نائب رئيس الغُرفة التجارية سمير أحمد قاسم لـ(الصيحة):
المُستوردون فُوجئوا بزيادة الرسم الجمركي عبر مرسوم دستوري من (العسكري)
الجنيه بَاتَ في مهب الرياح ويصعب التحكُّم في الأسعار وسعر الصرف
القطاع الخاص أحجم لحماية نفسه.. وتوقُّف 60% من المصانع عن الإنتاج
الرسوم على الزراعة والصناعة ارتفعت بواقع 10% بدلاً من الإعفاء
الشركات الحكومية سرطان الاقتصاد وأحد أسباب التردي
—–
يَمُر النشاط التجاري بالبلاد حالياً بحالةٍ من الارتباك والترقُّب بشَأن ما تَحمله الأيام القادمة من أحداثٍ على المُستوى السياسي عقب سقوط نظام الإنقاذ، هذا الوضع خلّف ارتفاعاً في السلع وتخوُّفاً من الندرة بالأسواق مع تراجُع حجم الواردات بالبلاد إلى 40% في النصف الأول من العام الحالي، وعزوف المستوردين من الاستيراد خوفاً من الخسارة، خَاصّةً عقب إصدار مرسومٍ دستوري من المجلس العسكري الانتقالي بزيادة الرسوم الجمركية لمُعظم السلع الاستهلاكية خلافاً لما جاء بمُوازنة العام الحالي.
(الصيحة) جلست مع نائب رئيس الغُرفة التجارية وأمين السياسات باتحاد أصحاب العمل للوقوف على حقيقة ما يجري في قطاع المُستوردين ومُناقشة بعض القضايا الاقتصادية عقب زوال نظام الإنقاذ.. فإلى مَضَابط الحوار:
حوار: مَــــروة كمــــال التــــرابي
تصوير: محمد نور محكر
*بِدايةً ما حقيقة زيادة الرسوم الجمركية الأخيرة على قطاع المُستوردين؟
نعم، فُوجئ قطاع المُستوردين مطلع الأسبوع الحالي بمرسومٍ دستوري صادرٍ من المجلس العسكري بشأن تعديلات فئات التعريفة الجمركية للسلع، فحتى ماكينات ومُعدّات الإنتاج لم تَسلم من هذه الضَريبة، فارتفعت مُعدّات الصِّناعة الزراعية من صفر لتشجيع الزراعة والصناعة إلى 10% مِمّا يُؤثِّر سلباً على تكلفة الإنتاج، فالمرسوم الدستوري فرض رسماً إضافياً على كثير من السلع، منها الصلصة والأقمشة والملابس الجاهزة وغيرها، سوف يعقد اتّحاد الغُرف التجارية اجتماعاً الأربعاء لمناقشة هذه الزيادة، فالزيادة في الوقت الحالي غير مُناسبة وغير موفّقة، ويجب إعادة النظر فيها، لجهة أنّ المواطن اكتوى بأشياءٍ كثيرةٍ جداً متمثلة في انخفاض قيمة الجنيه السوداني أمام العُملات الأجنبية وعدم كفاية الأجر لمدة أسبوع!! فالمُواطن حالياً يُعاني الأمرين تجاه أسرته من مأكل ومشرب وتعليم وعلاج.. فالمواطن يعيش ضائقة مالية ويجب أن يُوجّه الاقتصاد لمعاش الناس والاستقرار الأسري والمجتمعي عبر زيادة الإنتاج والإنتاجية، وأن تفوق الصادرات الواردات، فمن السهولة بمكان تحقيق ذلك، لذلك يجب إلغاء هذه التعريفة الجمركية لتشجيع المنتجين، والإنتاج الذي تحاول الدولة على إدخال الصناعات التحويلية فيه لتحقيق القيمة المُضافة وامتصاص البطالة وتقليل مستوى الفقر، ودعم الاقتصاد، فبكل أسف تبلغ حجم الصادرات 3 مليارات دولار، وهذا رقمٌ زهيدٌ مُقارنةً مع الدول الأخرى المماثلة للسودان، فيما يبلغ حجم الواردات 9 مليارات دولار، إذن هنالك عجزٌ سنوي في الميزان التجاري يبلغ 6 مليارات دولار.
*من أين يتحصّل المستوردون على الدولار؟
حالياً العملة الوطنية أصبحت في مهب الريح ومن الصعوبة بمكان التحكم في الأسعار وسعر الصرف للعملات الأجنبية في ظل ضعف حجم الصادرات، فالجنيه السوداني أصبح غير مقبول عالمياً، وفي ذات الوقت أصبحت السيولة غير موجودة وأيضاً عدم توفر النقد الأجنبي لدى المصارف، فالمستوردون يتحصلون على العملات الأجنبية من السوق الموازي الذي يخضع للعرض والطلب لتلبية احتياجاتهم، والأخطر من ذلك هجرة العقول في السودان التي لا تجد وضعها الطبيعي في البلاد، فمثلاً أمريكا تشتري العقول للتنمية.
