حِكَايات مُلوَّنة..!
“التعصُّب هو مُضاعفة جهدك بعد أن تكون قد نسيت مبتغاك”.. جورج سانتيانا..!
(1)
أحزنني بكاء قلبها المفطور على رجلٍ خائنٍ، فتبرّعت لها – كعادتي – بمُحاضرة تبسيطية لنظرياتي الخطيرة بشأن “حركات” الرجال. حثثتُها باستماتة على إخراج الهواء الساخن من صدرها، فصبَّتْ جام غضبها على الحبيب الخائن، وتمادّت في الغضب حتى خشيتُ عليها، أو خشيتُ عليه منها. وبينما نحن على حَالنَا ذاك، قَطَعَ حوارنا رنين الهاتف. الصوت المُتفاخر، عالي النَّبرات، يطلب الحديث إلى خطيبته التي كانت قد تَسَلّلَت واقفةً خلفي، وكأنّ قلبها حدّثها بمكالمته. فَما الذي حَدَثَ للحبيب الخائن؟!. رمشتْ بأجفانها المُقوّسة في دلالٍ، وهي تهمس بعبارات التّرحيب همساً، مطوِّحةً بغضبتنا المشتركة – هي وأنا! – إلى أقرب سَهَلة. “أي راجل بيتصلح” هكذا أخرست اعتراضاتي وهي تبتسم وكأنّها لم تكن تبكي..!
(2)
“تَخُشِّي معانا صندوق”؟!. أعربتُ عن قلقي من طبيعة الضائقة المالية التي تمسك بتلابيبها، لكنها قالت إنّها وزوجها سينفقان “الصرفة” الأولى على رحلةِ استجمام بالخارج هرباً من ضغوط العمل.! “ألا ترين في تسديد كل تلك الأقساط بعد العَودة من رحلتك السِّياحيَّة لوناً فاقعاً من ألوان الضغوط”؟!. كَانَ سُؤالي اقتصادياً امبريقياً بحتاً، لكنها تجاهلته مُكتفية بإطلاق صوت عصيٍّ على الكتابة.! قبل أن يجف قبر حيرتي متَّعتني نعيمة الحنَّانة بالدّهشة وهي تعرض عليّ جهاز موبايل فاقعٌ لونه يسر الناظرين، أجج حديثها عن “أوبشناته” الخطيرة مُعاناتي الدائمة مع رهاب التكنولوجيا. كانت تُحدِّثني عن “صرفة الصّندوق” التي أنفقتها في تسديد ثمنه الباهظ وهي تشيح بكبرياء دوقة إنجليزية، فلم أجد منَاصاً، أعدتُ سؤالي الاقتصادي الإمبريقي البحت على مَسامعها، فعاجلتني بإصدار غمغمةٍ ساخطةٍ غير قابلةٍ للنشر..!
(3)
كُنت أبحث عن شَراشف وملاءات قديمة – بين حقائب الأمس العَتيقة! – عندما تعثّرت بفستان عُرس أمي الذي كَانَ على مَوضة السّبعينيات، قصيراً جداً، ضيِّقاً جداً، وبلا أكمامٍ. ففكّرت كم أنّ الموضة بتصاميمها وخُطُوطها المَطبوعة والمَنقوشة، وبخاماتها المُطوَّعة على الفساتين والحقائب والأحذية، هي الوجه الأكثر صدقاً لتواريخ الشعوب.! هذا هو إذن فستان “قطع الرَّحَط” الذي عَبرَت – من داخله – أمي وقفَتَها الثورية إلى شرعيتها الدستورية.! فعلت ذلك على طريقة نديداتها، وتحت مظلة قوانين عصرها. دقَّتْ “الصاجة”، وزَحزحتْ “الرَّملة”، على رؤوس الأشهاد، فبشَّر الرجال وزغردت النساء؟!. يا لسطوة تلك الأعراف. كيف يتَسنَّى لها أن تخيط قناعاتنا، أن تُطرِّز عقود الإذعان – لفرماناتها – على أقمشة عُقُولنا، كما ترزيَّة الفستاين..؟!
(4)
“ليس بالضرورة أن تكون المرأة جميلة بما يكفي، بل أن تُجيد استخدام أجمل ما فيها بما يكفي”!. كانت هذه أول حكمة تعلّمتها منها وأنا أرقب وقفتها مع صَبي البقَّال ذات صباح، وهي تُومئ برموشها القاتلة نحو “قِدْرَة الفول” مُتساءلةً عن مَدى نضجه، بابتسامة أنضجت مشاعره، فطفق الفتى يُحدِّق في وجهها لدقائق، بابتسامة بلهاء ونظرات حسيرة.! وبينما كُنت اقرأ في ذلك الوقت لرائدات تحرير المرأة، كانت هي مُشتبكة في القتال مع أُخرى للفوز بقلبٍ وغدٍ كان يواعد الاثنتين معاً، ويَعد كل منهما بخاتم “الخطوبة” في ذات الوقت. ومع ذلك كان تركيز كل واحدةٍ منهما – ليس على خيانته المعلومة – بل على إزاحة الأخرى. وقد كان..!
منى أبوزيد