الاحتيال بالشعارات
حِرتُ في شعار المرحلة الذي يتحول عند بعض الهاتفين من (مدنية) إلى شيء أقرب للعواء بنطق (مدنييياو) ! ولا أفهم على وجه الدقة هل هو دعوة وطلب لتسمية دولة ووزارة من المدنيين وهذا متفق عليه وليس محل خلاف، ففي كل المسودات والنقاشات منذ 11 أبريل وما تلاها متفق مثلاً أن مجلس الوزراء عدا حقيبتي الداخلية والدفاع فهي للمدنيين؛ بل إن مجلس السيادة بأغلبية منهم أو أقلية فيه منهم وفوق هذا ووفقاً لمقترح التناوب ففيه رئيس مدني؛ وحتماً وقطعاً سيمتد الأمر للقضاء والعدل والنيابات والمؤسسات الخدمية وكامل بناء الحكومة في المستوى الاتحادي التنفيذي والولائي، وكذا المجلس التشريعي كلهم مدنيون ففيم الهتاف بالشعار !
وأما إذا كانت المدنية المقصودة فهماً آخر تم غش الناس برفعه هتافاً على الطريق فذاك مبحث آخر؛ وأقصد أن المطلوب تسويق المعنى وصولاً لوضعية الدولة التي يُشاع أنهم فيها سواسية، وهم تحت القانون سواء، وهي تفسيرات نبيلة قليلاً تمضي وصولاً للمعنى المراد، وهو تسمية دولة علمانية لا مكان للدين فيها وهي الحقيقة التي غُلّف بها هذا المعنى لتفادي حساسية السودانيين من الأمور التي تمس الدين ووضعه كأصل غير قابل للمساومة بشأنه في انشغالات مواقفهم مع هذا أو ضد ذاك.
واضح أن بعض الأطراف الحزبية (بتشتغل) بالناس بسياسة تلقينهم هتافات ومقاطع عالية الصوت لتقودهم وهم مغمضو الأعين إلى كتلة ترجيح مطلبها؛ وحتى تسليم السلطة للمدنيين، وهو قول مشتق من ذاك الصياح ليست قضية محل خلاف؛ فإذا كانت الوزارة مدنية والتشريعي وبقية الأجسام فأين هي سلطة العسكريين! هل طرحت جهة أن يؤول القضاء والسلطة القضائية للقضاء العسكري؟ هل حددت أو اقترحت لمقاعد المجلس التشريعي نسبة من ضباط البرية أو البحرية! هل أسس الضباط من دفعة رئيس المجلس العسكري حزباً باسم الدفعة ينافس حزب المؤتمر السوداني أو البعث بالبزة العسكرية؛ فكيف يكون وهذا لم يحدث وأن الزعم بأن السلطة ستسلم لغير المدنيين.
نهج التدليس والاحتيال بالشعارات هذا نهج بائس؛ وعلى العكس كان يفترض بقوى الثورة المدنية ممارسة جهد أفضل في التوعية وليس بث الخزعبلات والتجهيل المتعمد! ففي المرحلة المقبلة من سيدير أمور التشريع ومقترحات القوانين هم المدنيون ؛ ومن يحل ويربط ولن يبقى للعسكريين سوى مناط مهامهم الفنية في وحداتهم وأعمالهم المعنية بأمور الأمن والدفاع وحماية مكتسبات الشعب فلا داع للكذب وتثبيت شعارات بأسلوب التلقين غير المؤسس على معرفة ودراية بمعانٍ لها تفسير قريب شائع غير دقيق وآخر بعيد مسكوت عنه.. و(مدناييييو) إن شئت كانت هتافاً وإن رغبت صارت عواءً !