تقرير- مريم أبشر 24 يوليو 2022م
ظهرت وزيرة الخارجية السابقة الدكتورة مريم الصادق المهدي المنصورة في المسرح السياسي السوداني، في حكومة الدكتور عبد الله حمدوك الثانية، نالت ثقة رئيس الوزراء السابق لاختيارها وزيرة للخارجية في حكومته فأصبحت المرأة الثانية التي تتقلّد منصب وزير الخارجية في تاريخ السودان، حيث سبقتها الأستاذة أسماء محمد عبد الله، التي حملتها ثورة ديسمبر المجيدة لتقلد هذا المنصب الدبلوماسي الرفيع كأول امرأة سودانية في تاريخ السودان عقب سقوط نظام الإنقاذ، وتولّت أسماء الحقيبة في فترة بالغة التعقيد والحساسية.
وبعد أن تم إعفاء أسماء عبد الله، حازت المنصورة على المنصب بعد أن اعتبر فقدان المنصب يمثل تراجعاً للتقدُّم الذي نالته المرأة في عهد الثورة
وزير الخارجية السابق، بجانب أنّها قيادية في حزب الأمة القومي، عملت كذلك على تأهيل نفسها بالعلوم الأكاديمية والانخراط في العمل السياسي، الشيء الذي أهّلها لتقلُّد مناصب مُختلفة في حزب الأمة القومي حتى وصلت لنائب الرئيس، (هيئة قيادة)، غير أن فترة توليها لوزارة الخارجية واجهت كثيراً من النقد والاتهامات، خَاصّةً فيما يلي العمل على إنتاج نمط آخر لتمكين كوادر حزبها بوزارة الخارجية.
اعتراف:
مُؤخّراً، أقرّت وزيرة الخارجية السابقة د. مريم الصادق المهدي بأنّ عدم استعادة الحياة الدستورية بالبلاد تسبّبت في تحويلهم من وزراء تنفيذيين إلى موظفين محصورين جداً بإطار محدّد، وقالت د. مريم الصادق في مداخلتها حول ورقة الوثيقة الدستورية التي قُدِّمت في ورشة تقييم الفترة الانتقالية: “ليست لدينا قُدرة وما عملنا مُفارقة ما بين النظام البائد وقوانينه، لأن قوانين الدولة كلها تابعة له وكان نظاماً رئاسياً شمولياً شديد المركزية، وبالتالي لم يكن هناك وجودٌ لحكومة حقيقية، لذلك أتاحت المجال لأيِّ مجموعة، وأنا لا أجرم المجموعة التي كانت في رئاسة مجلس الوزراء لأنها أصلاً كانت دولة ظلال والمواقع السياسية كانت معمولة للابتزاز السياسي وللنخاسة السياسية، وأردفت بالتالي الوظائف السياسية كانت خالية من المهام”. وقالت إن الوزارات كانت عبارة عن مجموعة من الناس لا يملكون كثيرا من القدرات وهذا كان سبباً مباشراً أننا واصلنا تماماً في كل قوانين ونظم وأسس دولة النظام البائد.
وفي لقاء المكاشفة حول أداء وزارة الخارجية السابقة الذي نظّمته جريدة “الديمقراطي”، قالت وزيرة الخارجية السابقة مريم الصادق، إن إزالة اسم السودان من الدول الراعية للإرهاب وتعويضات السفارتين والمدمرة كول والتطبيع مع إسرائيل تم دون مشورة الحاضنة السياسية، وكذلك استدعاء بعثة “يونيتامس” وقرارات البنك الدولي كلها قرارات فردية، وذكرت أنها اختارت وظائف للوزارة بكل شفافية وحيادية وانحازت للمرأة، وقالت إن القرار15/95 الصادر في فبراير تعطّل بسبب الانقلاب. وردّ عليها المعقب بأنّها لم تختر إلا امرأة واحدة وليس في ذلك انحيازٌ للمرأة، ووصف امتحان السفراء المُرشّحين بأنّهُ بائسٌ ولم يُختبروا في اللغات.
