كتب: سراج الدين مصطفى 6 أ غسطس 2022م
(1)
“حبيبي اكتب لي وأنا أكتب ليك” هذا المقطع الحميم كافٍ ليؤشر على أغنية ضد النسيان، أغنية تكاملت فيها كل مواصفات الأغنية، مفردة جزلة ومعبرة وحميمة، لحن في منتهى الإدهاش والتقدم حتى يومنا هذا، ويكفي أن نقول إن أغنية “رسائل” هي الأغنية التي لفتت أسماع الأساتذة الكوريون الذي كانوا يدرسون الطلبة السودانيون بكلية الموسيقى، أعجبتهم الأغنية حتى تم اختيارها لتكون الأنموذج الأول لشكل التوزريع، وأغنية رسائل المحظوظة يكفيها فخراً أنها خرجت عبر العبقري الذي لن يتكرَّر إبراهيم الكاشف، لهذه الأغنية جاذبية ومكانة خاصة عند الشعب السوداني، حتى أن مقطعها الأول” حبيبي اكتب لي” أصبح جملة تتدوال حتى في الحديث اليومي.
(2)
ولد الشاعر المبدع عبيد عبد الرحمن بحي العرب بأم درمان ذلك الحى الموسوم بالفن والغناء والطرب. تلقى تعليمه في المرحلة الأولية ولكن ظروفه حالت دون مواصلة تعليمه فعمل مع والده بعض حين وظل يكثر الإطلاع على كتب التراث فيهضمها بقريحته المتوقدة وذهنه اللماح وقد برع في قول الشعر صغيراً تماماً مثل صديق عمره سيد عبد العزيز فقد نشأ في ذات الحى العريق فتوطدت بينهما صداقة خالدة على مر الأيام إلى آخر العمر وجمعت بينهما صداقة الشاعر الأديب خالد آدم (ابن الخياط) فراحوا يتعاطون الأدب.
(3)
عبيد عبد الرحمن صاحب مدرسة في الشعر الرصين، ولقد سبق معاصريه بالأخيلة المدهشة والصياغة المحكمة والكلمات الرقيقة المهذبة فقد وصفه الشاعر عبد الرحمن الريح بقوله :
كم عبيد في شعره الرصين كان مثال اللبق الأمين
منه تظهر في كل حين تحفه تشجي الناس أجمعين
صدر له ديوان شعر بالاشتراك مع صديقه الشاعر سيد عبد العزيز بعنوان “ليالي زمان” حوى بعض المختارات ثم صدر له ديوان “زمن الصبا” وأخيراً صدر له ديوان من جزأين عن دار البلد للطباعة والنشر والتوزيع. الأول بعنوان “رسائل” والثاني بعنوان “غزال البر”.ومثل صديقه سيد عبد العزيز وسائر شعراء الحقيبة فقد كان عف الحب يهتم بجمال الروح والذوق السليم فقد كان الحب العذري عنده سجيه ولكنه عندما اضطر إلى الوصف الحسي فقد بز جميع الشعراء الذين تنافسوا في وصف فتاة أثناء الرقص في قصيدة منظر شئ بديع ما أحلى الغزل.وعبيد عبد الرحمن حديقة مختلفة الألوان تفوح بالشذى والطيب وهو كشجرة النخيل كلما هززناها تساقطت رطباً جنيا.
(4)
أغنية “رسائل” التي اشتهرت بقطعها الأول ” حبيبي اكتب لي” نظَّمها الشاعر عبيد عبدالرحمن يناجي فيها صديقه ورفيق دربه الشاعر سيد عبدالعزيز، الذي لا يعرف الكثيرون أنه كان مؤلف مسرحي بارع مثلما شارك في نظم أغنية ما يسمى “حقيبة الفن” والانتقال بها إلى مرحلة هيمنة الآلات الموسيقية على الأداء الغنائي السوداني، وهو مثل رفيقه عبيد عبدالرحمن كوَّنا ثنائياً متميزاً مع الفنان إبراهيم علي أبو جبل ” الكاشف”، وجاءت دواعي المناجأة بسبب إقامة عبيد عبدالرحمن في أم درمان بينما كان سيد عبد العزيز يقيم في مدينة الأبيض “عروس الرمال” حيث كان يعمل ملاحظاً لورشة مصلحة النقل الميكانيكي هناك.