*ما سبب ضعف الصادرات؟
الأمر يحتاج إلى استقرار سياسي واقتصادي وأمني وسياسة خارجية متوازنة لجذب المستثمرين الأجانب للبلاد، فالسودان الغني بموارده والفقير بإدارتها، فهو يمتلك ١٥٠ مليون فدان من الأراضي الصالحة للزراعة وحباه الله بأطول نهر في العالم، وسبعة عشر نهراً موسمياً ومياهاً جوفية و١٢٠ مليون رأس من الأنعام يمكن أن تصدر في شكل لحوم والاستفادة من القيمة المضافة، بيد أنها تصدر بثمن زهيد جداً وحية، وأيضاً تمتلك البلاد ٧٩ نوعاً من المعادن المختلفة منها الذهب الذي يستخرج بطريقة متخلفة جداً عبر استخدام الزئبق الذي يقضي على الإنسان والأرض والمياه الجوفية، في وقت يمكن استخدام تكنولوجيا حديثة للمحافظة على الأرض والإنسان والمياه الجوفية وتحقيق إنتاجية عشرة أضعاف ما ينتج حالياً.
وفي المقابل البلاد غنية بمعادن الحديد والمغنسيوم وحديد الطائرات والتي تعتبر أقيم من الذهب يمكن استخراجها.
فثلاثة مليارات حجم الصادرات ميزانية ربح شركة إديدس للأحذية في العام الماضي فمن العيب الحديث عن صادرات جمهورية السودان بذات العائد، ولا شك أن زيادة الصادرات تمكن من دعم سعر الصرف وتوفير العملة الأجنبية لدى المصارف، واحتياطي في النقد الأجنبي لدى بنك السودان المركزي، وبالتالي دعم الجنيه السوداني، مما يحجم معدلات التضخم الذي بلغ ١٠٠٠٪ وكان ضحيته المواطن، وتقدر نسبة الفقر أكثر من ٤٦٪ وأدت إلى مشكلات مجتمعية.
*كيف يتم سد العجز بين الصادرات والواردات؟
إذا حدث استقرار لسعر الصرف، فإن المغتربين لديهم ما يكفي من الدخل لتغطية العجز البالغ ٦ مليارات دولار، وكذلك الذهب، فالمعدن إذا لقي سعراً مجزياً فالمهرب يغطي العجز، فالقضية متعلقة بالسياسات وتم تخليص الترهل الحكومي وقضية الفساد وتقليل الصرف البذخي، فإن مشكلة البلاد يمكن أن تحل في أقل من شهر.
*أثر أزمة السيولة على القطاعات الاقتصادية؟
حقيقة أن أزمة السيولة أوجدت عدم الثقة في المصارف، وإعادتها لا تتم إلا عبر زيادة الإنتاج والإنتاجية وزيادة الصادرات غير البترولية، فالمصارف هي الوجه المشرق للاقتصاد وفي حال تم ضربها انعدمت التعاملات التجارية والاقتصاد الكلي، وللأسف أدت الأزمة إلى ظهور سعرين لجميع السلع فهنالك سعر بالكاش وآخر بالشيك لأول مرة في تاريخ البلاد منذ الاستقلال.
*هل لها دور في تراجع الواردات بنسبة 40% هذا العام؟
نعم، ففي ظل هذا المناخ تراجعت الواردات بنسبة ٤٠٪ لجهة أن المستوردين باتوا في حيرة من امرهم بشأن مصير السلع التي يستوردونها وربما يتعرض لخسارة، وفي المقابل أيضاً باتت العملات الأجنبية عبارة عن سلعة نتيجة لعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والامني مما أدى الى انفلات الأسعار وانعدام السلع في الأسواق، والذي نخشى أن يؤدي ذلك إلى ثورة جياع.
*عجز القطاع الخاص عن أداء دوره المنوط به في التنمية الاقتصادية؟
القطاع الخاص أحجم لحماية نفسه، فنسبة مقدرة من المصانع حالياً والبالغة ٦٠٪ مغلقة مما أدى إلى تشريد العمالة وزيادة البطالة والفقر وعدم تحقيق القيمة المضافة، فالمصانع عجزت عن تسيير عملها في ظل ظروف اقتصادية معقدة، نأمل أن تزول ويحدث استقرار وتستطيع المصانع الحصول على التمويل الكافي سريعاً.
