الخرطوم: جمعة عبد الله 6 أغسطس 2022م
رسمت الخبيرة الاقتصادية والأكاديمية، د. ماجدة مصطفى صادق، صورة قاتمة لتأثير الفساد على اقتصاد البلاد، واعتبرت في ورقة قدَّمتها بعنوان “اقتصاديات الفساد في السودان” في ورشة “منتدى خبراء بلادي” بوكالة السودان للأنباء، بعنوان “الواقع المأزوم والمستقبل المأمول” عدم وجود أي بيانات حقيقية عن الفساد في ظل كل هذا الكم من الفساد الاقتصادي والمالي.
ونوَّهت د. ماجدة مصطفى، إلى أن مصطلح الفساد في الاقتصاد مصطلح فضفاض واسع الجوانب الاقتصادية يستخدم للإشارة إلى دائرة واسعة من الأنشطة والممارسات التي تتراوح بين الأشكال البسيطة لإساءة استخدام السلطة العامة من صغار موظفي الحكومة إلى قيام بعض القادة السياسيين بالاستيلاء على أو استغلال الموارد الاقتصادية لتحقيق منافع خاصة، أضف إلى ذلك صعوبة استخدام النماذج الاقتصادية لتحليل ودراسة الأسباب والآثار الاقتصادية لظاهرة الفساد وإزاء ما ترتب على الآثار الاقتصادية السلبية لظاهرة الفساد وما أدت إليه من عرقلة خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية في أغلب دول العالم الأمر الذي لم يجعل للاقتصاديين أي خيار في تناول تلك الظاهرة بالدراسة والتحليل.
وأشارت إلى أن أنواع الفساد الاقتصادي تشمل الاحتكارات الاقتصادية، ودفع الرشوة للحصول على الائتمان في حالة منح القروض، وفساد تعاقدات الاستثمارات المحلية والأجنبية، وتعدُّد أسعار الصرف للحصول على النقد الأجنبي بأسعار تقل عن السوق، والخصخصة لصالح فئة معيَّنة للحصول على مكاسب خاصة، والتهرُّب من الضمانات التي تحكم التصرُّف في القطاع المالي والتحايل عليها لتحقيق مكاسب خاصة، ومن أهم صوره منح القروض بدون ضمانات، وتهريب الأموال إلى الخارج، وغسيل الأموال، وإخفاء بيانات العملاء، والتعامل بأسماء وهمية، والتهرُّب الضريبي.
وفي تشخيصها لأسباب ارتفاع مستوى الفساد الاقتصادي في السودان، أرجعت الأمر لغياب الشفافية وبنود الانفاق في الموازنة الحكومية وارتفاع النسبة المئوية في بنود موازنات الحكومة خلال السنوات الماضية المخصصة للإنفاق الحكومي على الدفاع والأمن، نسبة الانفاق العسكري للناتج الإجمالي المحلي وعدم الشفافية في الكشف عن البيانات الحقيقية للمبالغ المخصصة ضمن سجلات وزارة المالية وعدم شفافية الحكومة في توفير بيانات كافية وشفافة وصريحة عن بنود الموازنة العامة واعتماد اقتصاد السودان على التعاملات النقدية بقدر كبير، حيث يتعامل أغلب التجار ورجال الأعمال بالأموال النقدية والإخفاق في الإشراف بفاعلية على المعاملات النقدية، والعمليات البنكية عبر البنوك المراسلة، ومناطق التجارة الحرة إذ يُقلل الاعتماد بشكل كبير على النقد من الشفافية كما يؤدي إلى تفاقم مخاطر غسيل الأموال.
أثر الفساد على الأسعار
وتناولت الورقة أثر الفساد على الأسعار إذا تعرَّض الاقتصاد للتلف، ويستخدم بعض أصحاب الأعمال الذين تمكنهم اتصالاتهم وأموالهم لرشوة المسؤولين، ونتيجة لذلك لا يتم التلاعب بالسياسات فحسب، بل يتم -أيضًا- التلاعب بآليات السوق ويمكن أن تصبح هذه الشركات المزوِّد الوحيد للسلع أو الخدمات، وتصبح هذه الشركات شركة احتكارية وبالتالي فهي تميل إلى رفع الأسعار وليس لديها حافز للابتكار وتحسين جودة السلع أو الخدمات.
