في مواجهة خطاب الكراهية.. السلام والسلم المجتمعي.. وما بينهما
الخرطوم: انتصار فضل الله 4 اغسطس 2022م
نشطت مجموعة شباب تتراوح أعمارهم بين (20) إلى (40) عاماً، تداعوا لنشر وتكريس ثقافة السلام والسلم المجتمعي في السودان، عبر إنشاء صفحات على الشبكة العنكبوتية وبث رسائل نصية كل دقيقة عن أهمية ومطلوبات السلم في المناطق المتأثرة جراء النزاعات والصراعات في الهوية والثروة والعدالة .
ضمت الصفحات أعداد كبيرة من الأعضاء بمختلف التخصصات والسحنات يتسابقون لنشر، المفاهيم، وحثوا المجتمعات على حفظ السلام والتعايش السلمي ونبذ العنصرية والجهوية .
في ظل هذا العمل تتوالى موجات الصراع في المناطق المضطربة ما جعل (الصيحة) تفتح الملف وتبحث حول فرضية “قضايا السلام والسلم المجتمعي ..وما بينهما” وتساءلت عن التحديات والمعالجات مستصحبة ما تم في الفترة الانتقالية.
الحياة الآمنة
أحمد الريح، في العقد الثالث من العمر ناشط في تكريس ثقافة السلام، قال لـ”الصيحة “: السودان بلد واحد يجب أن ينعم بالاستقرار، متأسفاً لأحداث النيل الأزرق مؤخراً ما دفعه ومجموعة للتوجه إلى هناك والإسهام في إعادة الاستقرار عبر الندوات والمحاضرات في المساجد قائلاً: ربما يساعد في وضع نهاية للصراعات .
أحمد، مواطن يرى أن مفهوم السلم يتطلب أمن وسكينة المجتمعات وتغيير سلوك الأطراف المتنازعة، ويتفق معه متحدثون على ضرورة البناء الاجتماعي بما يدفع إلى التعايش مع السكان المحليين.
تحديات ماثلة
اتفق خبراء ومختصون، على أن المعضلة الأساسية تتمثل في التدخلات الأجنبية والآثار الباقية لحكم الإنقاذ الذي أراد أن يفرِّق بين أبناء الوطن وضعف دور مراكز ومؤسسات المجتمع المدني في ترسيخ ثقافة السلم المجتمعي بالإضافة لغياب العدالة في التوظيف والتعليم والسياسة والاقتصاد والتنمية والقانون.
وقالوا لـ(الصيحة): الصراع الدائر اليوم في مختلف أقاليم البلاد تحتاج الأطراف فيه لتأسيس نظرة واقعية عن بعضهم البعض، لأن عدم الواقعية يفاقم الصراع والعداوة والقتل، وشدَّدوا على قبول كل الأطراف المتنازعة وتفهم مواقفها ومقابلة احتياجاتها ومخاوفها وطموحاتها مع معالجة الأسباب وتعويض المتأثرين .
انتظار العدالة
لا توجد أرقام دقيقة لأعداد المتأثرين، ولكن في دارفور أنموذجاً تشير إحصائية تحصلت عليها (الصيحة) من المنسقية العامة للنازحين واللاجئين بالإقليم أن العدد بلغ (4) ملايين ونصف.
وأكد الناطق باسم المنسقية آدم رجال، على وجود السلم والتعايش والأمن في البلاد، ودارفور خاصة، منذ القدم، غير أن نظام الإنقاذ البائد فرَّق الناس وقسمهم، رغم ذلك يوجد تعايش في مكان واحد بين الضحايا ومرتكبي الانتهاكات ضد حقوق الإنسان ولم يتجرأ أي مواطن أخذ حقه بالقوة لأنهم ينتظرون العدالة.
جهة داعمة
يقول رجال لـ(الصيحة): ما قامت به اللجنة الأمنية إبان الإنقاذ أنها تجاوزت السلم المجتمعي والعدالة وعملت على استفزاز مشاعر الضحايا وكرَّست لفقدان السلام الاجتماعي، فالقوات الأمنية السودانية جزء في إثارة المشاكل وهناك من يدفع أجر للمسلحين للاستمرار في النهج .
لتحقيق العفو وتفادي تكرار المجازر يرى ضرورة العدالة وأن يكون القانون سيد الموقف وإنشاء محاكم وطنية لمحاكمة غير المطلوبين للجنائية وفق القانون بعد إعادة هيكلة مؤسسات الدولة وتقديم المطلوبين للجنائية.