*هنالك تخوّف من حدوث ندرة في السلع بالأسواق؟
نطمئن المواطن كغرف تجارية واتحاد وأصحاب عمل بحدوث انفراج في الأيام المقبلة عبر اتفاق جميع الأطراف في المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير لإنقاذ الاقتصاد من التدهور، أكثر من ذلك لجهة أن طول المدة يعرض السودان لمشكلات اقتصادية وامنية.
*رؤية أصحاب العمل في المرحلة القادمة؟
لا شك أن القطاع الخاص المحرك الرئيسي للنمو والتنمية، وللقطاع رؤية جديدة في حال تم الاتفاق بين الطرفين اولها يجب أن تسعى الحكومة الجديدة لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وأيضاً وضع السودان حسب تقدير الأمم المتحدة في المرتبة ١٦٠ من 195 دولة من حيث الأداء أضر كثيراً بالسودان وسمعته وعلاقاته مع الخارج، وكذلك يجب على الحكومة الجديدة أن تعمل على إثبات خلاف ما جاءت به من منظمة الشفافية العالمية التي صنفت البلاد خامس أفسد دولة في العالم، ويتحقق ذلك عبر إنشاء محاكم محاربة الفساد ومحاسبة المفسدين وأن يشمل التعامل الإلكتروني كل المعاملات التي تتم مع الحكومة منعاً للتسيب والفساد وسرعة الإجراءات، وأيضاً يرى الاتحاد أن قانون العمل الذي تمت إجازته في ظروف مختلفة في العهد البائد أضر كثيراً بالتنمية والاقتصاد مما يتوجب مراجعته في المرحلة الجديدة وأيضاً مراجعة قانون الاستثمار لكي يكون جاذبًا للمستثمرين الوطنيين والأجانب.
*هنالك ضروة ملحة في المرحلة الانتقالية يجب على القائمين على أمر البلاد القيام بها وهي ضرورة إنشاء مجلس استشاري اقتصادي مؤقت أو دائم يستعين في عمله بخبرات أجنبية يتبع لجهة سيادية يكون القطاع الخاص عضواً فيه كما حدث في الإمارات والسعودية حتى يتعافى الاقتصاد الوطني.
وأيضاً يحتاج الاقتصاد إلى معالجة سريعة عبر تكوين حكومة رشيقة تهتم بالمواطن ومعاشه وتوجيه الاقتصاد في المرحلة القادمة لصالح معاش الناس ورفع دخل الفرد، خلافاً لما كان في الحكومة السابقة من الترهل الاقتصادي يجب إزالته والاعتماد على الكفاءات، فالوظيفة بها أكثر من ٢٠ موظفاً مما شكل عبئاً على المواطن، وفي المقابل كونت ١٨ ولاية وحكومة ومجالس تشريعية و١٨٠ محلية مما أرهق المواطن وأصبح السودان دولة الجبايات مما يتوجب إعادة النظر فيها ووضعها في منظومة إلكترونية موحدة، وكذلك ضرورة إيقاف نشاط الشركات الحكومية والأمنية والشركات الأخرى، وشركات المؤتمر الوطني والمُستنفّذين، وأن تكون ولاية المال العام لوزارة المالية فقط وإيقاف بند التجنيب، وفي قطاع الزراعة تتوجب المرحلة الجديدة عمل خارطة استثمارية للزراعة والصناعات التحويلية وإلزام المستثمر بأن ينفذ المشاريع وفقًا للخطة المدروسة للاستثمار لتحقيق القيمة المضافة، وأن تكون المشاريع ذات عائد مجزٍ يدعم الاقتصاد، وأيضاً ضرورة تقنين الوجود الأجنبي بالبلاد، ويقترح سداد مائة دولار سنوياً مقابل إقامة سنوية، حيث يشارك المواطن ثلاثة ملايين أثيوبي ومليون شخص من غرب إفريقيا في الخدمات، وهي فوضى غير متوفرة في جميع بلاد العالم، حيث ارتفعتً الجريمة الأجنبية في السودان إلى 8%، فضلاً عن أنهم يحولون مليار ونصف المليار دولار سنوياً من السوق الأسود، أي ما يعادل نصف صادرات البلاد، وأيضاً تنظيم وتقنين سياسات الصادر والوارد عبر الحدود خاصة الأثيوبية.
*إلى أي مدى الحكومة القادمة قادرة على ضبط الأسواق؟
انفلات الأسعار لا يمكن أن يعالج إلا عبر وفرة السلع والبضائع التي تقضي على الغلاء وتخلق منافسة شريفة واستقراراً في استقرار الأسعار وانخفاضها، وبما أن الموسم الزراعي على الأبواب والاقتصاد يعتمد على الإنتاج الزراعي يجب التحضير للموسم الزراعي يتوفير الأسمدة والخيش والتقاوي والبذور والمحروقات وتوفير مبالغ مقدرة نقداً للصرف على العمالة الموسمية لإنجاح الموسم الزراعي الذي يعتبر سنداً ودعماً للاقتصاد.
