صلاح الدين عووضة يكتب : طعم الحياة!!
3 أغسطس 2022م
وهل لها طعم؟..
أم هي كالماء الذي لا لون له… ولا طعم… ولا رائحة؟..
وحتى الماء هذا كيف يكون بلا طعم ونحن نستطعم عذبه؟… ونكره أجاجه؟..
أم أن ثمة حاسة نفسية لدى الإنسان لا عضو لها؟..
وأعني أنها بلا عين ترى… ولا لسان يذوق… ولا أنف يشم؟..
وفي الحالة هذه فربما الحياة نفسها لدينا حاسة مماثلة تجاهها؛ سعادة… أو تعاسة..
حاسة تستشعِر… ونشعر بها… ولا توصيف لها..
وهي التي عناها المغني حين يقول:
أحكيلك يا حبيبي ايه؟…….. ولاّ أحكي ايه؟
يا على حبي ياه… حسيت معاك طعم الحياة
ومهما يكن فإن الحاسة الخفية هذه باتت لدي – شخصياً – من ماضي الذكريات..
ولدى كثيرٍ من السودانيين كذلك..
وحتى في ذاكرتي – الآن – هي محض ذكرى لا لون لها… ولا طعم… ولا رائحة..
وحل محل الفاعل هذا بعد حذفه نائب فاعل غير فاعل..
أو أنه نائب فاعل خامل… مثل الماء الخامل… والماء الراكد يكون آسناً..
وحاسة الشعور بالسعادة قد يصيبها الخمول..
يجف ما في الشرايين التي تغذيها بمسببات الشعور بالسعادة فتذبل وتيبس وتجف..
ولأن الطبيعة لا تعرف الفراغ فيصير البديل هو التعاسة..
أو أن الحاسة هذه تبدأ في العمل عكسياً..
فتنسرب إلى النفس التعاسة وأخواتها؛ الملل… السأم… القرف… الزهق..
ومفردة زهق فصحى… ونطلق عليها بعاميتنا الزهج..
فأصبح عنوان زماننا هذا (لم يعد للحياة طعم)..
أو بالتعبير العامي (والله الواحد بقى ما حاسي بأي طعم للحياة)..
والسبب الأول في ذلك وطأة الإحساس برتابة حياتنا..
حتى (الفلس) صار رتيباً… كئيباً… حزيناً… يفتقد دهشة الافتقار اللحظي إلى المال..
فهو يتبع السوداني مثل ظله سنين… سنين… سنين… عددا..
ومن ثم فهو اعتاد عليه كتعوده على شخصيات… وسياسات… ومحفوظات..
اعتاد على شخصيات – حاكمة ومعارضة – لا تتبدل..
وعلى سياسات هي نسخة كربونية من الأولى تتكرر عاماً… بعد عام… إثر عام..
وعلى محفوظات حفظها (صم)… كحفظه محفوظات المدارس..
محفوظات برامجية… وغنائية… وشعرية… وروائية..
لا جديد؛ كل شيء بات معروفاً… مألوفاً… محفوظاً… مكروراً… وبلا طعم..
والاختصاصي النفسي علي بلدو تحدث عن النفسيات..
قال حتى طلاب المدارس أُصيبوا بالنفسيات… بالاكتئاب… بالملل… بالقرف..
فما عادت الحياة بالنسبة لهم ذات طعم..
أو أن حاسة الشعور بالسعادة لديهم قد تعطلت… أو شرعت في العمل عكسياً..
وكلامه هذا مقبول… ومهضوم… ومفهوم… ومعروف..
ولكن ما هو غير مفهوم حديثه عن اختلالات نفسية لدى كثير من مسؤولينا..
وقد يرجع ذلك إلى عدم التهيؤ (النفسي) للمسؤولية..
يعني حين لا يحلم الواحد منهم بأن يكون مديراً… ثم يجد نفسه وزيراً..
فهذا شيء فوق طاقة النفس على التحمل..
وما يعانيه أبناء الشعب فوق طاقة نفوسهم… وعقولهم… وأعصابهم… على التحمل..
ما يعانونه جراء رهق ظروف المعيشة الضاغطة..
ثم إذا أضفت إلى ذلك مشاعر الملل… والرتابة… والكآبة… تصبح النفسيات حتمية..
فكل شيء يتكرر كل يوم… كل أسبوع… كل شهر… كل سنة..
وعلي بلدو الذي يحذر من (وباء) النفسيات أضحى هو نفسه جزءاً من هذه المكرورات..
وأشرت مرةً إلى هذا التناقض من تلقائه..
أضحى جزءاً محفوظاً… من (محفوظاتٍ) تسبب الملل..
تفتح التلفزيون تجد بلدو… تفتح الراديو تجد بلدو… تفتح الجرائد تجد بلدو..
بل في الجريدة الواحدة قد تجده كاتباً… وضيفاً… واستشارياً..
وصار ينافس – في كثرة الطلَّة – المسؤولين… والمغنين… والمذيعين… والمكتئبين..
واقترح أحدهم – بمناسبة كلامنا هذا – اقتراحاً عجيباً..
قال إن على الدولة إضافة علاوة (بدل اكتئاب) إلى علاوات الخدمة المدنية..
تماماً مثل علاوة بدل سكن… وبدل ترحيل… وبدل شدة..
ويعضد اقتراحه بالإشارة إلى ترتيب شعبنا في قائمة الشعوب الأقل سعادة..
فالسودانيون – الآن – من بين أكثر أمم الأرض تعاسةً..
وأحد أسباب تعاستهم هذه – بخلاف التردي المعيشي – رتابة تكتم على أنفاسهم..
ويكفي دليلاً على ذلك مشاهدة (عرض العاشرة الإخباري)..
مشاهدته على شاشة تلفزيوننا القومي..
إنه يكاد يكون ذاته منذ سنين… سنين… سنين… سنين عددا..
وأمسى – كما الماء – بلا لونٍ… ولا رائحة..
أو كما حياتنا الآن:
بلا طعم!!.