“حميدتي” في أسمرا.. مكاسب مُزدوجة
تقرير: مريم أبشر
في إطار العلاقات الآخذة في التّطوُّر بشكلٍ مُضطردٍ بين الخرطوم وأسمرا، وفي أعقاب زوال نظام الإنقاذ السَّابق، الذي شَهدت أيّامه الأخيرة أسوأ علاقات مع إريتريا، زَارَ أمس نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي الفريق أول ركن محمد حمدان دقلو “حميدتي”، زَارَ إريتريا، أعقبت الزيارة السريعة التي قام بها رئيس المجلس العسكري الانتقالي الفريق أول الركن عبد الفتاح البرهان.. وبعد تَواصُل إيجابي ابتدرته أسمرا عقب سُقُوط نظام الإنقاذ مُباشرةً بابتعاث مبعوث رئاسي هو وزير الخارجية للخرطوم في بادرة حُسن نوايا لفترةٍ قادمةٍ تكون خاليةً من التربُّص والشُّكوك والظُّنون التي كَانت السِّمة الغَالبة لطبيعة العلاقات الرسمية بين البلدين طيلة حقبة الإنقاذ الماضية إلا قليلاً.
تقارُبٌ منهجيٌّ
زيارة مُهمّة وفي توقيتٍ مُهمٍ كونها جاءت بعد زيارةٍ ناجحةٍ قام بها “حميدتي” إلى إنجمينا، خَاصّةً وأن الدولتين (تشاد وإريتريا) ومعهما جنوب السودان لديها علاقات مباشرة وعضوية مع حركات التّمرُّد والمجموعات الحاملة للسلاح وفقاً لإفادة أحد السفراء ذوي الصلة بالملف تَحَدّث لـ(الصيحة) أمس قال إنّ أسمرا تتمتّع برمزيةٍ خاصةٍ باعتبارها كانت تحتضن فى فترةٍ سابقةٍ التجمُّع المُعارض الذي يضم في عضويته الحركة الشعبية، ويعتقد أنّ لأسمرا دوراً لا يزال تأثيره الخاص على الحركات المُسلّحة بتصنيفاتها المُختلفة، أضف إلى ذلك فإنّ السفير يرى أنّ هنالك نوعاً من التقارُب المنهجي والفكري الخاص الذي يجمع بين الانتقالي في السودان والقيادة الإريترية، من جهة أنّ الطرفين لا يُحبِّذان التدخُّل الخارجي في حل الخلافات الداخلية في البيت الأفريقي، وقد ظهر ذلك في الحرص الإريتري عبر مبعوثيها على ضرورة أن يكون الحل (سوداني – سوداني)، وأكّد ذلك أفورقي عقب الزيارة التي قام بها البرهان قبل أيّامٍ الى أسمرا، إضافةً إلى ذلك يبدو جلياً للمُتابعين بأنّ هُناك حِرصاً أكيداً على أن تَعُود العلاقات بين السودان وإريتريا للأوضاع الطبيعية لما قَبل التّوتُّر، وبدا ذلك واضحاً من توالي الزيارات على أرفع المُستويات بعد سُقُوط النظام المخلوع، ويلفت السفير إلى اللغة المُشتركة والاتّجاه العام لخلق علاقة تُعزِّز أواصر العلاقات غير المُنفكة جُغرافياً وشعبياً مهما عَلَت لغة الصراع والتّوتُّر بين الأنظمة الحاكمة في البلدين.
عُلو كَعب المَجلس
مُراقبون يرون أنه حالما استكمل المجلس العسكري زيارته الى الدول ذات التأثير على ملف السَّلام في السُّودان عبر علاقاتها المُمتدة بالحركات المسلحة بزيارة مُرتقبة لـ”حميدتي” إلى جوبا، يكون المجلس أصبح عملياً هو الطرف الأقوى والمُمسك بملف السَّلام، مُتفوِّقاً على قِوى إعلان الحرية والتغيير، وأنّ الملف أصبح خارج إطارها من ناحيةٍ عمليةٍ، برغم وجود بعض قِوى نداء السودان ضمن قِوى التّغيير، لجهة أنّ القضايا المُتعلِّقة بتسوية أوضاع القوات التابعة للحركات وغيرها من قضايا، الأقرب لمُناقشتها المجلس العسكري.