كما نوَّهت إلى أن الفساد يساهم مساهمة كبيرة في إبطاء وتراجع معدَّلات النمو الاقتصادي ويقلِّل من تراكم مخزون رأس المال عن طريق انخفاض التدفقات الاستثمارية، حيث تشكل كلفة الفساد من دفع الرشاوى على سبيل المثال تكلفة إضافية تزيد من كلف الاستثمار وتقلل من مردوده، هذا يعني أن المستثمر ينظر إلى الفساد نوعاً من الضريبة الإضافية على أرباحه التي تضاعف من مخاطر الاستثمار ما يؤدي في النهاية إلى تقليل حجم الاستثمار المرغوب فيه، والفشل في الحصول على المساعدات الأجنبية.
وأشارت لوجود أمثلة الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد السوداني بسبب الفساد، منها تراجع معدَّل نمو الناتج المحلي الإجمالي وتراجع -أيضاً- أداء القطاعات الاقتصادية الحقيقية والمتمثلة في الزراعة والصناعة، حيث انخفضت إنتاجية القطاعات الزراعية والصناعية وتراجع معدَّل النمو السنوي الحقيقي للإنتاج الزراعي إلى أكثر من – 2 %، بسبب فساد سياسات التمويل وانخفض إسهام تلك القطاعات في الناتج المحلي الإجمالي بصورة واضحة وهروب الاستثمارات المحلية والأجنبية وعدم استقرار القطاع المالي والمصرفي وارتفاع أسعار السلع الأساسية وانخفاض قيمة العملة المحلية وتضاعف الدين الخارجي وهروب تحويلات المغتربين السودانيين خارج النظام المصرفي.
كما كشفت عن تحقيق السودان نتائج سيئة في كافة المعايير وفقًا لمؤشرات الحوكمة العالمية والتي تعتمد على ستة معايير للحكم، تشمل الصوت والمساءلة، والاستقرار السياسي وغياب العنف وفعالية الحكومة، والجودة التنظيمية وسيادة حكم القانون، والسيطرة على الفساد.
علاوة على ذلك تناولت ضعف الهيئات التشريعية ومؤسسات الرقابة المالية في السودان وضعف السلطات المخوَّلة للبرلمان لمناقشة والتصديق على كثير من القرارات المصيرية والمالية مثل التصديق على الموازنات العامة السنوية وغموض بنود الموازنات الحكومية مما خلق أرضية خصبة لسوء الإدارة المالية واختلاس الموارد العامة، والإخفاق في فرض رقابة على البنوك وغيرها من جهات تقديم الخدمات المالية والنفوذ الواسع للحكومة على القطاع المصرفي ولا يتمتع بنك السودان المركزي بسلطة كافية لقمع البنوك الفاسدة وتعيين موظفي البنك المركزي للعمل في مجالس إدارات البنوك التجارية مما يخلق تضارباً في المصالح.
كما تناولت الورقة الفساد في المالية العامة تحصيل الإيرادات بالإعفاءات الضريبية غير المبرِّرة والافتقار إلى وجود نظام تحصيل إيرادات شفاف والرشوة والمحسوبية وضعف إجراءات الدفع النقدي الضريبي وضعف التقارير المنهجية أدى إلى وجود فساد وسط جامعي الضريبة والتجنيب وممارسة الوزراء بوضع جانب من إيرادات الوزارات والأموال التقديرية دون أن تورد في وزارة المالية وافتقار المراجع العام لدولة السودان للسلطات أو الموارد الكافية للتحقق والتحقيق في المشتريات الحكومية وغيرها من العمليات المرتبطة بالإيرادات مثل العطاءات الحكومية وخلافه.