لا يترك لجمهوره سوى الصمت والإصغاء بكل الحواس.. محمد الأمين .. درجة عالية من الحساسية
(1)
ما يفعله محمد الأمين في المسرح ينتمي لجنس الدهشة، لذلك لا يترك لجمهوره سوى الصمت والإصغاء بكل الحواس، فهو يجعلها تتأدب في حضرته، كما أنه على درجة عالية من الرهافة والحساسية لذلك يرفض الأحاديث الجانبية، وأذكر أنه في إحد حفلاته توقف عن الغناء حينما كان يغني في أغنية “زاد الشجون” وذلك لأن بعض الحاضرين لم يكونوا في حالة إصغاء كامل له.
(2)
العلاقة ما بين محمد الأمين وجمهوره هي علاقة وجدانية في المقام الأول وهي ترتكز على العديد من أنماط الارتباط الحميم، ولعل أغنياته هي السبب الأول الذي يجعل جمهوره منضبط سلوكياً ولا يعرف التمرُّد والدمار والخراب الذي يحدث من جمهور بعض الفنانين، ولا أظن أننا سمعنا يوماً أن جمهور محمد الأمين كان فالتاً ومتفلتاً، ذلك لأنهم صفوة ونخبة من المستمعين الذين تتفات أعمارهم ما بين كل الأجيال.
إيمان محمد الأمين بالمبادئ والوطن ظهر باكراً في مشروعه الغنائي، وثورة أكتوبر والتي انفجرت في العام 1964م، كانت هي انطلاقة للشعب السوداني وانطلاقة إلى محمد الأمين، ففي الاحتفال الكبير الذي أقيم بمدني بمناسبة ثورة أكتوبر وحضره عدد كبير من المسؤولين وإذاعة أم درمان وعدد كبير من المطربين من بينهم الفنان محمد وردي، هذا الحفل والمناسبة الوطنية أوضحت جانباً مهماً للغاية في مسيرة محمد الأمين الإبداعية وبيَّنت بأنه مبدع يربط فنه ويستلهمه من تفاعله وارتباطه بمجتمعه وما يدور فيه.
(3)
والمفارقة تبدو واضحة إذا علمنا أن محمد الأمين ومنذ صغره وهو لا يتجاوز الرابعة من العمر كان يدندن بصوته ويلحن، بل عندما يطلب شيئاً وهو في هذه السن الطفولية، كان يطلبه بشكل لحن وكل ذلك اتضح فيما بعد ليس في التجديد المختلف فحسب, وإنما أبان عن قدرة خارقة في تمهيد الطريق للتجريب اللحني والموسيقي، وذلك هو سر عظمة محمد الأمين، واحتفاظه بكل هذا الألق عبر السنين الطوال.