زيارة خاصة جداً
مصدرٌ حكوميٌّ ودبلوماسيٌّ رفيعٌ أَكّدَ لـ(الصيحة) أمس، أنّ الزيارة طبيعية في ظِل وُجُود علاقات تاريخية خَاصّة جداً تربط الخرطوم بأسمرا منذ أيام النضال الإريتري، ويرى أنه قلّ أن تُوجد علاقة بذات الخُصُوصية بين شعبين كَمَا هي بين الشّعب السُّوداني والإريتري، ويضيف المصدر أنّه من الطبيعي أن تتم الزيارات على أرفع المُستويات لإزالة ما عُلِّق من تَوتُّرات خلال الفترة الماضية، خَاصّةً وأنّ هنالك تَوجُّهاً عامّاً على تَجَاوُز الخِلاف والتّوتُّر بين دول القرن الأفريقي والتّطلُّع لمرحلةٍ جديدةٍ يَسُودَها التّعاوُن وتغليب المصالح للشّعب على مَا سَواها، وفي هذا الصدد فقد شهدت الفترة الماضية مُصالحة تاريخية بين الشعبيْن الإريتري والإثيوبي بعد طُول قطيعة. في ذات الوقت، بادرت الحكومة الإريترية بطي صفحة التّوتُّر المكتوم الذي سَادَ العلاقات السودانية الإريترية في حقبة الإنقاذ، وأنّ الطريق أصبح سالكاً لاستعادة العلاقات المفقودة، ويرى المصدر أنّه من غير المُفاجئ ومن الطبيعي جداً وفي مُحاولة من أسمرا لإعادة الاستقرار بالسودان، أن يسعى الرئيس للالتقاء بالحركات المُسلّحة في وجود قيادات المجلس العسكري لدفعها والدخول في سلامٍ يسهم في عودة الاستقرار بالسودان الدولة المُهمّة في الإقليم.
التقليص الدبلوماسي
أيضاً عزا مصدرٌ دبلوماسيٌّ، التقليص الدبلوماسي في سفارتي الخرطوم وأسمرا لمُستوى قائم بالأعمال، للتوتُّر الذي شَابَ العلاقات في الفترة الأخيرة من عُمر النظام المخلوع، ولم يستبعد أن تكون سفارة السودان في أسمرا في مُقدمة اختيار سفير يرأس البعثة فيها حالما تَشَكّلت حكومة الفترة الانتقالية المُرتقبة حتى تتمكّن من تَسهيل مَسار العلاقات الدبلوماسيّة بين البلدين بعد أن أصبحت الأرضية جاهزةً لذلك.
فتح الحُدود
ومعروفٌ أنّ الزيارة السابقة التي قام بها البرهان الى أسمرا أفلحت في إعادة فتح الحدود بين الخرطوم وأسمرا وعودة العلاقات بينهما، الموسومة بالتاريخية والأزلية إلى الوضع الطبيعي لمصلحة الشعبيْن بعد قطيعةٍ وحقبةٍ من التّوتُّر عاشها شعبا البلدين مُعظم سنوات حكم الإنقاذ المخلوع.. وتُشير (الصيحة) هنا إلى أنّ الحُدُود بين البلدين أُغلقت العام المام الماضي في أعقاب اتّهاماتٍ مُتبادلةٍ بإيواء المُعارضين وتغذية أنشطة التهريب.
واعتبر مُراقبون، الزيارات المُتتالية تأتي في إطار انفتاح المشهد السُّوداني إقليمياً ودولياً، وفي ظل انفراجٍ طفيفٍ بدأ يظهر على السطح في إمكانية حُدُوث اختراقٍ بين المجلس وقِوى التّغيير بشأن ملفات تشكيل الحكومة الانتقالية، حيث يسعى المجلس من التّحرُّكات التي ابتدرها منذ فترةٍ لتوسيع خيارات الوصول إلى حلٍّ مُناسبٍ للمشهد الذي يزداد تعقيداً كلّما تأخّر الحل، خَاصّةً وأنّ الرئيس أسياس برؤية مُتابعين، ليس غريباً عن ملفات السودان العديدة بالداخل والخارج، وأنه سَبَقَ وأن ألقى أسهماً بشكلٍ مشهودٍ في الانخراط وحَلحلة الأزمات السُّودانية خَاصّةً ملف التّطوُّرات بالشرق.
ذروة التّوتُّر
والمُتابع للعلاقات، يرصد أنّ ذروة التصعيد اكتملت عندما اتّهمت الخرطوم، أسمرا وقتها باحتضان الحركات المُسلّحة، واتّهام الأخيرة للخرطوم بدعم جماعات إسلامية إريترية.. ونشرت الخرطوم حينها تعزيزات عسكرية من قُوّات الجيش والدعم السريع على الحدود في إطار ما وُصف بالاستنفار والجاهزية لتأمين الحُــــــــــدود، وذلك بعد إلاعلان عن تهديداتٍ مُحتملةٍ من قِبل مصر وإريتريا مع قفل الحُــــــــــدود، واعتبر أفورقي حينها ما نُسب لبلاده ومصر بنشر تعزيزات بأنّه مُجَرّد فَبرَكَات.