1 أغسطس 2022م
“احترس من الطبيب الشاب والحلاق العجوز”.. بنجامين فرانكلين..!
قناة البي. بي. سي أجرت – قبل فترة -، تحقيقاً مرئياً عن هجرة العقول الطبية الأفريقية واستقرارها في الدول الغنية. الخواجة مقدم البرنامج أسماها هجرة العقول بينما المصطلح الأقرب لواقع الأطباء الأفارقة هو سرقة العقول، أن تترك بلادك للجهل والمرض والفقر – مُكرهاً لا بطل – مُيمِّماً وجهك شطر العالم الأول لتحقيق أقل طُمُوحاتك المهنية وأبسط أحلامك الشخصية، على وجه ما..!
الأطباء المحليون عندنا ثلاث فئات “الدكاترة الكبار” الذين زرعوا غرسهم الأكاديمي أيّام الزمن الجميل وجنوا قطافه أيام الزمن الرديء. والأطباء الشباب من أولاد العز والمال الذين ورثوا ممالك الطب كابراً عن كابر – وهؤلاء لديهم مقومات النجاح محلياً، لذلك يمكثون في البلاد ويحققون نجاحاتهم المهنية بمعزلٍ عن هُمُوم الطبقة الكادحة – أما الفئة الثالثة فهي السَّواد الأعظم، الأطباء الشباب القابضون على جمر المحلية، رغم ضعف المرتبات وقلة الحيلة وكثرة الأعباء والمنغصات. وهؤلاء تجد مُعظمهم صاحب بالين، عقله مع المحلية وقلبه مع السفر للخارج، فتجد الواحد منهم يعمل ويدرس في آن معاً استعداداً للهجرة..!
أطباؤنا الشباب اليوم يُطاردون البوردات وشهادات الكليات الملكية، ليس توسعاً في طلب العلم وترقية الأداء المهني في الداخل – لا سمح الله – بل طمعاً في تحقيق حلم العمل في بريطانيا، إيرلندا، أمريكا، وحديثاً، نيوزلندا وأستراليا وكندا. ناهيك عن الكم الهائل من أطبائنا المُتميِّزين في الخليج وبقية الدول العربية. والحقيقة أنّ خسارة الدولة في تأهيل طالب الطب كبيرة، وهي لا ولن تُعوَّض أبداً في مناخات الأحوال المادية والأوضاع المهنية الطاردة، وهذا – لعمري – من سوء التخطيط والتدبير..!
ولئن سألتم عن حُسن التدبير فهو أن تظهر الدولة – بعد تشكيل الحكومة إياها – جديَّة معقولة في تشجيع الاستثمارات الطبية، والمُتاح لتحقيق ذلك كثير “إعفاءات من الضرائب.. تسهيلات إدارية.. قوانين استثمار ذكية مواكبة.. علاقة طردية مدروسة بين حجم التسهيلات الحكومية وعدد الكيلومترات التي تبعد المشروع الطبي الخاص عن العاصمة ثم عن أقرب مدينة كُبرى ..إلخ..”. أما لماذا فلأنّ التعويل على جُهود الدولة في ازدهار الخدمات الصحية والطبية بالولايات والأقاليم النائية ما هو إلا تعسف مفرط في استخدام الخيال المُتفاءل..!
استرجاع العُقول الطبية المسروقة والمُهاجرة ليس حُلماً، فالإمكانات الموضوعية موجودة، كما وأنّ بدائل تشجيع الطبيب المحلي على الاستقرار أيضاً مُمكنة. ليس ذلك فقط، بل إنّ السودان يمتلك الإمكانات والظروف المُواتية التي تُؤهِّله ليصبح قبلة طبية لدول شرق ووسط أفريقيا ودول الساحل والصحراء. هذا من حيث المبدأ، أما العراقيل فابحثوا عن أسبابها..!
munaabuzaid2@gmail.com