12 اغسطس 2022م
هذا المقال يستكمل السابق وبذات العنوان (وا ندماه.. على النيل الأزرق في الحركة الشعبية) والذي تم نشره في هذه الصحيفة الغراء (الصيحة) في عددها الصادر يوم الأربعاء الثالث من أغسطس 2022م، وكما سبقت الإشارة في المقال السابق فإن هذه الولاية لم تشهد في تاريخها ومنذ استقلال السودان في 1956م، أي نزاعات قبلية أو جهوية أو عنصرية وفي تاريخها شهدت أول محاولة تمرد عند قبيلة الجمجم (بضم الجيمين) ومقرها في منطقة (ودكة) وعندما شعرت السلطات بتحركات لها تم إرسال قوة من القوات المسلحة من مدينة سنجة، حيث كانت هذه المدينة مقر الحامية فوصلت الكتيبة الكرمك ومنها إلى قرية ودكة وكان ذلك في العام 1960م، في عهد الرئيس الفريق إبراهيم عبود. الجدير بالذكر أن هذه الكتيبة لم تطلق رصاصة واحدة، بل عندما وصلت إلى قرية (ودكة) وبقيت فيها ثلاثة أيام، كانت تقوم بالألعاب النارية في الساعات الأولى من الفجر فأرهبت هذه الأعمال النارية قبيلة الجمجم وبالأعمال النارية فقط استتب الأمن في تلك القرية وما حولها إلى هذا اليوم.
إن الحركة الشعبية لتحرير السودان بزعامة الراحل د.جون قرانق، جاءت إلى منطقة جنوب النيل الأزرق (الكرمك) لدواعي إعلامية، إذ كان المروِّجون يسألون الراحل قرانق ويقولون إن الحركة اسمها (الحركة الشعبية لتحرير السودان ) ولكنها تقوم بالحرب في الجنوب فقط، فأين الإدعاء بأن الحركة ستعمل على تحرير السودان كله وهي محصورة في الجنوب ولذا فكَّر في الأمر واستقر الرأي أن تقوم الحركة بمحاولة دخولها أراضي في شمال السودان فكانت منطقة جنوب النيل الأزرق الأقرب إلى تلك المحاولة، فكانت مدينة الكرمك وتوأمتها مدينة قيسان، فشنت عليها الحرب وسيطرت عليها في أوائل العام 1983م، وبذا نرى أن دخول الحركة الشعبية لهذه المنطقة لغرض الإعلام فقط وأبناء الولاية ومنذ استقلال السودان -أيضاً- في العام 1956م، لم ينضم أحد منهم إلى الحركة الشعبية لتحرير السودان على الإطلاق والذي انضم إليها بعد العام 1987م، بعد ربع قرن من الزمان لم يكن غرضهم الدفاع عن التهميش أو ما يشبه ذلك من إدعاءات، بل دخل البعض في التمرد من باب الافتخار بالنفس فمنهم من سمى نفسه مفتخراً (فلان SPLA) حتى قائد الحركة الشعبية الآن الفريق مالك عقار، لم تكن دوافعه قومية، بل كانت شخصية وانضم عدد مقدَّر من أبناء قبائل مختلفة إلى التمرُّد بدون عنصرية أو جهوية أو قبلية.
وبهذا نلاحظ أن التمرُّد سيطر على محلية الكرمك سواءً الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة الراحل د. جون قرنق أو من بعده الحركة الشعبية شمال بقيادة السيد مالك عقار، ولحقتها محلية قيسان، ولهذا نرى عدم الضرر في محليات باو والروصيرص والدمازين والتضامن، ومن هنا نسأل من الذي حرَّض الهوسا وهم بعيدون كل البعد عن أماكن الشرر والمواقع الملتهبة؟ ولا نريد كلمة (وقف العدائيات)، لأنها قد تحدث مرة أخرى ولذا نريد سلاماً مستداماً وأمناً واستقراراً ومساءلة الذين أشعلوا نار الفتنة ومحاسبتهم بشدة حتى لا تتكرَّر المأساة .
وإذا شاء القدر أن تستمر الحركة الشعبية في الحكم، عليها أن تعيد النظر في السياسة الكلية للولاية وأن لا تتكرَّر سياسة المؤتمر الوطني في الولاية، لأنها كانت تحكم الولاية بقانون القوة، وليس بقوة القانون، وهذه السياسة اتبعتها الحركة الشعبية في فترة حكم السيد مالك عقار، على الولاية منذ العام 2005م (اتفاقية نيفاشا) واستمرت ذات السياسة والفريق أحمد العمدة بادي والياً عليها اليوم، فنرى تولي العناصر الرخوة والضعيفة لزمام الأمور في الولاية وبعضها يتولها حسب المحسوبية .
وعندما أجريت الانتخابات العامة في العام 2010م، كان شعار السيد الوالي مالك عقار، في ذلك الوقت (النجمة أو الهجمة) والنجمة في علم الحركة الشعبية، والحمد لله الذي سخر له النجمة وأبعد عن جنوب الولاية الهجمة.