قضايا متأصلة
تحدث المحلِّل السياسي سعد محمد، حول تاصيل قضايا التهميش والنزاعات في السودان بالإشارة إلى السياسات التي اتبعها الاستعمار وسياسة المناطق المقفولة التي عانى منها غرب وجنوب السودان وتجارة الرقيق التي اشترك فيها أبناء البلاد ضد البعض الآخر إبان الاستعمار التركي واستغلال مكوِّنات المجتمع السوداني في الزراعة والرعي والخدمات ما تسبب في نفوسهم جراء المعاملة القاسية.
قال لـ(الصيحة): هذا ما خلق نوعاً من التميُّز بعد الاستقلال بين المكوِّنات بسبب غياب التعليم والتنمية، فضلاً عن النزاعات التي شهدها غرب البلاد بين مكوِّناته المجتمعية بين الرعاة والمزارعين ما خلق احتكاكات تطورت لحروب أهلية غذتها النُظم العسكرية التي حكمت البلاد مدى (56) عاماً، غاب فيها الحكم الرشيد .
مضيفاً: تطوَّرت المشاكل في ظل نظام الإنقاذ الذي غذى النعرات العنصرية والدينية ومنح بعض الدخلاء الجنسية السودانية فاستولى الكثير منهم على حواكير السكان الأصليين، فضلاً عن تدخلات خارجية تبنت المجموعات المتصارعة والحروب الأهلية مع اتباع الإنقاذ سياسة شراء الذمم بدلاً من معالجة القضايا الأساسية من سلام وأمن وصحة وغيره.
اتفاق فاشل
يشير سعد إلى أنه خلال الثلاثة عقود شهد غرب وشرق وجنوب البلاد صراعات أهلية وقبلية وإثنية ودينية مع تفشي الفقر والجوع وغياب الحكم الرشيد، فضلاً عن آلاف القتلى وملايين النازحين بسبب الحروب الأهلية استعصى معها تحقيق سلام حقيقي.
اتفاقية جوبا وفقاً لرأي سعد لم تتعد تقسيم كيكة السلطة، حيث فشلت في وضع إطار حقيقي للسلام ولم يشارك فيها أصحاب المصلحة نازحين ولاجئين وأسر شهداء ومقتولين لتبقى الاتفاقية عكننة في طريق تحقيق السلام، لأن الحرب ازدادت اشتعالاً في دارفور، فضلاً عن أن مسارات الشرق والوسط والغرب خلقت نزاعات كبيرة بين مكوِّنات هذه المناطق.
تدخلات سالبة
أشار المحلِّل السياسي دور التدخلات الخارجية في توسيع الحروب والنزاعات الأهلية، لأن لديها أجندات تريد تحقيقها عبر تدخلها باسم السلام، داعياً لقيام المؤسسات الدستورية وهيكلة القوات النظامية والعمل على تحقيق العدالة الانتقالية وإقامة مؤسسات عدلية مؤهلة ونزيهة.
فيما أرجع رئيس المركز العالمي للثقافة والسلام د.عبد المؤمن إبراهيم أحمد، أسباب الوضع الاجتماعي المضطرب للاضطرابات السياسية والاقتصادية وعدم استقرار الحكم والدولة على أسس سليمة مما وضع على عاتق القيادات والمراكز ومنظمات المجتمع المدني مسؤولية ضخمة.
وأشار إلى أن دور المراكز الثقافية والمنظمات في بناء السلام يتحقق ويستدام عبر القيادة الراشدة، ويجب أن يكون لديها رؤية وتصوُّر للسلام وتأثير سلمي على المجتمع وأن تقدِّم نفسها أنموذجاً للبناء عبر القول والممارسة.
مبادرات مجتمعية
وطالب مؤمن المراكز بتقديم مبادرات مجتمعية وأفكار جديدة تقود المجتمع في اتجاه السلام وإنشاء برامج من أجله واقتحام القلوب والعقول للآخر عبر الحوار المجتمعي الثقافي والديني لتحقيق التراضي البعضي، مؤكداً اكتمال هذا الدور بالإعلام السليم ومؤسسات التعليم ودور العبادة ورجال الدين ونشاط المؤسسات الفنية والأدبية .
وقال لـ(الصيحة): يتحقق السلم على مستوى الفرد عبر الإدراك الصحيح لأسباب وإبعاد المشكلة العرقية أو القبلية أو الدينية، مشدِّداً على الإرادة السليمة والوعي الجماهيري والسيطرة على الخلافات مع تغيير اتجاه التفكير والسلوك والمشاعر وسط الجماهير وتغيير النشاط من العنف إلى اللاعنف، مؤكداً أهمية السلام السياسي والثقافي والتنمية.
ضلوع وتقصير
وشدَّد مؤمن على التوازن العادل والاستيعاب التام للإدارة الأهلية في الوقاية من النزاعات ثم فضها إذ وقعت بخلاف ما يدور الآن، حيث وردت أنباء عن ضلوع الإدارة الأهلية في بعض الصراعات الدائرة.
