28 يوليو 2022م
لا يخفى على أحد ما آلت إليه الأمور في بلادنا أربع سنوات إلا قليلا والبلد تعيش بلا (حكومة) لا تنفيذية ولا تشريعية أدى ذلك إلى اختلال عام في حياة الناس من تضخم وتدهور اقتصادي وغلاء الأسعار وضنك العيش.
الأزمة السياسية في بلادنا تضرّر منها كثير من الناس خصوصاً في الزراعة والتجارة والاستثمار ثم (الهشاشة الأمنية) والأخيرة هي المصيبة الكبرى، ولا ندري إلى اين تسير بنا هذه الدوامة. وكما قلت في هذه المساحة من قبل إن لم نتدارك الأمر سوف تسير بلادنا إلى هاوية ومصير مظلم ومجهول، وأخشى أن تدخل في انقسامات واحتراب بين أبناء الوطن الواحد. (الله المستعان) يا رب ألطف بنا وأرحمنا انك جواد كريم.
لا تخفى على أحد الفتنة التي نشبت مؤخراً في ولاية النيل الأزرق وامتدت إلى بعض ولايات الوسط الجزيرة ثم كسلا. الفتن امرها خطير وشرها مستطير.. لا تستهينوا بها ثم غداً لا نجد منها نذيرا.
أولاً: لا يجوز للمسلم أن يحمل في قلبه البغض والكراهية لإخوانه المسلمين لمجرد أنهم ينتسبون إلى جهة أو قبيلة أو عنصر، فإن هذه نظرة جاهلية أبطلها الإسلام.
ولنعد إلى دولة الرسول صلى الله عليه وسلم لنرى صورة بين أسود وأحمر تلاحا رضي الله عنهما في حالة غضب، وفي حالة ضعف شيئاً ما، بلال بن رباح مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، الأسود الحبشي، وأبو ذر الغفاري من غفار، فلما كان بينهما من الكلام ما كان قال أبو ذر: (اسكت يا ابن السوداء، فسكت بلال رضي الله عنه) وسكت لأنه يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لن ولا ولم يقر يوماً ما، شيئاً من هذه العصبية، أو من ريحها، وحاشا الصحابة أن تتحكم فيهم الجاهلية، إنما هي نزغات من الشيطان يستعيذون بالله منها، فيولي شيطانهم خنيساً بعيداً.
فلما علم بذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بئس ما قلت له أن عيرته بأمه، ثم التفت إلى أبي ذر وقال :يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية) لم يقل: أنت من أهل الجاهلية، ولم يقل: أنت جاهلي، وإنما قال: (فيك جاهلية) يمكن أن تزول بالتوبة، يمكن أن تضمحل وتتوارى بالأوبة.
(فبكى أبو ذر رضي الله عنه، وعاد إلى أخيه بلال يقبله، ويضمه، ويستسمحه، ويطلب منه العفو والمغفرة، فما كان من أبي ذر إلا أن وضع خده على التراب، وقال: يا بلال! لا أرفع خدي حتى تضع رجلك السوداء عليه).
والناس بجبلتهم مختلفون ولو كانوا إخوة أشقاء، منهم الأسود ومنهم الأبيض فهم مختلفون في الطباع والأذواق وفي الاستقامة والانحراف، كاختلافهم في الألسنة والألوان، وكل ذلك آية من آيات الله تعالى في هذا الكون وعظيم قدرته في هذه الحياة. فلا يجوز للمسلم أن يكون ناقمًا على أخيه المسلم بسبب وصف معين قد اتصف به، فهذا ليس من الحكمة ولا من الإنصاف أو العدل.
والتعصب لمبدأ القبيلة أو اللون أو الطائفة أو القوم أمر ممقوت طبعًا ومرفوض شرعًا، حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: …إن الله عز وجل قد أذهب عنكم عُبِّية الجاهلية وفخرها بالآباء، مؤمن تقي وفاجر شقي، والناس بنو آدم، وآدم من تراب، لينتهينّ أقوام عن فخرهم برجال، أو ليكوننّ أهون عند الله من عدتهم من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن. رواه أحمد وأبو داود. وقال صلى الله عليه وسلم: …دعوها فإنها منتنة. وفي رواية: فإنها خبيثة. رواه البخاري ومسلم وغيرهما. وقال الله تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [الحجرات:13].
وعليه، فإن مفهوم القبيلة أو الوطنية أو الجهة، مفهوم جاهلي خاطئ يرفضه الإسلام، فلا قبيلة ولا جهة أرفع من التقوى. ومع الأسف الشديد الآن أكبر أسباب التقدم في الغرب وأوروبا على وجه الخصوص بعد ما تعافت شعوبهم من العنصرية والقبلية، والآن يتقاتل من اجلها المسلمون. على كل حال محاربة الفتن القبلية مسؤولية الجميع وعلى عقلاء بلادي أن يتداركوا الامر قبل فوات الأوان .. وعلى الحكومة المركزية والولايات بسط هيبة الدولة. وأيضاً على رجال الإدارات الأهلية القيام بواجبهم تجاه توعية القبائل وتذكيرهم بعظيم حرمة الدماء والاذى الجسيم. وعلى رجال الدين والدعاة وأئمة المساجد توعية الناس عن طريق القوافل الدعوية والقنوات الفضائية وجميع وسائل الإعلام. وأيضاً لا بد من النشر الإيجابي في المواقع الإسفيرية. على الشباب في مواقع التواصل الاجتماعي عدم تأجيج الفتن قال صلى الله عليه وسلم: “ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية” انتهى رواه أبو داود.
ويقول ابن الجوزي في (صيد الخاطر) من قارب الفتنة بعدت عنه السلامة.. ومن ادعى الصبر وكل الى نفسه… وأحق الأشياء بالضبط والقهري عند الفتن اللسان والعين .. نسأل الله تعالى أن يُجنِّب بلادنا الفتن والمصائب.
نواصل