*ما هي الأسباب الحقيقية لتراجع الواردات؟
عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني بالبلاد السبب الرئيس في تراجع الواردات، فضلاً عن عدم استقرار سعر صرف العملات الأجنبية مما يستدعي زيادة الإنتاج والإنتاجية وتحفيز الصادرات غير البترولية لتغطية الواردات.
*في حال لم يتوصل الطرفان إلى اتفاق في القريب العاجل، ما هو المتوقع على مستوى السلع والأسواق؟
يقول الله في كتابه الكريم “إن مع العسر يسرا”، علينا أن نتفاءل، فإذا تحسنت الأوضاع أو ساءت يكون لكل حدث حديث.
*ما هي أكثر الواردات التي تراجعت؟
مشكلة البلاد عدم وجود إحصاءات دقيقة، فكل جهة تعطي نسباً مختلفة، وجميعها تقديرية، بيد أن عامة السلع الأساسية والاستهلاكية تراجعت بنسبة٤٠٪ حسب إحصاءات اتحاد المستوردين.
*حقيقة ما جرى باجتماع أصحاب العمل مع المجلس العسكري؟
تم الاجتماع بين الاتحاد ونائب رئيس المجلس الفريق أول محمد حمدان حميدتي، واللواء إبراهيم جابر لمناقشة الوضع الاقتصادي الحالي، وموقف السلع بالأسواق، حيث بعث نائب رئيس المجلس بتطيمنات على مستوى معالجة المشكلات في المصارف وندرة السلع الأساسية، وأكد أنه تم إسعاف الموقف بحوالي مليار و٢٠٠ مليون دولار، استخدمت في جلب خط جديد لمطبعة السودان للعملة لحل مشكلات البنك المركزي الآنية، ولكن لا بد من سد العجز بالصادرات غير البترولية، وهذه مشكلة السودان.
*هنالك من يرى أن الخلل في سياسة التحرير الاقتصادي؟
سياسة التحرير هي السياسة الصحيحة، الخطأ في التطبيق، والانقباض يؤدي للتهريب والسوق الأسود والفساد وانعدام السلع في الأسواق، خاصة أن البلاد دولة نامية تعتمد على الضرائب والجمارك في إيراداتها، فالدولة تفقد مبالغ كبيرة في حال التهريب، فتطبيق سياسة التحرير في السودان هي الخطأ، كثير من الدول الغربية أثبتت نجاحها.
*هنالك حديث يثار عن اتجاه لزيادة الدولار الجمركي؟
أي زيادة في الدولار الجمركي تحدث خللاً في الأسعار تترتب عليها مشكلات أخرى اقتصادية واجتماعية. وتؤدي إلى تشجيع ضعاف النفوس على تهريب البضائع، فالوفرة تقضي على الغلاء، ولابد من النظر للمعيشة وليس زيادة الجمارك.
*وجود العديد من القرارات الرئاسية بشـأن إلغاء الجبايات والرسوم إلا أنها لم تنفذ؟
كثير من القرارات السابقة خاطئة، ويمكن أن تزال، على اتحاد أصحاب العمل أن يعد نفسه لعمل الدراسات اللازمة بهذا الشأن وطرحها على المسؤولين عقب تشكيل الحكومة الجديدة، فمن المؤكد الوصول معهم إلى اتفاق لجهة أنها حكومة جديدة، وضع جديد هدفه المواطن والسودان واقتصاده، وبالتالي يمكن إيجاد حلول مختلفة.
*إلى أي مدى تم إنفاذ قرار تجفيف الشركات الحكومية؟
*لم يتم أي تطور في هذا الشأن، فالشركات الحكومية والأمنية وشركات المُستنفذّين أثرت تأثيراً مباشراً على الاقتصاد لجهة أنها لا تدفع ضرائب أو جمارك أو زكاة أو عوائد العبور، وتنامت بصورة كبيرة لأكثر من ٤٠٠ شركة وأصبحت سرطان الاقتصاد، وأحد أسباب التردي الاقتصادي، ويجب إيقافها أو تصفيتها فوراً، نسبة لأنها تؤثر تأثيراً مباشراً على معاش الناس، بل استحوذت على مبالغ كبيرة جداً من البنوك، والذي كان من الممكن الاستفادة منها في زيادة الإنتاج والإنتاجية والتنمية عامة، من حقنا أن نسأل أين تذهب عوائد الشركات.