بستان الحلنقي
عبدالله عربي
يعتبر العازف المعروف عبد الله عربي أحد عباقرة العزف على آلة «الكمان» كما يعتبره معظم الفنانين السودانيين الأب الروحي لكل من احتضن «كماناً». والمعروف أن طريقة العزف التي يتعامل بها هذا المبدع مع «كمانه» تحمل من الرقة والشفافية ما يجعلك تحس بأنك تتمشى بين حدائق التاكا في يوم مشرق. أكد لي أحد الموسيقيين أن عبقريته في العزف يفترض أن تُدرَّس في أعظم الكليات المتخصصة في علم الموسيقى. الذي يؤلمني أننا تعوَّدنا دائماً أن نتعامل مع العباقرة من أبناء شعبنا بتجاهل تام ثم نعود لنبكي عليهم عند لحظة السفر.
السيدة سكينة
كان من عادة السيدة سكينة بنت الحسين، رضى الله عنها، أن تستقبل عدداً من فتيات قريش في منزلها للمؤانسة في مختلف المواضيع الخاصة منها والعامة، وذات يوم أخذ عدداً منهن يتحدثن عن آبائهن وما جلبوه لهن من الهدايا أثناء رحلاتهم إلى عدد من مدن الجزيرة العربية، كانت كل منهن تتفاخر بما حمله لها والدها من الحرير واللآلئ بكافة أشكالها، ظلت سليلة البيت النبوي تنظر إليهن وهي تصغي إلى صوت الآذان وفي اللحظة التي وصل فيها المؤذن إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله قالت لهن بصوت فيه الكثير من الحنان هذا أبي فصمتن لم تقدر واحدة منهن أن تتحدَّث عن شئ اسمه الهدايا، وهل بعد اسم المصطفى عليه الصلاة والسلام حديث يقال.
كلام محمد الأمين
أثناء حوار أجرته الإذاعة السودانية مع الفنان محمد الأمين وجه له مقدِّم البرنامج سؤالاً عن متى سيعمل على تقديم أغنيته الجديدة (اللارنجة) فأجاب أبو اللمين ضاحكاً بعد أن ينتهي موسم (منقة) الحلنقي في سوق إذاعتكم الموقرة، جاء ذلك أثناء قيام إذاعة السودان بتسجيل عدد من الأغاني المعبأة بالغزل في عيون الفواكه القادمة من جناين كسلا والباقير والباوقة (اللذيذ تفاحها). الجدير بالذكر
أن محمد سلام كان قد تغنى في تلك الأيام بأغنية (أتعزز الليمون) كما تغنى التاج مكي بأغنية (العنبة)، أما البلابل فإنهن اخترن لون المنقة التي أصبحت مثل السلام الجمهوري يبدأ بها الحفل ثم ينتهي على أنغامها. أعتقد أن الفنان محمد الأمين كان له الحق في أن يؤجل أغنيته (اللارنجة) إلى زمن آخر.
الفراشات الحنينة
كثيرون يصفون الفراشات الحنينة بأنها حمقاء لأنها ترمي بأجنحتها إلى النار تموت بين أحضانها عشقاً ولكنهم يجهلون أن هذه الفراشات اختارت أن تموت احتراقاً خلاصاً من زمن أصبح ملكاً للصيادين يحيطون بها من كل جانب يدوسون على أجنحتها الرقيقة دون أن تأخذهم رحمة بألوان لها لم يسمع بها كل تاريخ الألوان، وكان قدامى اليونانيين يعتقدون أن الروح تفارق الجسد في شكل فراشة، وأنا أتخيل أن روح إنسان هذا العصر تفارق في شكل آهة تبحث لها عن اتكاءة نورية على الطرف الآخر من النهر.
شجرة السنديان
من المعروف أن شجرة السنديان هي أكثر الأشجار خضرة في العالم، ولكن أوراقها الخضراء تحمل بين طياتها الملايين من الديدان الصغيرة لا ترى بالعين المجرَّدة، ذكرني ذلك ببعض الناس تراهم فتشعر أنك أمام وجه لقديس وهم في حقيقتهم وجه لقبح مستتر تقديره للناظرين، هكذا هم تماماً مثل أشجار السنديان خضرة تكاد أن تضئ من الخارج وعتمة من الداخل تعجز عن إضاءتها ألف شمس وشمس.
توفيق الحكيم
رزق الكاتب المسرحي الساخر توفيق الحكيم بولد كان غرامه أن يكون عازفاً للجيتار ضارباً عرض الحائط بكل أمجاد والده الأدبية، وبما أنه كان يسكن في الغرفة المجاورة لمنزل أبيه، لم يكن الأديب الكبير قادراً على كتابة حرف واحد بسبب أمواج من موسيقى العزف الردئ قادمة إليه من كل الجهات، مما جعل الحكيم يفضِّل الخروج ليلاً من منزله بحثاً عن اتكاءة ينعم بها ثم يعود بعد ساعات من الرهق كأنه يجر تابوتاً.ً عدد ليس بالقليل من أبناء المبدعين في بلادي ليتهم أسقطوا عن حسابهم أنهم مبدعون ليتهم فعلوا مثل ما فعل ابن توفيق الحكيم اتجهوا في البحث عن أي عمل آخر غير الإبداع ولو كان ذلك عزفاً على جيتار قديم.