منى أبوزيد تكتب : في الشغف والذي منه..!
4أغسطس2022م
“الزواج مؤسسة رائعة، لكن من ذا الذي يرغب في الإقامة بمؤسسة”.. غروشو ماركس..!
المؤرخون يقولون عن الصفة التشريحية لجسد التاريخ إن الأحداث هي اللحم وإن الأسباب هي العظم، ويقولون أيضاً إن الشغف هو نخاع التاريخ الذي لولاه لما اندلعت الأحداث ولما قامت الثورات. واللغويون يقولون إن كلمة شغف مأخوذة من شغاف القلب “قطعة الجلد الرقيقة التي تلامس القلب”. ومنزلة الشغف في الهرم العاطفي أعلى من منزلة الحب، فلكي تنجح في المحافظة على شريك العاطفة لا يكفي أن تحبه، بل ينبغي أن تكون شغوفاً به، مقبلاً عليه..!
إذا غاب الشغف عن مهنية الكاتب تحول إلى بائع وتحولت نصوصه إلى دكان لبيع الكلام، وإذا غاب الشغف بإقامة العدل عن سياسة الحاكم تحول إلى سلطان جائر. والأهم من كل ذلك “مملكة الزوجية” عصب الحياة ونواة المجتمع، إذا غاب عنها الشغف تحولت إلى جوار فاتر في بيت واحد، ورفقة مملة وزمالة خاملة في مؤسسة لا تعترف بقانون التقاعد..!
موت الشغف هو الذي “يمنطق” الكثير من الغرائب التي تطرأ على سلوك الشركاء وتجعل الناس يضربون كفاً بكف. موت الشغف هو الذي يفسر خيانة الأزواج لزوجاتهم مع نساء أقل جمالاً ودلالاً وجاذبية، وهو الذي يجعل اللهفة تنتحر، والأشواق تصير سماداً لبذور الشقاق والعزوف والزهد والعداء والمكابرة، فيتحول الحب إلى “مرحوم كان طيب”..!
موت الشغف هو هاجس الزوجة الأكبر، ربما لانعدام الخيار، وربما لأن الإفراد في علاقات النساء المؤطرة هو نزوع فطري قبل أن يكون حكماً شرعياً. وربما لأن البداية من جديد تعني توحداً جديداً مع آخر غريب، الأمر الذي تفزع منه طبيعة المرأة النمطية..!
لكي يعيش الشغف بين الأزواج لا بد أن تموت اللا مبالاة أن “تُحجَّم” الطمأنينة، لأن الحفاظ على حياة هذا الكائن الحساس هو – بحسب عقلنا الجمعي – مسؤولية الزوجة وقدرها الذي يتغذى على الخوف، الخوف من الفقد، الخوف من تغيّر الحال، الخوف من خمود العاطفة، الخوف من أن لا تكون هي الأقرب والأولى والأجمل والأكمل في عقله قبل عينيه وقلبه..!
ولكي يبقى الشغف هو سيد الموقف لا بد أن تتلون الزوجة كل صباح وأن تغير جلدها مع تعاقب فصول مناخ زوجها، وأن تضبط “مد” مقدراتها على إبراز محاسنها مع “جزر” عينيه – الزائغتين في الغالب الأعم – وأن تحافظ على فنجان قهوته ساخناً، حتى لا يعكر المذاق ويطير الدخان..!
فالعلاقة الزوجية – كما قلنا – هي أطول وردية حراسة في التاريخ، والرجل المتزوج هو أشرس الثوار وأكثر المجندين محاولة “لقد السلك”، لذلك يبقى الزواج – في مجتمعنا – أكثر المناخات السياسية ملائمةً لنشوء حركات التمرد..!