تُبذَل الجهودُ الحثيثة لاستئناف عملية التفاوُض بين المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير للتشارُك بينهما لإدارة الفترة الانتقالية، وحتى يخلو وجه كلٍّ منهما للآخر، تُحاول المجموعة السياسية التي تضم أطرافاً مختلفة وواجِهات حزبية وجمعيات وروابط ومُسميات أخرى بلا قواعد، الضغط بكل الوسائل المُتاحة والمشروعة وغير المشروعة على المجلس العسكري وفرض رؤيتها عليه، مع إبعاد أي مُكوّن وطني آخر من المساهمة في مستويات الحكم الانتقالي، كما تُحاول الاستئثار بكل ما تجده أمامها، وجعل السلطة غنيمة بارِدة لا يُشاركها فيها مشارِك، وهذا الواقع للأسف تسبّب فيه المجلس العسكري الذي أعطى الحرية والتغيير من وقتٍ مُبكّر حجماً أكبر من حجمها ودوراً لا تستحقّه .
في ذات الوقت، تطل مع استئناف التفاوض بين الطرفين أسئلة لابد من إيجاد إجابة عاجِلة وشافية لها، هل سيعود قطبا التفاوض إلى الاتفاق السابق الذي أُلغِي من قبل في بيان رئيس المجلس العسكري عقب فض الاعتصام؟ فأي عودة لتفاصيل الاتفاق السابِق ستضع المجلس العسكري في موقفٍ حَرِج للغاية، وستُوسّع من دائرة رفض ما سيتم الاتفاق عليه خاصة من القوى السياسية الأخرى الناظرة شذراً للاتفاق السابق منذ الإعلان عنه وناهَضَته بقوة .
إذا كان التفاوُض سيُفتَح من جديد، فهل ستتم إعادة توزيع نِسَب المشاركة في الحكومة؟ هل ستكون كما أعلن المجلس العسكري أنها ستكون مناصفة 50 -% % 50؟ وأيضاً حصص المجلس التشريعي هل سيُعاد توزيعها من جديد لتكون مناصفة أو تقل نسبة الحرية والتغيير؟ أمّا ما يخص المجلس السيادي فقد حرص الوسيطان الأفريقي والإثيوبي بدون وجه حقّ في طرح أفكار رفَضَها العسكريون من قبل، ثم تمّت المناورة من قبلهم بالقبول بمبدأ المناصفة مقابل إقرارها في مجلس الوزراء والمجلس التشريعي، فهل سيقدم الطرف العسكري تنازُلاً أم تقبل الحرية والتغيير صيغة جديدة إنقاذاً لأي اتفاق يتم التوصّل إليه حتى لا تخسر كما خسِرت في السابق؟
بجانب ذلك، وعى الجميع الدرس، فالفترة الانتقالية إذا كانت طويلة، ستكثُر خلافاتها وتتعقّد مسارات شراكتِها، وقد تحتاج إلى وسطاء جُدُد، فالأفضل للحرية والتغيير في ظل احترار شارعها وسخونته أن تذهب أحزابها إلى انتخابات تُعطي الشرعية الكامِلة لمن يفوز بكسب صناديق الاقتراع، ففرص الحرية والتغيير قد تكون سانحة كلما كانت الفترة الانتقالية قصيرة والزخم الثوري حاضراً، لكن إذا طالت الفترة الانتقالية وغرقت الحكومة الانتقالية في الأزمات الاقتصادية والسياسية، وأخفقت في إدارة هذه الفترة فستخسر تحالفها والشارع المؤيد لها، وقتئذٍ ولات حين مندم ..
من الأفضل طبعاً للطرفين، البحث عن صيغة مُرضِية لهما ولبقية القوى السياسية الأخرى، إذا كانت النية خالصة لوجه الوطن ولتجنيبه الشد والجذب والتوتّر السياسي وحالات الاحتقان أو الشعور بالضيم والغبن، ولن تستقر البلاد وتهدأ، إلا باتفاق يقوم على العدالة والموضوعية، ويراعي كل الحقوق ويجد فيه الجميع أنفسهم دون حيف أو ظلم، فإذا وقع المجلس العسكري والحرية والتغيير في ذات الخطأ السابق واحتكرا السلطة الانتقالية وحدهما، فليس هناك من يضمن استمرار هذه التركيبة السياسية المنقوصة، ولن تحظى الحكومة المقبلة بتأييد واسع وعريض يجعلها تعمل في أجواء مواتية وستنُجِب الأزمةُ السياسيةُ الحالية أزمات أخرى ..