3 أغسطس 2022م
لم أتوقع أن أعود إلى كتابة مقالات مرة أخرى بعد آخر مقال كتبته في هذه الصحيفة الغراء (الصيحة) في عددها الصادر في 22/ 5 / 2019م تحت عنوان (إلى دعاة نصرة الشريعة والقانون) ولكني مضطرٌ للكتابة بالرجوع إلى مقال كتبته تحت عنوان (وا أسفاه على النيل الأزرق في الحركة الشعبية) وتم نشر المقال في صحيفة (آخر لحظة) الغراء بتاريخ (8 /4 /2011) ثم أعادت الصحيفة ذاتها ذات المقال ونشرته من تلقائها في 9/ 9 /2011م. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرد غربتها.. ولاية النيل الأزرق التي ظلت هادئة مطمئنة ومنذ استقلال السودان في يناير 1956م، لم تشهد أي صراعات قبلية او عنصرية أو جهوية رغم تعدد القبائل فيها وفي محلياتها الست – الكرمك – وباو وقيسان والروصيرص والدمازين والتضامن وهذه معروفة باسم المنطقة الغربية وفي شح الموارد في عدة جهات في الماء والكلأ، فلم نسمع بقبيلة حملت عصا لتضرب بها الأخرى، ناهيك عن استعمال السلاح رغم توفره وخاصة فترة حكم الإنقاذ بتزويد الآلاف بالتدريب العسكري في ما كان يسمى الدفاع الشعبية ثم الشرطة الشعبية والأمن الشعبي، فلا عصا ولا طلقة رصاصة حتى كان المنتصف من شهر يوليو المشؤوم من هذا العام 2022م عندما اشتعلت شرارة الفتنة بين أهلنا الهوسا وقبيلة الهمج في الروصيرص وقيسان وقنيص شرق، وحتى العاصمة الدمازين شملتها يد التخريب والقتل والحرق.
أهلنا الهوسا عاشوا مع بقية القبائل في أمن وأمان وفي سلام وتمتّعوا بخيرات الولاية كما تمتّع بها غيرهم، فصاروا من الأغنياء ومن كبار التجار في محليتي الروصيرص وقيسان، فأهلنا الهوسا يحبون واحبوا العيش على الشريط النيلي فصاروا من كبار تجار السمك في تلك المنطقة، ولذا لا تجدهم في محليات الكرمك وباو والتضامن وهي بعيدة من جهة غرب النيل الأزرق وهي أشبه بالجفاف بالنسبة لهم.
إن حرب 1997م ألحقت دماراً كبيراً في الولاية، وقتلت المئات من المواطنين الأبرياء، وفي العام 2011م قامت منظمات طوعية وإدارات أهلية ومنظمات مدنية بالسفر إلى الدمازين في الخرطوم لمقابلة والي الولاية السيد مالك عقار. ورفعت هذه المنظمات شعار (لا للحرب … نعم للسلام) وذلك لتفادي ما حدث في جنوب كردفان من حرب بين عبد العزيز الحلو والوالي أحمد هارون. وجلست هذه المنظمات مع السيد/ مالك ما يقارب الأربع ساعات وكان ذلك في ليلة مباركة من شهر رمضان المعظم، وترأس شخصي الضعيف تلك الجلسة بحكم انني كنت رئيساً بشبكة المنظمات العاملة في تنمية النيل الأزرق، ولكن ورغم المناشدات ورفع الشعار (لا للحرب … نعم للسلام) نشبت الحرب بعد اسبوعين فقط.
واذا افترضنا جدلاً أن الفتنة الأخيرة جاءت من خارج الولاية فأين لجنة أمن الولاية وقائدها ورئيس لجنتها برتبة الفريق.
الفريق مالك عقار حصل على (بنبر) كان يتمناه ليجلس عليه في رئاسة الجمهورية في الولاية، كان يدعي أنها ولاية مهمشة فلم يقدم لها شيئاً لإخراجها من التهميش، بل كان والياً خارج التهميش يقود عربة (همر) أمريكية الصنع باهظة الثمن لم تكن متوفرة حتى لرئاسة الجمهورية، وخرجت صادرات الكروم من جبال الأنقسنا حتى جمهورية الصين الشعبية ولم تعد بدولار واحد للولاية.
في الحديث الشريف قال رسول الله صلى الله وعليه وسلم (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي). فهل من خير قدمه السيد مالك للولاية؟ ولا ننسى أن نسأل هل تم التوصل إلى حل لقضية محلية التضامن ام ما زالت معلقة، ومحلية التضامن من أغنى محليات الولاية بالموارد وخاصة الزراعية ولهذا كان عنوان المقال الذي ذكرته في مقدمة هذا المقال (وا أسفاه على النيل الأزرق في الحركة الشعبية)، ونسأل السيد مالك عضو مجلس السيادة الموقر والوالي الأسبق للولاية في دورتين أن يبين لنا منذ ان تولى زمام الامور في الولاية:
كم عدد الأطباء
كم عدد الأطباء البيطريين
كم عدد أطباء المختبرات الطبية
كم عدد القانونيين
كم عدد الاقتصاديين؟
لقد استفاد السيد مالك من الحركة الشعبية بشغله المناصب الدستورية بداية بمنصب وزير الاستثمار في الحكومة الاتحادية، ومرة ثانية والياً عليها والآن يشغل منصب عضو مجلس السيادة.