لم تشهد الولاية في عهد حكم الحركة الشعبية أي تنمية لا طرق ولا صناعة، وقد وضع السيد مالك عقار، يوماً وهو في الولاية حجر الأساس لطريق الدمازين الكرمك، كما وضعه من الناحية الأخرى الكرمك الدمازين، ولكن المشروع اختفى ومشروع الدمازين الكرمك بدأه وصرف على العمل فيه المغفور له الشهيد أسامة بن لادن، حتى وصلت الردمية قرية دندرو، حوالي نصف المسافة إلى الكرمك، ولكن المشروع توقف بإخراج المغفور له ابن لادن من السودان وبقانون القوة تم تحويل آليات المشروع إلى شريان الشمال، ولا نرى أي بادرة لإحياء المشروع لأنه إذا قام وانتهى رصف الطريق فذلك يعني أن الحركة الشعبية إلى زوال.
وبسبب عدم استتباب الأمن والاستقرار في محليات الكرمك وباو وقيسان لم تتمكن جامعة النيل الأزرق من افتتاح ثلاث كليات معتمدة بواسطة مجلس الجامعة منذ العام 1995م، ولا شك أنها مدة طويلة حوالي سبعة وعشرين عاماً – أبعدت هذه المدن الثلاث من الاستفادة من التعليم الجامعي – بنيات تحتية وأساتذة وطلاب – بنين وبنات – ومكتبات ولتخرج العديد من الطلاب، فكم يا ترى عدد الدفعات التي تخرجت من هذه الكليات الثلاث في باو والكرمك وقيسان؟ كما تخرجت دفعات في كليات الجامعة الأخرى كالهندسة والتربية والاقتصاد والطب وغيرها، وقد كنت شاهداً على إنشاء هذه الجامعة التي ترأس مجلسها والدنا الراحل الأستاذ مصطفى طيب الأسماء، طيب الله ثراه وأنزل على قبره شآبيب رحمته، وبقيت عضواً فيها لدورتين – أربع سنوات في كل دورة 1995م – 2003م، وقد قرَّر المجلس حينها عدم إنشاء كلية للزراعة لوجود كلية مماثلة لها في أبو نعامة وتأجيل قرار فتح كلية للطب حتى ترتفع المؤسسات الطبية والعلاجية إلى مستوى فتح كلية للطب فيها، فكان من رأى المجلس أن طالب طب الدمازين يدرس في الدمازين.
لقد تم إنشاء لجنة لإعادة إعمار الكرمك وقيسان بقرار أصدره الرئيس حين ذاك عمر البشير، بعد تحرير الكرمك من الحركة الشعبية في 1989م، وأدى صلاة عيد الفطر فيها وكوَّن اللجنة برئاسة وزير الدفاع في ذلك الوقت عبد الرحيم محمد حسين، ولكن اللجنة لم تبذل أي مجهود بصدد إعمار المدينتين فأعيد تشكيلها مرة أخرى برئاسة النائب الأول في ذلك الوقت بكري حسن صالح، وكان لي شرف ضمي إلى عضويتها مع عدد ثلاثة وأربعين عضواً، واستمرت اللجنة في العمل مرة في الشهر ولمدة خمسة أشهر، فقط، إذ تم تغييرها إلى أمانة عامة للإعمار ولاية النيل الأزرق، والشاهد في كل هذه المحاولات عدم وجود أي إعمار في الولاية بسبب عدم استتباب الأمن في الأماكن التي تأثرت بالحرب وتحتاج إلى إعادة إعمار في محليات الكرمك وقيسان والضواحي، حيث كان الخراب كبير في المنشآت وفي البُنى التحتية وفي فقد الأرواح ثم الأرامل والأيتام والمعوَّقين، فلم تشهد الولاية أي أعمال للإعمار سوى بعض الجهود من وقت لآخر في تسيير قوافل المساعدات الإنسانية للنازحين والمتضرِّرين، وكذلك لم تشهد الولاية أي بوادر لمستثمرين فيها لأن (رأس المال جبان) كما يقولون وهي حقيقة فمن يا ترى يعرِّض أمواله للتلف، وأنا أشهد على ذلك في عضوية اللجنة بانتسابي إلى لجنة فرعية في (لجنة الاستثمار) ولتدفق الاستثمار في الولاية لابد من استقرار وأمن مستدامين وذكرت في عضوية اللجنة الفرعية أن المستثمر لابد أن يأمن على نفسه وماله عند السفر من الخرطوم في بص سياحي إلى بابوس في الحدود مع أعالي النيل في جنوب السودان وعندها نتحدث عن الاستثمار والإعمار.
نرجو من السيد الوالي أن يعمل بأسرع ما يمكن لحل قضية أهلنا في المنطقة الغربية محلية التضامن – لأنها مسؤوليته والولاية متضرِّرة بحكم الأحوال المتراكمة المحجوزة في المحلية وعدم انسياب دولاب العمل في المحلية وفي الولاية – أليس في حكومة الحركة الشعبية رجل رشيد؟
كنت أتوقع عندما نشبت الفتنة أن تعلن الحكومة الحداد لمدة ثلاثة أيام، فالكارثة كبيرة إزهاق أرواح ودمار آليات وحرق مساكن واتلاف متاجر ولأول مرة في تاريخ الولاية .
وا ندماه .. على النيل الأزرق في الحركة الشعبية .