المبادرة الأثيوبية.. ملاحظات حول الاختصاص والسوابق والمقارنات
تقرير: القسم السياسي
نشطت ومع تطوّرات الأوضاع السياسية بالبلاد، ظاهرة الوسطاء والمسهلين وأحيانا المستفسرين الأجانب من مبعوثي الدول الإقليمية المرتبطة بالسودان بمشتركات الجوار والجغرافيا، أو من مبعوثي دول عظمى مثل الولايات المتحدة الأمريكية أو منظمات وكيانات دولية ومجمعات إقليمية مثل الاتحادين الأوربي والأفريقي.
هذا الحضور في ملمحه العام مؤشر على أهمية السودان في خارطة المصالح وأهمية اتجاهات الأزمة فيه، أو الاستقرار لدى كثير من الدوائر، إلا أنها وبالمقابل تحمل ذات الاتجاهات شق النشاط غير المرحب به خاصة إذا طُرحت مبادرة للتسوية من دول وعواصم أوضاعها السياسية وتعقيداتها الإثنية وأحوالها العامة يبدو معها أن الأفضلية للبلد الذي تتوسط بشأنه.
ومؤخراً كثُرت التعليقات الخاصة بما يُشتبه أنه تدخلات خارجية في الشأن الوطني السوداني تراوَح التحفّظ حولها حول انعدام الحياد في المطروح على الفرقاء السودانيين وأحيانًا عدم الجدارة للتوسط أصلاً، فيما تم إجماع على أن إيجابية الأمر في بُعدها الآخر تتركز على استشعار الوسطاء الإقليميين ضرورة الوصول إلى حلول سلمية باعتبار أن هذا يسهم في منع بؤر اشتعال مرشحة في أفريقيا.
التدخل بالمثل.. سابقة ديسالين!
يقول مصطفى الشيخ، الأمين العام لجبهة الخلاص الوطني لـ” الصيحة” في شأن المبادرة الأثيوبية إن أديس أبابا خالفت ثابت موقفها الدائم من عدم التدخّل في شؤون الآخرين، وبالمقابل حساسيتها من التدخل في شؤونها بمبادرتها التي رفضت مثلها في مارس 2017 من الخرطوم. مشيراً إلى أنه وعندما تعقّد المشهد السياسي الأثيوبي؛ عقب استقالة رئيس الوزراء السابق هايلي ديسالين؛ وفيما تنخرط اللجنة المركزية لتحالف جبهة الشعوب الأثيوبية الحاكمة ولجنة الإئتلاف في انعقاد ترتيبات (الرئيس) البديل؛ طار وفد من قيادات سودانية سياسية وتنفيذية إلى أديس أبابا لمقابلة (ديسالين) الذي كان في قصر الحكم يلملم أوراقه للمغادرة؛ هبط الوفد وفي ظنه أنه سيلتقي بالرجل و(يتنوّر) منه، وربما يطرح عليه مبادرة ورؤية وفق “أكلشيه” النص المعلوم بشأن العلاقات الثنائية، وأن السودان عمق لإثيوبيا؛ وبحجية دعم خيارات الشعب الأثيوبي! والذي حدث ببساطة أن الوفد استُقبل بلا ضوضاء، ثم اقتيد رئيسه فقط بلا مرافقين بمن فيهم السفير لمقابلة رئيس الوزراء المستقيل، وجرى اللقاء بشكل غير رسمي وبلا مراسم بل ودون عرض من الإعلام، حسب مصطفى الشيخ الذي أوضح أن مهمة الوفد السوداني الذي قاده مساعد الرئيس حينها د. فيصل حسن إبراهيم أنهيت في دقائق في حدود مسلك يدرأ الحرج، ويُجبر الخواطر؛ كانت رسالة لبقة من أديس أبابا للخرطوم مفادها أن هذا ليس شأنكم!
مفاوضات الفرقاء الأثيوبيين… لا أجانب!
