منى أبوزيد تكتب : إعلان تجاري..!
9 أغسطس 2022م
“المعلنون الذين يتجاهلون الأبحاث هم في خطورة قادة الجيوش الذين يتجاهلون قراءة إشارات العدو”.. ديفيد أوجيلفي..!
“قل للمليحة في الخمار الأسود ماذا فعلت بناسك متعبد، قد كان شمّر للصلاة ثيابه حتى وقفت له بباب المسجد، فسلبت منه دينه ويقينه وتركته في حيرة لا يهتدي، ردي عليه صلاته وصيامه لا تقتليه بحق دين محمد”. يقال بأن هذه الأبيات للشاعر “الدارمي” هي أول إعلان تجاري – في العالم – انطلق من المدينة المنورة. فقد كان أحد أصدقاء الشاعر تاجر أقمشة حاول أن يبيع نساء المدينة خُمُراً عراقية سوداء اللون، فكسدت بضاعته لأن اللون الأسود لم يكن مرغوباً عند نساء المدينة. وفي محاولة لإنقاذ صديقه قام الشاعر “بنجر” هذه الأبيات ودفع بها إلى مغني المدينة، فلم تبق امرأة إلا واشترت من صديقه التاجر خماراً أسودَ، والسبب مفهوم بطبيعة الحال..!
هكذا يقول مُؤرِّخو العرب، لكن مُؤرِّخي الغرب الذين لا يعرفون “الدارمي” يقولون بأن أول إعلان تجاري في العالم ظهر عبر صحيفة أسبوعية ألمانية في العام 1591م. بينما يقول آخرون إن بعض الرموز البدائية المنقوشة على الصخور والتي تعود إلى عصر ما قبل التاريخ لم تكن سوى إعلانات “لعرض خاص” على لحوم الفيلة..!
في كتابه العميق “الإقناع الخفي” ناقش الكاتب الأمريكي “فانس باكار”، حملات الدعاية الذكية والشريرة التي تلجأ الشركات – من خلالها- إلى حيل تعتمد على التأثير النفسي لغرس اسم السلعة أو الشيء المُعلن عنه في نفس المُستهلك لإحداث الأثر الإعلاني المطلوب. وعن هذا يقول محذراً “إذا تركنا صناعة الإعلان من دون رقابة فسوف تُسيطر على حياتنا ونصبح أسرى لها”. معه كل الحق فقد أصبح الإعلان اليوم علماً قائماً بذاته يتكئ في مبادئه على نظريات علم النفس والاجتماع ويستمد منهما أصوله بهدف الترويج للمُنتج والسعي وراء المُستهلك بأية كيفية مُمكنة لتحقيق أكبر قدرٍ من الكسب المادي، وإن كان ذلك على حساب قيم المُجتمع وأخلاقه..!
من هذا المنطلق تُساهم بعض الإعلانات التجارية في التسويق لكلمات سوقية تظل عالقة في أذهان الكبار والأطفال على وجه الخُصُوص وقد تحدث اضطرابات نفسية خفية في حياة الناس. يدق ناقوس ما في الأذهان كلما انتشرت بعض الإعلانات التجارية التي تنذر بالخطر والتي تعمل على “تنميط” بعض السلوكيات المنحرفة من خلال إقناع المتلقي – على نحو خفي– بأن يتصالح مع وجودها من حوله..!
هنالك إعلاناتٌ لبعض أنواع السلع والمنتجات الغذائية تعمل على ترسيخ بعض الأفكار التي تُروِّج لبعض السلوكيات الخاطئة التي نشتكي شيوعها بين الشباب. والخطير في كل هذا هو أنه يؤثر فعلاً ببطء – وعلى نحو خفي – دون أن نشعر حقاً أنه يفعل..!