داعياً الدولة عدم مساندة أي طرف ضد الآخر إلا بالقانون ورعاية مصالح الجميع ودعم القانون والأمن والنظام والاعتراف بالتعددية واستيعاب ثقافات الهامش ولغاته في ثقافة المركز “التعليم والإعلام”، بالإضافة إلى دمج المجموعات المختلفة لخلق كليات عرقية متجانسة وقبول مبدأ التعدد والتباين الاجتماعي والاعتراف به وإشراك كل مكوِّنات الأمة في كعكة السلطة والثروة وخلق ماعون عرقي قومي يقوم على التعايش والأعراق والثقافات.
الحلول الاجتماعية
طالب مؤمن بالإسراع في وضع الحلول لكل النزاعات القائمة وعدم الاستهانة بها، منبِّهاً إلى أن المشاكل التي لم يتم حلها تنتقل إلى أجيال المستقبل بالتالي تزداد وتتفاقم ويصبح حلها أكثر صعوبة، لأن الأخطاء التي يرتكبها الجيل الأول تصبح عبئاً على الجيل الثاني ما يؤدي لتراكمها وتكاثر مشاعر الكراهية والشك والغبن بين الأعراق والأديان.
حول نشوب النزاعات أكد على العدالة الشاملة وتعويض المتضررين، موضحاً أن المسألة المركزية ليست تطبيق العدالة وإنما كيفية تطبيقها، وأن التصالح ليس واقعة واحدة وإنما رحلة طويلة والعدالة لا تعني الانتقام وعقاب الجاني وإنما العدالة الشاملة القانونية والتصالح والإصلاح.
دمل جراح المجتمع
فيما يتعلق بمعالجة جراح المجتمع أشار مؤمن إلى أن ديباجة الأمم المتحدة “يونسكو” تقول: الشعور الداخلي لدى كل فرد يساهم في خلق النزاع وعلاجه باعتبار أن الصراع يبدأ في القلوب والعقول وكذلك السلام، مشيراً إلى أن القيادات تعلم فن النظر للتحوُّلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تؤثر على أحوال العشيرة والقبيلة وهي الحالة المتفشية في معظم أفريقيا .
ويضيف: من مهام الجهات الأمنية منع العدوان والانتقام، ومهام أهل القانون إقامة العدل، بينما مهمة منظمات المجتمع المدني نشر التسامح وتحقيق العدالة الانتقالية والتصالحية، منبِّهاً إلى أن المصالحة لا تعني نسيان الضحايا والعدوان وإنما تجاوز الذكريات نحو مستقبل جديد وأهداف أسمى.
غياب الدعم
قال الناطق الرسمي باسم الإدارة الأهلية في السودان الأمير محمد علي يعقوب “الصيحة “: تعيش البلاد في جو أقرب إلى الانفجار بين مكوِّنات شعب كانوا أخوة وأولياء أمور وأخوان بنات، ما دعا إلى القيام بمبادرات لحل المشاكل عبر إدارة الحوار بين المكوِّنات المتباينة لوقف العدائيات في المناطق المتضرِّرة وضرورة قيام مؤتمر للسلم الاجتماعي وتحقيق الأمن النفسي والاقتصادي والسياسي، مؤكداً مضي خمسة أشهر، منذ أن تم تكليفهم بالملف وقد أنجزوا الكثير في المناطق المضطربة آخرها ما تم إنجازه في النيل الأزرق، مبيِّناً أن المجتمع يحتاج للوساطة المحلية وأن الإدارة الأهلية قادرة على ذلك إذا وجدت العون الحكومي في الجانب الاقتصادي وتوفير الدعم لتحقيق التنمية وتوزيع فرص التوظيف في ولايات البلاد المختلفة.
انسداد الأفق
يتفق القيادي بحركة جيش تحرير السودان قيادة الريح جمعة عبد الناصر محمد، مع الآراء السابقة ويقول لـ(الصيحة): تمر البلاد بمنعطف خطير للغاية جراء أزمة الانسداد في الأفق السياسي والمصالح الحزبية الضيِّقة، المتجلية في الفوضى الخلَّاقة في تعاطي الأحزاب السياسية مع المتغيِّرات في المشهد ومحاولتهم زج الفترة الانتقالية في أتون النعرات ذات الأبعاد الجهوية والمناطقية والعنصرية والقبلية جراء ممارسة المحصصات الحزبية التي أقعدت البلاد كثيراً.
مؤكداً أن معضلة الدولة السودانية في أحزابها التقليدية ومؤسستها العسكرية، قائلاً: هذه المعضلات لها نصيب الأسد في قطع الطريق نحو بناء وطن ديموقراطي.
