لجان المقاومة.. الجنوح نحو الاستقلالية
تقرير: صلاح مختار 28 يوليو 2022م
جنحت (لجان المقاومة) وهو المحرِّك الحقيقي للشارع في الفترة الأخيرة نحو الاستقلالية في مواقفها وقراراتها وبدأت تلعب دوراً موازياً للقوى السياسية وباتت تشكِّل مصدراً ضاغطاً لها، بل أنها طالبت في بعض بياناتها إلى استبعاد القوى السياسية، وبدأت تخطو خطوات مستقلة في تحريك الشارع دون الالتفات للتنسيق معها. وبذلك الفهم رفضت لجان مقاومة الديوم الشرقية وصول المواكب إلى باشدار باعتبارها نقطة التجمع النهاية التي حدَّدتها الحرية والتغيير، وقالت: لا يحق لأي حزب أو تحالف أن يقيم منصة أو يخاطب الجماهير في تقاطع باشدار سوى لجان المقاومة . ما يشكِّل موقفها جنوح نحو الاستقلالية في قراراتها ومواقفها. إذاً إلى أي مدى أدى صمود موقف اللجان نحو استقلالية مواقفها أمام تيار القوى السياسية؟
مواقف اللجان
لم ترض ولن تقبل القوى السياسية الرافضة لإجراءات البرهان وغير الرافضة لها موقف لجان المقاومة تجاهها وترى فيها في الأمر لم يستقم وأن الفعل الديموقراطي لا يكتمل إلا بوجودها وبالتالي ترى أنها هي التي صنعت اللجان ولم تخلق من العدم، ويقول المتحدث باسم الشيوعي فتحي الفضل: نحن من صنعنا لجان المقاومة ونحن من نحدِّد متى تخرج للشارع.
خط موازي
ويقول المحلِّل السياسي القانوني إبراهيم محمد آدم: إن ما حدث قبل التظاهرة الأخيرة يؤكد أن لجان المقاومة أصبحت تنحو خط موازي للقوى السياسية وتسير فوق خط مستقل, وقال لـ(الصيحة): رغم اختلاف بعضها بشأن رؤية المقاومة إلا أن الصورة باتت أكثر وضوحاً بأنها باتت لا تستجيب إلى مطية الأحزاب السياسية الرافضة لإجراءات البرهان. وتتهم القوى السياسية بأنها تسير خلف مصالحها بعيدة عن المصالح الجماهيرية التي خرجت للتغيير مما يستدعي إبعادها عن المشهد وقيادة التغيير بنفسها, وأضاف بأن القوى السياسية تحاور من خلف الكواليس القوى الانقلابية, ولكن أكد بأن القوى السياسية تظل هي الممسكة بالعملية السياسية ولا يمكن إبعاها عن المشهد.
أهداف سياسية
ولكن عضو لجان مقاومة الحاج يوسف، محمد علي كنة، يؤكد في حديثه لـ (التغيير)، أن لجان المقاومة قدَّمت تضحيات كبيرة جداً باحتساب العديد من الشهداء منذ انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، واعتبر أن القوى السياسية خاصة الحرية والتغيير عادت إلى الشارع بعد أن فقدت مقاعد السلطة وقبلها كانت تضع يدها مع المكوِّن العسكري وتغافلت عن مطالب الثورة وحقوق الشهداء، وقال كنة: بعد كل هذه التضحيات لن نسلِّم الأمر مرة أخرى للقوى السياسية الضعيفة، لافتاً إلى أن هذه الرؤية تُمثل غالبية لجان المقاومة والشارع الحي وأنه بعد سقوط الانقلاب فإن البديل هو تكوين حكومة كفاءات حقيقة، وأضاف: “الجامعات ممتلئة بالخبراء في كل المجالات يمكن أن يقودوا ما تبقى من الفترة الانتقالية)، ورأى أن القوى السياسية عليها أن تستعد للانتخابات فقط، وأن تعد نفسها للتحوُّل الديموقرطي الحقيقي، وقال: “عليهم أن يُدركوا أنها فترة انتقالية مؤقتة ولا تصلح لتحقيق أهداف سياسية”.
