سراج الدين مصطفى يكتب : شرحبيل أحمد.. النمذجة الإبداعية!!
4 أ غسطس 2022م
(1)
حينما أعاين لمحتوى مفردة فنان وأتأملها جيداً .. تجدني لا احتار كثيراً في التوقف عند تجربة الفنان العظيم شرحبيل أحمد .. فهو ليس مغنياً فحسب، وإنما مجموعة مبدعين في إنسان واحد .. فهو مبدع شامل ومتكامل وغير منقوص الأشياء .. فهو فنان مغن .. وملحن على مستوى عال من البراعة والتقنية والمهنية، كما أنه شاعر مجيد كتب الكثير من الأغنيات .. فهو كذلك رسام تشكيلي يعرف كيف يوظف اللون لخدمة فكرة اللوحة .. ولعلنا نذكر جميعاً (عمك تنقو) هذه الشخصية الكاريكاتيرية التي ابتدعها الفنان العظيم شرحبيل أحمد.
(2)
منذ خمسينيات القرن الماضي وشرحبيل صامد وواقف .. يبدع في كل يوم أفكارا موسيقية وشعرية وتشكيلية جديدة .. ومازال صوته يتمتع بذات الوسامة والقدرات التطريبية العالية .. فهو رغم أنه يبلغ من العمر (77) عاماً لكنه مازال يتمتع بذات دفء الصوت وذات القدرات على التحرك في كل المناطق الصوتية بكل سلالة .. ويعود سر محافظته على صوته انه يعود لتقيده بالمدى المحكوم ومعرفته بقدراته الصوتية والعمل بما جاء فى كتاب التربية الصوتية والالتزام بترك المحظورات من التدخين والمشروبات الكحولية والاكل الحار وشرب الماء غير المثلج .. والحفاظ على الصوت طيلة هذا الزمن يؤكد بأنه كان فناناً ملتزماً لا يعرف (اللف والدوران) وتلك المهلكات التي نعرفها جميعاً .. وفي ذلك إشارة على انه فنان خلوق وعلى درجة عالية من التهذيب والأدب.
(3)
تفرّد شرحبيل وتميّز عن غيره من أبناء جيله لأنه عشق الموسيقى والغناء ويجيد الحفظ منذ نعومة اظافره حفظ اغاني عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ من الافلام المعروضة بالسينما وهو في السادسة من عمره .. يقول شرحبيل ان الحس الفني الذي يمتلكه منبعه بيت الأسرة، فوالدته والحبوبة اجادتا التمثيل والمحاكاة فأضحكتا الناس كثيراً بجانب الغناء والفن التشكيلي، ووالده كان يمتلك جهاز فونغراف واسطوانات لأغاني الحقيبة والمارشات الإثيوبية.
(4)
وكما ورد في سيرته الذاتية أنه دخل كلية الفنون الجميلة وكان قد احرز المركز الاول في امتحان القدرات ومارس الفن التشكيلي ولكنه كان مجرد نشاط، الا انه كان يزور مكتب النشر حيث مجلة الصبيان ويقوم ببعض المهام، وبعد التخرج عمل فيها وطور في شخصية عمك تنقو على اسس شبيهة بوالت ديزني وميكي ماوس.. ودخل شرحبيل مرحلة التشكيل وساهم في وضع كثير من الخرط والصور بالمناهج التعليمية في كل المراحل ومجلات خاصة بتعليم الكبار والهدهد والباحث الصغير وبخت الرضا ورسالة معلم وهي مجلات تعليمية اختفت كلها للأسف.
(5)
شرحبيل أحمد كان دائماً وابداً ومنذ بداياته الباكرة يبحث عن لونية موسيقية عرفها من السينما وفرق اجنبية تزور السودان ولكنه لم يجدها في الغناء السوداني ويظل يفكر ويقارن ويتردد كل شهر على نادي سان جيمس لمتابعة فرقة gmh الى ان تحصل على جيتار من دلالة وكان به 6 اوتار ولم يستطع وزنه وتعلم من طلبة جنوبيين من رُمبيك كانوا يجيدون العزف عليها وانضم الى مجموعتهم الغنائية وطور في الجيتار فادخل فيه ووظف جهوده لتطوير الاغنية السودانية الراقصة بكل ما يمكن توظيفه من حداثة مع الحفاظ على الروح القومية للأغنية وبنهاية عام 60 كون فرقه خاصة به.
(6)
إنها بعض لمحات عن سيرة ومسيرة هذا الفنان العظيم .. نضيئ عليها لنقدم للأجيال هذا النموذج الباذخ لماهية الفنان والكيفية المفترضة .. لأن الفنان ليس صوتاً فقط ولا هو اختيار جيد لربطات العنق والبدل .. وإنما الفنان منارة يهتدي بها الآخرون .. وشرحبيل منارة وفنارة مازالت تضيئ .. ونسأل الله أن لا تنطفئ وأن يحفظه لنا سالماً من كل شر .. لأن هذا الرجل نحبه جداً.