أثر اقتصادي
حول تأثير السلام والسلم المجتمعي على الوضع الاقتصادي يتضح من خلال إفادة المحلِّل الاقتصادي د. علاء الدين فهمي، لـ(الصيحة)، أن المشكلة الأساسية في السودان ولفترة تاريخية تتمثل في عدم توفر التنمية المتوازنة والافتقار للخدمات الضرورية والأساسية “طبية، مياه الشرب النقية، صحة، تعليم والطرق” فرعية ورئيسة .
وتابع: بالتالي دعا ذلك للهجرات والنزوح إلى المناطق المتوفر فيها الخدمات فحدث ضخ سكاني إلى المناطق التي تحرَّك نحوها النازحين والتي تعاني شح –أيضاً- في الخدمات.
تولُّد الغبن
أدى التهميش الذي طال كل مناطق السودان إلى الغبن الاجتماعي وذلك لأن عملية التنمية لم تتم بصورة واضحة وفقاً لحديث فهمي، فالشعور الذي يعاني منه المواطنين في ظل نهب ثرواتهم وتهميش مناطقهم والاستقلال غير القانوني للموارد من المستثمرين دون عوائد قادهم الدفاع عن مواردهم بصورة مباشرة سواءً برفع البندقية أو غيرها، مشيراً إلى تفاقم الصراعات في الفترة الانتقالية التي شملت إغلاق ميناء بورتسودان وعدم تنفيذ مطالب السكان، مؤكداً السودان الآن في حالة غياب للدولة ونهب للموارد ما أبعد عملية السلم المجتمعي الذي لا يتحقق إلا عبر إزالة غبن أهل المصلحة وإيجاد حكومة مدنية تدير دفة البلاد.
اتفاقيات وتحديات
أبرمت العديد من الاتفاقيات عن السلم الاجتماعي في السودان وجميعها انهارت بحسب وصف المحامي حاتم خورشيد، لأنها لم تستصحب آمال وتطلعات الشعب وجاء بعضها لرغبات حاملي السلاح واقتسام الثروة والسلطة فيما بينهم.
ذكر خورشيد لـ”الصيحة” من الاتفاقيات اتفاقية أديس أبابا في العام ١٩٧٣م، بين حكومة مايو آنذاك وحركة ” أنانيا” بقيادة القادة الجنوبيين، ثم اتفاقيات عديدة بين حكومة الإنقاذ السابقة وقيادة الجبهة الإسلامية على رأسها الحكومة العسكرية بقيادة البشير والمجلس العسكري، ثم اتفاقية الخرطوم مع رياك مشار واتفاقية أبوجا مع حركة مني أركو مناوي، ثم اتفاقية الدوحة بين حركة تحرير السودان بقيادة السيسي والجبهة الشعبية لتحرير السودان بقيادة جبريل إبراهيم الذي انسحب من الاتفاق.
واصفاً اتفاقية جوبا باعتبارها آخر الاتفاقيات بعدم العدالة، وأنها سارت على درب الاتفاقيات السابقة بعد قيام ثورة ديسمبر المجيدة.
قطع خورشيد بأن الأمن المجتمعي لا يأتي بين عشية وضحاها باتفاقيات لم تساوِ الحبر الذي كتب بها، مما يتطلب توافق الحركات المسلحة على وضع السلاح ودمجها في الجيش القومي والجلوس على طاولة البرلمان الشعبي العام وبلورة اتفاقية كيف يحكم السودان
والاتفاق على وضع دستور وبلورة حكومة تنفيذية لفترة انتقالية وإقامة انتخابات حرة نزيهة واختيار البرلمان في إطار الحكم الفيدرالي ووضع قانون العدالة الانتقالية.
خطر ماثل
فيما رهن القانوني د. عبد العظيم بكري أحمد، تحقيق السلم والعدالة بإصلاح المؤسسات العدلية والشرعية والأمنية .
وحذَّرت المختصة في علم النفس الاجتماعي د.نوال الزاكي، من مخاطر فقدان السلم المجتمعي على الأوضاع النفسية للمواطنين والعلاقات الاجتماعية، مشدِّدة على ضرورة الجلوس للتحاور حول القضايا الراهنة.
وقالت لـ(الصيحة): اتسم السودان بالسلم المجتمعي باستثناء حالات قليلة جراء تدخل القوى الخارجية.
خلاصة ونتائج
اتضح من خلال البحث والتقصي حول القضية وجود تحديات ماثلة تتسبب في عدم السلام المجتمعي ما يتطلب إدخال منهج السلم المجتمعي في المدارس والجامعات وتفعيل دور المراكز البحثية مع إيجاد فرص ساحة للعيش المشترك ووضع جميع القضايا على مائدة واحدة مع دعم وحماية المستضعفين وتضميد جراح الظلم الواقع على المجموعات والأفراد.