من ناحية أخرى، يُعزز الباحث محمد أول الأستاذ بجامعة السلام بتنزانيا رؤية مصطفى الشيخ بقوله إن الحكومة الأثيوبية قبل (آبي أحمد) وفي عهده، خاصمت جبهة تحرير أوغادين، وجبهة تحرير أرومو، وأذرع من فصائل للأمهرا والتقراي منشقة، وقوى من البني شنقول، بل حاربت وقاطعت (إرتريا)، ولم تسمح بوسيط أو وساطة؛ وأقصى ما حدث بعد التطبيع مع (أسمرا) أنها أوفدت ممثلين من الحزب الحاكم ومسؤولين أمنيين ودون تدخّل من السلطات الأرترية رتّبت أمر انتقال المحادثات ومناقشات التسوية النهائية وأمور العودة للحوار والتفاوض في العاصمة الأثيوبية دون السماح لأجنبي بالحضور والمراقبة بمن في ذلك الصحفيون الأجانب الذين أقصى ما حصلوا عليه تغطية مخاطبات عامة لاستقبال القيادات العائدة في ساحة الصليب بوسط أديس أبابا. ويؤكد أول الذي تعود جذوره إلى أثيوبيا قبل نفيه للخارج منذ عشرة أعوام أن حوارات الحكومة الأثيوبية في عهد (آبي) لم تسمح بأي وجود ووسيط أجنبي رغم أن بعض الفصائل العائدة وعددها سبعة تنظيمات كانت مُدرجة على قوائم تنظيمات إرهابية بعضها مشمول بعقوبات أمريكية مثل جبهة تحرير أوغادين التي كانت تقاتل في إقليم الصومال الأثيوبي وتدعو لانفصاله، وأضاف أول قائلاَ: (لم يحتاج الأمر لوسطاء فرنجة أو أفارقة؛ وتبعاً لذلك لم يطأ أي من قيادات العائدين ساحات مقر الاتحاد الأفريقي في (ساربيت)، ناهيك عن الوصول لمكتب رئيس المفوضية الإفريقية أو قاعة اجتماعات مجلس السلم والأمن الأفريقي رغم أن بعض أولئك العائدين من منافي المعارضة الأثيوبية سكنهم ومسقط رؤوسهم في ذات المنطقة أو جوارها )!
ويعود مصطفى الشيخ ليؤكد أن موقف السلطات الأثيوبية والمعارضة هناك سببه ما أسماه حزم وصرامة الدولة بشأن السماح بالتدخلات بالشؤون التي تخص أثيوبيا، إلى جانب ما قال إنه وعي المعارضين في التفريق بين القضية الوطنية وإن تعقدت والقضية التي تُبذَل للسابلة والأجاويد، ولأن الجميع هناك يختلف حتى الاقتتال ولا يقرّب وساطة غريب أو يستدعيها؛ رغم أن البلد هناك دولة المقر للاتحاد الإفريقي ورئيس الإيقاد.
مئات القتلى والمعتقلين لبلد الوسيط
أما الناشط الحقوقي سامي شبيكة عضو الجمعية الأفريقية للقانونيين، فإنه يعتقد أن أثيوبيا وفي الوقت الذي تحث فيه السودانيين على تسوية وفق مقترحات تقدمها للأطراف تعاني تعقيدات سياسية وإثنية وأوضاعاً أمنية شملت قتلى أضعاف قتلى اعتصام القيادة العامة، مشيرًا إلى أن أحداث بحر دار قبل أسبوعين أوقعت مئات القتلى في صراع له خلفيات عرقية بإقليم الأمهرا فضلاً عن اعتقال ما يزيد عن 400 مشتبه به إلى جانب إغلاق خدمات الانترنت، وإغلاق المنافذ البرية، مضيفاً أن أثيوبيا نفسها بحاجة لوساطة قبل التوسط لصالح الآخرين، مضيفاً أن الوساطة الأثيوبية حول السودان لم تأت بقرار من الاتحاد الأفريقي أو مجلس السلم والأمن عكس وساطة السودان السابقة بشأن جنوب السودان وأفريقيا الوسطى قبل التغيير الذي تم بالسودان، منوهاً إلى أن عدم وجود آلية تفويض ودعوة، هو ما استدعى لاحقاً موافقة الاتحاد الأفريقي على دمج المبادرة الأثيوبية في مبادرة الاتحاد الأفريقي متمسكاً بمسمى مدمجة، وليس مشتركة، بقوله إن الأفريقية والأثيوبية لم تُطرحا في وقت سابق معاً لتسمى مشتركة .
وأشار شبيكة كذلك لشخصية الوسيط الأثيوبي نفسه الذي رغم أنه وزير سابق وبرلماني ودبلوسي عمل بدول عربية عديدة لكنه – يقول سامي- لا يبدو من الشخصيات القوية والمقربة لرئيس الوزراء الأثيوبي أو من قيادات الحزب الحاكم بأديس أبابا أو من الشخصيات المفاتحية في نظام الحكم الأثيوبي، منوهاً إلى أن العرف جرى على أن يكون الوسيط من الشخصيات المؤثرة في بلده مثل الجنرال الكيني لزاراس سمبيوا الوسيط في محادثات السلام بين الحكومة السودانية والمتمردين في نيفاشا حول اتفاق السلام الشامل مع الجنوبيين.