تعدد المبادرات.. الحلقة المفرغة
الخرطوم: صلاح مختار 11اغسطس 2022م
منذ قرارات البرهان في (25) أكتوبر من العام الماضي، طرحت العديد من الإعلانات والمبادرات السياسية لحل الأزمة السياسية ولكنها أجهضت في طورها الأول حتى إنها لم تكتمل النموء في الساحة ليأتي إعلان سياسي آخر أو مبادرة من جهة سياسية أخرى لتصبح الساحة مكاناً للعرض والعراك السياسي, فقط وليس للتطبيق والتوافق, ومن هناك كان السؤال عن مستقبل الساحة السياسية في ظل تعدد المبادرات والإعلانات السياسية؟ وإلى أين تقود تلك المبادرات؟
سادت وبادت
هناك مبادرات سادت ثم بادت وأخرى لم يكتب لها النجاح لتخبو وأخرى طرحت على السطح ليأتي إعلان سياسي أو مبادرة لتصرف عنها الأنظار لتبدأ مرحلة جديدة من الترقب وانتظار ما تنتجه الساحة. ولعل عندما طرحت في الساحة الإعلان الدستوري من قوى الحرية والتغيير توجهت إليها الأنظار باعتبار أنها الأوفر حظاً والجامعة للمبادرات في الساحة, رغم تحفظات بعض القوى السياسية ولجان المقاومة, ولكن لم تلبث طويلاً حتى تم إعلان مبادرة الطيب الجد، التي وجدت -أيضاً- تأييداً كبيراً من قوى سياسية وتنظيمات شبابية. ورغم أنها مبادرة وجدت -أيضاً- رفضاً من بعض القوى السياسية. بدأت تلوح في الأفق قوى سياسية جديدة تسمي نفسها بتيار الوسط وهي قوى التحوُّل المدني الديموقراطي لتتبنى أطروحات لكل القوى السياسية. وبالتالي إلى أين يقود ذلك الطريق؟
الأمر الواقع
يبدو أن للحزب الشيوعي نظرة واحدة تجاه ما يدور في الساحة من تسابق نحو طرح المبادرات ومن الإعلان الدستوري, حيث قال القيادي بالحزب الشيوعي كمال كرار: إن المبادرات المطروحة تهدف لفرض الأمر الواقع وإعطاء شرعية زائفة للانقلاب. وأوضح كرار لـ”سودان لايت” أنها تعمل لتقويض الثورة المستمرة في الشارع، وقال: تلك مؤامرات مفضوحة لن تنطلي على القوى الثورية.
منطقة وسطى
ورأى القيادي بقوى التحوُّل المدني نصر الدين أحمد عبد الله، أن طرحهم محاولة لإيجاد منطقة وسطى ما بين اليمين واليسار وهو تيار وطني جديد وليس موقف سياسي وإنما كتلة لديها أطر فكرية وموقف موحَّد للحلول, إلى ذلك أعاب القيادي بالقوى محمد مراد بدر، تعدُّد المراكز السياسية التي تطرح المبادرات، قال إنها غير متوافقة، وأضاف في مؤتمر صحفي أمس: إن إجراءات البرهان أعادت طرح الحلول من جديد, وأكد أن الخلافات كانت بين القوى السياسية المدنية حول من يجلس على المائدة المستديرة، وأكد أن الأزمة التي يعيشها البلاد دفعتهم للقيام بدور من أجل توحيد المراكز السياسية وليس طرح مبادرة، وقال: نقوم بالتنسيق بين القوى المختلفة.
تعدُّد المبادرات
ويرى المحلِّل السياسي إبراهيم آدم إسماعيل لـ(الصيحة) أن تعدد المبادرات شئ طبيعي في ظل عدم التوافق والاختلالات البنيوية بين القوى السياسية، ولفت إلى وجود سباق غير طبيعي في هذا الخصوص بين مختلف القوى الوطنية والأحزاب، وأكد أن طرح المبادرات توالياً ثم إعلان أو مبادرة أخرى لا يمكن أن يحقق أي مستوى من الإجماع أو الرضى أو القبول السياسي, إلا في حال تجميع تلك الرؤى والأطروحات في قالب واحد. وأشار إلى أن طريقة فوكلر، كانت تعني ذلك المسار بأن يتم تجميع كل المبادرات وتنقيحها وتجميع ما يتم الاتفاق عليه ويتم طرح الخلافات في مائدة مستديرة لمناقشتها. ولكن انسحاب المكوِّن العسكري من العملية السياسية, أطاح بالفكرة في وقتها, ولكنها لم تمت ريثما أعاد المبعوث الأممي المحاولة مرة أخرى والاستماع إلى المبادرات التي طرحت مؤخراً من الطيب الجد، بجانب الإعلان الدستوري الذي يؤسس للسلطة المدنية من قوى الحرية والتغيير, ورأى أن المستقبل لتلك المبادرات في تجميعها وتنقيحها والحوار والنقاش فيما اختلف الناس حوله.
توحيد الصفوف
ويقول المحلِّل مي محمد عمر، إن تعدُّد المبادرات لحل الأزمة السودانية قد يزيد الوضع تعقيداً بدل تطويقه، ودعت إلى توحيد الصفوف ووقوف الجميع خلف مبادرة واحدة بعناوين واضحة. وقالت لـ(الصيحة): إن وجود مبادرات لحل الأزمة، منها أممية وأفريقية في نفس الوقت ومن قوى سياسية، يشوِّش على التحركات السياسية ولا يخدم الإسراع في إيجاد تسوية. ورأت أن المعضلة الأكبر التي تواجه المبادرة الأممية هي موقف الفعاليات الشعبية والنقابية التي ترفضها وتعتبرها محاولة لإضفاء شرعية على وجود المكوِّن العسكري في السلطة. وقالت: إن تلك المبادرات والأطروحات تنادي تلك بضرورة تمكين المدنيين من السلطة بالكامل، مشدِّدة على أنها مستمرة في تحركاتها الاحتجاجية إلى حين تحقيق مطالبها.
معادلة صعبة
وتشكِّل مواقف الفعاليات الشعبية والنقابية حسب محلِّلون عنصراً ضاغطاً على الأطراف السياسية، لا سيما الممثلة للمكوِّن المدني التي تجد نفسها أمام معادلة صعبة بين القبول بالجلوس على طاولة واحدة مع المكوِّن العسكري، وربما الموافقة لاحقاً على الدخول معه في شراكة جديدة في الحكم، وهذا قد يقودها إلى فقدان السند الشعبي، أو بين الجلوس والحوار مع بقية القوى السياسية المدنية مما يعني أنها لن تعود هي كما كانت في السابق أو ترفض المبادرة أو محاولة التملص منها وهذا سيعني بقاء الأزمة السودانية في حلقة مفرغة, وبهذا الشكل, تظل الأزمة تراوح مكانها.