المبعوث الأمريكي الخاص دونالد بوث في حوار صريح
لا يمكن إبعاد قوات الدعم السريع عن المشهد بطريقة أحادية
الوضع في السودان خطير ولا سبيل غير الحوار
عندما تتوصل إلى اتفاق يجب وضعه أولاً على الورق والتحرك للأمام
الاختلاف بين المجلس والتغيير بشكل أساسي حول هياكل وبنية الحكومة الانتقالية
دفع المشهد السوداني بالغ التعقيد العديد من الدول إلى رفع درجة اهتمامها بالسودان، ومنذ اندلاع الاحتجاجات الأخيرة التي انتهت في الحادي عشر من أبريل الماضي إلى الإطاحة بالرئيس عمر البشير، الذي تمكّن من البقاء على سدة الحكم ثلاثين عاماً بفضل لعبه على التناقضات المجتمعية الموجودة، وفور إزاحته عن المشهد، وجد السودانيون أنفسهم أمام مشهد أكثر تعقيداً، وهالهم حجم ما خلفه النظام من تعقيدات، أدت إلى خلط المشهد تماماً وإرباكه، ما جعل البلاد تظل لثلاثة أشهر دونما حكومة تدير شأنها العام، وصحب ذلك استمرار الاحتجاجات.
“البيان” الإماراتية جلست إلى المبعوث الأمريكي الخاص للسودان الدبلوماسي الأمريكي السابق دونالد بوث، وقلبت معه أوراق المشهد السوداني ورؤية الولايات المتحدة للحل. وتنشر (الصيحة) الحوار مع المبعوث الامريكي بتصرف.
*كيف تنظر للوضع في السودان في ظل التعقيد الماثل؟
من المهم للأطراف السودانية محاولة الوصول إلى اتفاق، خاصة أن السودان ظل بلا حكومة متفق عليها لما يقارب الثلاثة أشهر، وفضلاً عن ذلك فإن الفراغ الناجم عن غياب الحكومة يؤدي إلى مخاطر تجعله عرضة لملئه من قوى غير مرغوب في وجودها سواء عن طريق أفعال لقوى منفردة بعينها أو ربما عن طريق إثمار الجهود التي يحاولها النظام السابق من أجل استعادة سلطته التي فقدها، لهذا كله فإنني أرى أن المسارعة في إنجاز اتفاق من أجل أن نرى سوداناً مستقراً وتشكيل حكومة يقودها المدنيون، صارت أولوية مطلقة حتى لا تنزلق البلاد إلى الفوضى.
*هناك الآن واجبات تنتظر الحكم الانتقالي يمكن إيجازها في أربع مهام رئيسية، أولاها الوصول إلى مجلس وزراء بعضوية كاملة من فئة «التكنوقرط» برئاسة شخصية يتم اختيارها من فئة «التكنوقراط» أيضاً، لكي يتمكن هذا المجلس من القيام بوظيفة الحكومة مثل تأمين فتح المدارس وتوريد الأدوية وجمع الضرائب الحكومية وكل الخدمات الاجتماعية التي تقتضيها حياة الناس بشكل أساسي ومباشرة شؤون السياسة الخارجية للبلاد، وباختصار كل شيء يحتاج إلى وجود الحكومة وممارستها لواجباتها بشكل يومي.
إن العمل الذي يحتل الأولوية بعد بدء الفترة الانتقالية هو التفاوض حول قضايا النزاع مع الحركات المسلحة تحديداً في ولايات دارفور وفي مناطق ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، وعند إنجاز ذلك سيكون في مقدور هذه الحركات العودة إلى البلاد والمشاركة في المهمة الرئيسية الثانية لفترة الحكم الانتقالي، وهي وضع الدستور المرتقب ومراجعة نصوصه من أجل التحضير للانتخابات العامة، والتي هي المهمة الرئيسية الثالثة للحكم الانتقالي.
هذا الدستور يعول عليه القيام بتنظيم سير إجراءات الانتخابات من أجل إيجاد حكومة منتخبة تضطلع بإجراء الإصلاحات المستقبلية الضرورية في البلاد، ويعد الوصول إلى مرحلة هذه الحكومة المهمة الرئيسية الرابعة والأخيرة لفترة الحكم الانتقالي.
*كيف يمكن إعادة كلا الطرفين مرة أخرى إلى طاولة المفاوضات بالنظر إلى الهوة المتسعة؟
يوم أمس ــ السبت ــ كان هناك اجتماع مباشر وجهاً لوجه لأول مرة منذ فترة ما قبل الثالث من يونيو، وذلك لاستعراض جهود وساطة الاتحاد الأفريقي مع الحكومة الإثيوبية، ولكن أيضاً جهود الولايات المتحدة ودولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والمملكة المتحدة، جهود هذه الدول الأربع كان لها تأثيرها في دعم وساطة الاتحاد الأفريقي.
*الاجتماع الذي أشرت إليه لم يجسر الهوة، فـ«قوى الحرية والتغيير» أعلنت تحفظات على المبادرة الإثيوبية، وكذلك المجلس العسكري.. والأحد شهدنا عودة الشارع إلى التظاهر من جديد بعد فترة هدوء؟!
