التعليمي، دكتور إيهاب الفاتح، في حوار صحفي، إن الهجوم الذي شُنّ على المستشفى قبالة شارع النيل في الاتجاه الغربي من وزارة الصحة الاتحادية تم بواسطة قوات نظامية دمّرت وخرّبت معدات وأثاثات المستشفى بصورة وحشية، وتسببت في خسائر بالغة، وقال: لقد تم إتلاف كل ممتلكات المستشفى، حيث سرقت أربع خزائن تحتوى على المرتبات وأمانات لأشخاص وحوافز العاملين وشيكات، بجانب سرقة جهاز (أو سي تي) لكشف الجلكوما والشبكية، وجهاز ميدان النظر، وجهاز الليزر الكبير، وقال إن جهاز الليزر وحده سعره يصل ثلاثة إلى ملايين جنيه، وتكلف صيانته 700 ألف جنيه، وقال إن الخسائر تُقدّر ببلايين الجنيهات.
أدلة دامغة
وكشف لـ (الصيحة) أبو سفيان عبد الكريم من وزارة البنى التحتية، أن المجلس العسكري شكّل لجنة لحصر الخسائر لم تفرغ بعد من عملها، وذكر أنهم تحصلوا على فيديوهات للطريقة التي كانت تُسرَق بها أسلاك وكيبلات الأعمدة، وقال إنهم كانوا يستعملون تركتوراً وربط العمود بحبل لإسقلاطه ويقومون بقطع الكيبلات والأسلاك ووضعها في التركتورات .
تقديرات
وكشف لـ (الصيحة) المهندس التيجاني يعقوب ممثل وزارة البنى التحتية في اللجنة التي كوّنها المجلس العسكري لتقدير خسائر التفلتات الأمنية أن وزارة البنى التحتية بالعاصمة الخرطوم تمثلت في أضرار لحقت بالإنترلوك والبلاط والاسفلت وإشارات المرور ومعدات السلامة المرورية والاستوبات وأعمدة وكيبلات الإنارة و(الترتوارات)، مشيراً إلى أن تقديرات الخسائر بلغت 192 مليون جنيه، وقال إنهم خاطبوا الأمين العام لولاية الخرطوم بتقديرات الخسائر لرفعها للجنة التي كونها المجلس العسكري، وذكر أن اللجنة برئاسة قائد البحرية الفريق أول محمد سيد احمد المرزوقي، وأنهم عقدوا أربعة اجتماعات استعرضوا فيها حجم الخسائر في كل ولايات السودان، خاصة ولايات البحر الأحمر ونهر النيل عطبرة والقضارف ومدني .
التكييف القانوني
وحول التكييف القانوني للخسائر البشرية والمادية تحدث لـ (الصيحة) المحامي كمال محمد الأمين، وقال: كل خطأ سبّب ضرراً للغير يلزم فاعله التعويض، ولو كان غير مميز، وأضاف: لإثبات الضرر لابد من وجود الركن المادي المتمثل في عملية التخريب والنهب والسرقة، والركن المعنوي المتمثل في إرادة الفعل ووجود علاقة السببية بين الركن المادي والركن المعنوي، مشيراً إلى أن لجان التحقيق هي من ستصل إلى الفاعل ومن ثم توقيع العقاب الذي ينص عليه القانون .
خسائر ملموسة
وأشار الخبير الاقتصادي عبد الله الرمادي لـ (الصيحة) أن خسائر الاعتصام بالقيادة كانت ضخمة أكبر مما يتصور الإنسان، وقال إن الخسائر الملموسة والأكبر كانت في جامعة الخرطوم، وغيرها من المؤسسات، موضحاً أن المسؤول عن تلك الخسائر هو من حرّض الشباب على الاعتصام أمام القيادة وصوّر لهم أنه عمل مشروع، مشيراً لعدم وجود قانون يسمح بالإضراب إلا لسبب مطلبي.
وطالب الرمادي بتكوين لجنة من المحامين الوطنيين لرفع دعوى ضد من تسبب في تلك الخسائر ضد من حرّض الشباب على الاعتصام، ووضع المتاريس وتعطيل حياة الناس وتعريضهم للهلاك.