لقد جاءت اتفاقية جوبا للسلام فيما يقال بمكاسب الولاية ومنها منح (40%) من الدخل القومي لموارد الولاية، ثم قرار منح الحكومة حكماً ذاتياً.
ولكني أرى أنها ستختفي كما ذهبت المشورة الشعبية، لأن قيادة الحركة الشعبية المهيمنة تهمش أبناء الولاية المتعلمين والخبراء منهم، فهل ستجد فكرة منح (40%) من الموارد للولاية طريقها؟ والقيادة لا تشاور أياً من أبناء الولاية الاقتصاديين واذكر منهم اثنين فقط، فأولهما كان رئيساً مناوباً لبنك التنمية الأفريقي في ساحل العاج وتونس، والآخر مديراً لمكتب البنك الدولي في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا وغيرهما كثر.
وظلت الحركة الشعبية منذ تولي السلطة وسيطرتها على الولاية تمارس إبعاد أبناء الولاية المتعلمين والخبراء، كما كانت تقوم حكومة الإنقاذ، كما ذكرت ذلك في مقالين تحت عنوان: (ولاية النيل الأزرق وجفوة متعلميها) في صحيفة آخر لحظة الغراء في عددها الصادر 12 /2/ 2011م، والمقال الثاني بذات العنوان وفي ذات الصحيفة بتاريخ 3 /3 /2011م، ولذا لا نرى أي تقدم للحكم الذاتي في الولاية وقد يذهب كما ذهبت المشورة الشعبية والتمييز الإيجابي بعيد المنال عن أبناء ولاية النيل الأزرق ما دامت الحركة في السلطة.
ونذكر أن مجلس الوزراء الاتحادي وبكامله عقد اجتماعه الدوري في 2010م بمدينة الدمازين وخرج السيد والي الولاية مالك عقار ومجلسه الولائي (بخفي حنين)، في حين حدثت السيد الوالي بان يطلب من المجلس الاتحادي الذي ينعقد لأول مرة وربما للمرة الأخيرة في الدمازين بأن يوافق المجلس الموقر على أمرين:
الموافقة على انشاء مطار دولي جديد جنوب (قرقدة) للغرضين المدني والعسكري، حماية للمنطقة من حدود الولاية مع جنوب السودان في يابوس وحتى حدود ولاية كسلا شرقاً، حيث يوجد خزان الروصيرص وخزان خشم القربة وخزانا نهر عطبرة وسيتيت واراضي القضارف الزراعية المشهورة (الفشقة).
موافقة رئيس الجمهورية والقائد العام للقوات المسلحة آنذاك بتحويل المنطقة السكنية الواقعة غرب موقع دار المؤتمر الوطني حتى المطار إلى قطع مدنية لأنها مساحة مثلها مثل (النزهة) بالعشرة بالخرطوم على ان يتم السكن للأسر العسكرية بقطع أراض في منطقة الديسة: وكما سبقت الإشارة انتهى الامر بخفي حنين لا مطار ولا ديسة.
يعلم أهلنا الهوسا أن نظارات الإدارة الأهلية والعموديات والمشايخ لا تنتزع بالقوة وهي دائماً بالورثة في جميع انحاء السودان ومواطنهم معروفة وعمودية الهمج في الروصيرص ومكتوبة في غازيتة جمهورية السودان في يونيو 1920م باسم العمدة أحمد أبو شوتال عمدة الروصيرص وباللغتين العربية والإنجليزية مع العمدة أحمد عبد الله عمدة بلورا وهي قرية غرب مدينة الكرمك وهي عمودية العركيين والمك عبيد سليمان أبو شوتال هو حفيد جده احمد ووريثه كما العمدة محمد ابو عاقلة عمدة العركيين الحالي وقد ظهرت أسماء العموديات الأخرى في العام 1940م أي بعد 20 عاماً من عموديتي الروصيرص وبلورا.
اختتم حديثي بدعوة اهلي الهوسا إلى التعقل ونبذ الجهوية، والنظارة لا تعني شيئاً وقد فقدت معظم النظارات والعموديات وخاصة في ولاية النيل الأزرق رونقها وأبهتها، وأصبحت أقرب إلى الرمز في الذي قام عليه الإرث، وتذكروا انه من المؤسف ان تأتي نظارات إدارة أهلية وعموديات من أجل حل مشكلة صراع دموي لم تشهده الولاية منذ الاستقلال، بل كان الناظر المك يوسف حسن عدلان والناظر ادهم ادريس ود رجب في قلى رحمهما الله، يقومان بمشاركة حل الأزمات والصراعات في الكثير من أنحاء السودان، وندعو الجميع إلى السلام والاستقرار كما كانت الولاية بإذنه سبحانه وتعالى… امين
(يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) صدق الله العظيم. فاتركوا العراك وتعارفوا.
وأتمنى وأدعو الأخ الكريم مالك عقار أن يغير منهج سياسته تجاه الولاية فيما تبقى له من أيام في السلطة لإخراج الولاية من التهميش.
شكراً،،،