خطأ التقييم:
خبيرٌ دبلوماسيٌّ، أبدى استغرابه على خلفية ما أُثير من نقد تجربة وزارة الخارجية خلال الفترة الانتقالية السابقة، وأضاف الخبير: لا يُمكن أن يكون من يُقيِّم التجربة هو ذات المسؤول في الفترة المُراد تقييمها، وأشار إلى أن التقييم الحقيقي كان ينبغي أن يأتي من الوكلاء في الوزارات والمؤسسات الحكومية باعتبارهم المُوظفين الأوائل في أي وزارة ويعرفون تحديداً قدرات وحجم أداء الوزراء، وتساءل الخبير عن الخلفية القيادية التي على إثرها تم اختيار المنصورة وزيرة لأهم وزارة سيادية في البلاد وفي أخطر مرحلة في تاريخ الوطن الحديث، ودلل على ذلك باختيارهم لأحد السفراء في أهم بعثة وكان بعيداً عن العمل الدبلوماسي لثلاثة عُقُودٍ، وقال إنّ الفترة الانتقالية في ثورة ديسمبر أتت بأحزاب اصطحبت معها كل سوءاتها القديمة دون أي تغيير يُذكر فكانت سبب النكسة والخذلان لثورة ألهمت الشعوب وحازت على إعجاب المجتمع الدولي بأثره، وأشار إلى أنّ بعض الوزراء دخلوا في صراعات وخلافات انصرافية وبعضهم لجأ لممارسة ذات التمكين الذي مارسه النظام البائد، لافتاً إلى أن ذات النمط تمّت ممارسته بوزارة الخارجية من خلال الترشيحات التي وضعتها الوزارة في عهد المنصورة وهي الاهتمام بالانتماء دُون القدرات، وختم الخبير إفادته بالتأكيد على فشل التجربة، وبالتالي فشل أهمية حقبه وهو دفع العسكر ممثلاً في رئيس مجلس السيادة للقيام بالخطوة التي اعتبرها تصحيحاً واعتبرتها القوى السياسية انقلاباً على الحكم المدني.!
سوءات:
على ذات النهج الناقد لتجربة الحكومة التنفيذية في عهد الفترة الانتقالية السابقة، مضى السفير الطريفي كرمنو، وقال رداً على المنصورة (ماذا كانت تتوقّع غير مُوظّفة)، وقال إنّ حزب الأمة القومي يضم قيادات ذات خبرة كالدكتور إبراهيم الأمين الذي اعتذر عن الترشيح لتولي رئاسة بعثة السودان في القاهرة، واعتبر كرمنو ترشيح الأمين للقاهرة كان بمثابة إبعاد له، ولفت في تصريح لـ(الصيحة) أنّ الأحزاب التي شَاَركَت في حكومة الفترة الانتقالية اعتورت حقبتها مشاكل عديدة، الأمر الذي عجّل بإنهاء الفترة عبر إجراءات البرهان.
استعلاءٌ:
كوادر دبلوماسية بوزارة الخارجية، قلّلت من حديث المنصورة بأنّ الوزراء في الحكومة الانتقالية كانوا مُجرّد موظفين.
وقال السفير عبد الرحمن ضرار في إفادة لـ”الصيحة”، إنّ المنصورة استغنت في فترة عملها بالخارجية عن المؤسسة وعملت بفهم حزب الأمة، وأشار إلى أنّ الخارجية مُؤسّسة عريقة لها إرثٌ ضخمٌ وتقاليد كبيرة المنصورة أهملتها، ولفت إلى أنها استعانت بكوادر حزبها وقيم دورها إبان فترة توليها رئاسة الوزارة بالبائس، حيث عملت بفهم حزب الأمة، فضلاً عن كونها جاءت بفهم ابنة زعيم حزب الأمة وتعاملت باستعلاءٍ شديدٍ على حسب قوله مع كوادر الخارجية ولم تستفد منها، وأشار إلى أن من احدى محاولاتها تجاوز اللوائح والقوانين التي تنظم التعيين بالوزارة، الطلب الخاص بأن تضع لجنة التعيينات حصة للمناطق المُهمّشة، لافتاً إلى اتّخاذ مثل هذه الخطوة في التعيينات تتطلب تغييرا للوائح والقوانين الخاصة بالعمل في السلك الدبلوماسي.
لماذا الصمت؟:
الدكتور والخبير الأكاديمي صلاح الدومة، تساءل في معرض تعقيبه على تقييم وزيرة الخارجية السابقة بأنّهم كانوا مُوظّفين، وقال لماذا صمتت؟ لماذا تذكر ذلك عندما كانت تعمل؟ ولماذا لم ترفع مذكرة بذلك لرئيس الوزراء حينها تعترض على الضغوط التي كانت تواجهها؟! ووصف فترتها وتجربتها إبان تولِّيها حقيبة الخارجية بالسيئة جداً، وقال في إفادته إنّ المنصورة ارتكبت الكثير من الأخطاء البروتوكوليّة وما أسماه بـ(الشترات) إبان عملها، وقال إنّ حزب الأمة يمتلك الكثير من المُؤهّلين الذين كان يُمكن أن يكون أداؤهم أفضل.!!!