نعم، الاحتجاجات يزداد حجمها في أجزاء مختلفة من الخرطوم، ولم ترد حتى الآن تقارير عن استخدام القوة لتفريقها، وكذلك في عدد من المدن السودانية الأخرى مثل بورسودان والجنينة، وفي مناطق أخرى في دارفور كذلك.. أعتقد أن هذا كان محاولة من قبل قوى إعلان الحرية والتغيير لاستعراض قواهم الشعبية وإمكاناتهم في قيادة الجماهير وجعلها تخرج إلى الشارع، وأن هذه هي وسيلتهم لإثبات علاقتهم وتمثيلهم لتلك الجماهير، وأعتقد أن هذا ربما يكون رسالة موجهة إلى المجلس العسكري الانتقالي، مفادها أن الطرف الذي يفاوضه هو طرف شريك لا تجوز الاستهانة به، وكذلك الدفع بفكرة أن قوى الحرية والتغيير لا تمثل أقلية، وأنها ليست مثل تلك القوى السياسية التي عمل البشير على جمعها تحت ما أسماه مؤتمر الحوار الوطني في العام 2015.
*هل تعتقدون أن اجتماعاً جديداً مع المجلس العسكري يمكن أن يفضي لنتيجة ما عبر هذه المواقف المتباينة؟
أعتقد أن هناك بعض الاختلافات، لكنّ هناك أمراً واحداً فهمته من القادة العسكريين الذين قابلتهم، وهو أنهم يعتبرون أنفسهم ينتمون إلى مؤسسة عسكرية واحدة تتمتع بشرعية قانونية واحدة، ودارت نقاشات كثيرة حول ذلك، بعضهم ربما يبدون موافقتهم على ما جاء في تلك النقاشات، وبعض آخر لا يوافق، هذه المشكلة نفسها نجدها في جانب قوى إعلان الحرية والتغيير، وهذا يشير إلى أن أعضاء كلتا المجموعتين المتفاوضتين ليسوا بسياسيين محترفين ولا مفاوضين محترفين، ولذلك فإن هذا الخلل تم اعتباره منحنى تفاوضياً يتعلم فيه كل طرف مهارات كيف عليك أن تفاوض وكيف يمكنك وبشكل عملي عندما تتوصل إلى اتفاق أن تضعه أولاً على الورق وأن تقوم من بعد بإصداره مباشرة عقب أن تتفق حوله وأن تتحرك للأمام انطلاقاً من تلك النقطة التي تم الاتفاق عليها.
ولكن في حالة المفاوضات السودانية لم يكن هناك شيء متفق عليه على هذا النحو، وإنما كان هناك اتفاق على ما تم الاتفاق عليه يوم أمس أو قبل يومين، ولذلك فإن التقدم لا يمكن أن يؤسس على هذه الطريقة، ولسوء الطالع فإنه في الكثير من المباحثات التي جرت بين الطرفين في الفترة من شهر أبريل وحتى الثالث من يونيو كان الطرفان يتباحثان ويخرجان لمنصات الإعلام ليصرحا لها بما اتفقا عليه، ولكن دون أن يكون لأيهما وثيقة ممهورة تثبت حقيقة ما تم الاتفاق عليه.
ومرة أخرى نقول هذا الأمر هو الذي دعا الوسطاء لتقديم المساعدة للبدء في وضع الأشياء أمام الأطراف على الورق أولاً، إلا أن الانطباع الذي خرجت به من كل ذلك هو أن القضايا محور النقاش بين الطرفين ليست بذلك الفارق الكبير في المواقف، ولكن الاختلاف ربما يتركز بشكل أساسي حول هياكل وبنية الحكومة الانتقالية، وأن المزيد من النقاش يجب أن يجري حول الحكومة الانتقالية، ومن الذي يقرر في أمرها، ومن الذي تجب مشاركته فيها ويوقع عنها، ونأمل أن يتم ذلك وينجز بسرعة.
*أود أن أثير نقطة خاصة بقوات الدعم السريع والمعضلة المتعلقة بوضعيتها في المنظومة العسكرية السودانية؟
قوات الدعم السريع تنتشر في شوارع الخرطوم، وأنها تعتبر الآن القوات الأكثر تسليحاً وجاهزية عسكرية ولا يمكنك إبعادهم عن المشهد بطريقة أحادية، ولكن علينا تحديد الطريقة المناسبة للتعامل معها.
*هل ناقشتم في جولتكم هذه كيفية تجاوز هذه الإشكالية ومستقبل هذه القوات في الحل المرجو لفترة الحكم الانتقالي بالسودان؟
لقد قمنا بمناقشة أمر قوات الدعم السريع بوضوح مع شركائنا، ونحن لا نرى حكمة في اتخاذ قرار أحادي بشأنها، لأنهم ربما يقولون نحن نملك البندقية ويمكننا أن نشكل حكومتنا بأنفسنا، لذلك لا يجب اتخاذ إجراء من طرف واحد حيالها، وإنما مع كل الأعضاء الآخرين بالمجلس العسكري الانتقالي في السودان، فهم الذين تقع عليهم وبشكل جماعي مسؤولية الوصول إلى اتفاق حولها بالاشتراك مع الحكومة السودانية، وإذا عدنا بالذاكرة إلى شهر أبريل لأدركنا أن قوات الدعم السريع كانت واحدة من القوات التي رفضت الانصياع لتعليمات مهاجمة المتظاهرين والاعتداء عليهم، الأمر الذي أدى بالنتيجة إلى سقوط البشير ونظام حكمه.