28 يوليو 2022م
منذ تاريخ نجاح ثورة التغيير السودانية إلى يومنا هذا، شهدت البلاد موجات سياسية عاتية، كان ضحيتها المواطن المسكين الذي ارتفعت سقوفات الطموح عنده بانفراج حالات ضيق العيش وحلحلة مُشكلات الأمن وعدم الأمان والانبساط التام بالاستقرار المنشود الذي تنادي به في شعاراته أيام الثورة.
المشهد السياسي الراهن مؤلمٌ ومحزنٌ وملئٌ بالإحباط للشباب الحقيقيين الذين أشعلوا فتيل ثورة التغيير السودانية، والحالة المعبرة عن الثورة السودانية اليوم لا علاقة لها البتّة بالحراك الثوري أيام الميلاد الأول، فالعقلية النفعية تسرّبت وعشعشت بمخيلة الأحزاب السياسية النفعية، فصارت النظرة الضيِّقة سيداً للمشهد السياسي السوداني وذلك عندما لبست احزاب سياسية فاشلة جلباب الثورة وأصبحت تُروِّج لمصالحها الشخصية والحزبية بخطاب رجعي فعل فعلته الشنيعة بجميع مكونات الشعب السوداني الذي تقزم هو الآخر فأصبح نافخاً لنار القبلية والعنصرية والجهوية ان يدري أو لا يدري.
السودان الآن يمضي إلى الهاوية، إذا أصرت الأحزاب السياسية القديمة بالمضي قُدُماً في اللعب بحبل الكراهية واغتيال الوطنيين الشرفاء الصادقين المُنادين بإعلاء مصلحة الوطن وتناسي الجري وراء المصالح الحزبية والمناطقية، وهذه الصورة المتأخرة التي تعيشها المجتمعات بأجزاء الوطن الكبير، نبّه لها نائب رئيس مجلس السيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو في كثير من خطاباته الجريئة بكل المناسبات والملفات التي أشرف عليها، وبرغم أن هناك جزءاً كبيراً كان يستهدفه بالشيطنة والتشكيك بسودانيته، ولأنه كان مُركِّزاً في هموم وقضايا الشعب، تجده لا يلقي بالاً للهجمات الإعلامية الشرسة التي كانت تُديرها صوالين الأحزاب السياسية التقليدية بنية إبعاده عن السلطة الانتقالية واستلامها وتمديدها لسنوات بعيدة تُمكِّنهم من المُحافظة على حصتهم التاريخية القديمة بقيادة البلاد.
تمّ الاتفاق سراً على إشعال أطراف السودان بخطة تخريبية مدروسة وضعتها الأحزاب السياسية القديمة لإلهاء القيادة العسكرية الوطنية (الشريك الفاعل بالفترة الانتقالية) بإخماد تلك النيران العبثية التي كان حطبها المُستخدم هو حطب النعرات القبليّة، والمشهد الذي رأيناه يدور بالدمازين ليس هو آخر مشهد للنعرات القبليّة المُخطّط لها مع سبق الإصرار والترصد بإبعاد قيادة الدعم السريع عن المشهد الثوري، برغم معرفتهم التامة لتزايد شعبية نائب رئيس مجلس السيادة وإدراكهم لدوره في صناعة الثورة السودانية الحديثة.
الحنكة والفطنة والذكاء والصفاء والنقاء الفطري مع دعوات الغبش هي العوامل الأساسية التي أعانت القائد الملهم لقوات الدعم السريع للإدراك المبكر بـ(خبث الأحزاب السياسية القديمة) في سعيها وجريها نحو السُّلطة، متخذةً طريقتها القديمة (الالتفاف) منهجاً تاريخياً لجلوسها على كرسي حكم البلاد، مع إدراكها لزهد القائد حميدتي في الحكم وهو كرره مرات عديدة، إلا أن عقليتها المريضة وضعتها تحت الضغط النفسي وتلخبطت حساباتها الصالونية الباحثة عن عشقها الأبدي للسلطة والتواجد بالكرسي الأول في زمن الغفلة، فانكبت وانغمست في صناعة الأزمات الأمنية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بالمناطق الهشّة بأطراف البلاد حتى يوم الناس هذا.
لأول مرة في التاريخ والجغرافيا السياسية السودانية يتواجد الرجل الثاني بالدولة خارج العاصمة المركزية لفترات طويلة تصل لقرابة الشهر لعلاج مشكلات أمنية وصعوبات كثيرة تُهدِّد أمن واستقرار البلاد عامة، إنه ملهم الأمة السودانية وباعث ثورة التغيير الحقيقيّة نائب رئيس مجلس السيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو، مؤكداً لعامة الشعب السوداني بأنّه جاء من أجل تحقيق أهداف ومصالح الشعب السوداني العظيم وبناء السودان على أساس (الحرية والسلام والعدالة)، وهو يمكث بالجنينة أقصى مدن غرب السودان متابعاً لوقف نزيف الدم بين المكونات الاجتماعية التي تحركها أيادٍ حزبية تُمني نفسها باسترداد الخرطوم المفقودة.
أيادٍ حزبية مريضة ظلّت باستمرار تسعى جاهدةً لتحقيق أهدافها الحزبيّة مُستغلةً الإعانات والدعومات الأجنبية لإشعال نار الفتنة القبلية وسط إنسان السودان، وهي بالطبع لا تلتفت لمصلحة الوطن وإنسانه، وهي تنشر خطاب الكراهية والتخوين لرموز القيادة العسكرية التي دفعت الغالي والثمين من أجل وُحدة تراب السودان وإنسانه، لذلك نظرت للمُصالحات القبليّة التي تمت بمتابعة وإشراف سيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو نظرت إليها بحسرة وندامة وهي تصرخ وتئن ولا تعلم بأنّ نهاية الحروب والصراعات القبليّة بين مكونات دارفور شارفت للتعافي، وإن مكونات مجتمع دارفور تعاهدوا وتواثقوا بعهد وميثاق جديد أمام القائد الهمام حميدتي بأن لا رجعة للحرب.
ظروف جوهرية جعلت نائب رئيس مجلس السيادة الفريق أول حميدتي يقطع زيارته عائداً للخرطوم القديمة، وهو الذي قطع وعداً لأهله وجماهيره بأنه سيمضي اكثر من ثلاثة اشهر بدارفور من أجل علاج حالة إدمان الحرب الأهلية التي تصنعها الأحزاب السياسية القديمة بالخرطوم، ولأنه عندما يتحدّث يوفي بحديثه، عاد إلى الجنينة لإكمال المُصالحات القبلية والتعايش السلمي بين المُجتمعات ومُكافحة الظواهر السالبة وهي الأهداف الحقيقيّة التي نادت بها اتفاقية سلام السودان بجوبا (مسار دارفور)، وقريباً سيطوي أكبر الملفات الأمنية تعقيداً، وسيتم الاحتفال بوداع زمن الغفلة واستقبال بشريات السّلام، لأنّ السّلام سمح وكلنا أهل مشروع وطني عريض ستكون محطة انطلاقته الأولى مدينة الجنينة التي تحتضن القمة الرياضية السودانية (الهلال والمريخ) في مباراة كأس السّلام.