دون تنسيق
غير أن مراقبين يرون أنه لا توجد جفوة بين لجان المقاومة والقوى السياسية واستبعدت حدوث ذلك في ظل التنسيق الذي يتم على الأرض في قيادة المقاومة، ولفت مصدر لـ(الصيحة) بأنه خلال الثلاث سنوات الماضية، لم يحدث خلاف أو جفوة أو قطيعة بين الحرية والتغيير ولجان المقاومة على مر الثلاث سنوات السابقة، وأكد المصدر أن الحرية والتغيير ولجان المقاومة تجمعهم أهداف مشتركة وهي مدنية الدولة والتحوُّل الديموقراطي والمحافظة عليه، وقال: لذلك تجدهم يعملون في معظم الأحيان حتى وأن كان ذلك بدون تنسيق.
أكبر المشاكل
وعلى ذات السياق يذهب عضو لجان مقاومة الكلاكلة يوسف محمد عمر، بأن الفترة المقبلة لا مكان فيها للأحزاب السياسية واتهمها بالفشل في إدارة الفترة الماضية من عمر الانتقالية، وقال عمر لــ (التغيير): إن واحدة من أكبر المشاكل التي أقعدت بالثورة تمثلت في الخلافات بين قوى الحرية والتغيير واتهمها بالتهافت على السلطة والسعي نحو تمكين منسوبيها في مفاصل الدولة والتنافس فيما بينها لتقسيم المناصب وإهمال قضايا الانتقال ما أدى إلى سيطرة المكوِّن العسكري على المشهد السياسي، وأضاف: (إذا كانت القوى السياسية متوحِّدة لما وصلنا إلى ما نحن عليه حالياً وضيَّعت أكبر فرصة للانتقال في سبيل تحقيق مكاسب رخيصة)، ويرى عمر أنه لا أحد يستطيع أن يبعد الأحزاب عن المشهد السياسي لكن عليها أن تدرك أن الفترة الانتقالية يجب أن تكون لحكومة فقط.
رفض الشراكة
وكانت لجان المقاومة أبدت استياءها من موقف المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير الذي اعتبر إعلان نائب رئيس المجلس السيادي محمد حمدان دقلو (حميدتي) ترك الحكم للمدنيين في السودان (إقراراً إيجابياً ببعض مطالب الحراك الجماهيري، وامتداداً لتراجع خطوات الانقلاب).
وكان المتحدث باسم لجان مقاومة الخرطوم، أحمد عصمت، قال لـ(القدس العربي) إنهم في لجان المقاومة يعتبرون أن (مواقف الحرية والتغيير تؤكد أنها ماضية نحو تسوية، وتماهٍ جديد مع العسكر)، مؤكداً أنهم (لن يعترفوا بأي حكومة يكون القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان ونائبه (حميدتي) جزءاً منها، وأنهم متمسكون برفض الشراكة، والتفاوض مع العسكر، والعمل من أجل السلطة المدنية الكاملة. وأكد أنهم غير معنيين بما قاله (حميدتي) وأضاف: هو (مجرَّد كلام لا أكثر)، مشيراً إلى أن (الخروج من العمل السياسي ليس بالقول، ولكن بالتنفيذ العملي على أرض الواقع).
تدليس ومراوغة
وفي السياق، قالت لجان مقاومة العشرة ـ جنوب الخرطوم، في بيان، أمس الأحد، إن (قوى الحرية والتغيير احتفت بخطاب حميدتي، وتحاول تصديره كانتصار لمطالب الثورة» مشدِّدة على أن (الحركة الجماهيرية لا تستجدي الإقرار بمطالبها من الانقلابيين والقتلة، الذين تعد لهم المشانق). ووصفت موقف (الحرية والتغيير) بـ)(التدليس والمراوغة وتحوير مطالب الشارع الواضحة بعودة العسكر للثكنات وحل قوات الدعم السريع التي يقودها (حميدتي) معتبرة ذلك (دليلاً على عدم حرص الحرية والتغيير على مطالب الثورة السودانية ومضيها في طريق التسوية). وشدَّدت على أن أي (محاولة لإسكات الأصوات المتمسكة باللاءات الثلاث (لا تفاوض، لا شراكة، لا شرعية) تعتبر تمهيداً لإضعاف الحراك الثوري ومحاولة لتضليل وتغبيش الوعي الجماهيري من أجل التسوية).