الخرطوم: آثار كامل 25 يوليو 2022م
قطار النيل المتجه من الخرطوم بحري لمدينة عطبرة يسير في رحلة اعتيادية يمضيها يوميًا، ولكن سرعان ما تغيَّرت أصوات القضبان بحدوث شئ ما، وهو عدم وجود القضبان الحديدية بسبب حل المسامير، ولم يكن خبر نجاة عشرات الأسر جراء انحراف قطار متجه من الخرطوم إلى عطبرة عن مساره وخروج (3) مقطورات، عن الخط نتيجة لحل المسامير التي تربط القضبان الحديدية، دون تسجيل خسائر في الأرواح الحادثة الأولي التي سببها سرقة جزء من السكة الحديد وانحراف قطار عطبرة الأربعاء الماضي، بعد عبوره محطة الجيلي وأنقذت العناية الإلهية عشرات الأسر من الموت المحقق.
سرقات متكرِّرة
كشفت هيئة السكك الحديدية المسؤولة عن تشغيل القطارات في السودان، عن تعرُّض منشآتها لا سيما مكوِّنات الخطوط الحديدية ومثبتاتها، إلى سرقات متكرِّرة مؤخراً، وأكد مدير عام هيئة سكك حديد السودان المهندس مستشار وليد محمود أحمد، أن الأسباب الأولية التي أدت لحادث قطار النيل المتجه من الخرطوم بحري لمدينة عطبرة هي فك وحل مسامير بلنجة مفتاح المحطة، ما أدى إلى اتساع في الخط وسقوط القطار خارج القضيب، وأكد سلامة الركاب وطاقم القطار، وقد تم على الفور إجلاء الركاب لمحطاتهم النهائية بالبصات السفرية وقدَّم شكره للمواطنين والجهات التي ساعدت الركاب أثناء وجودهم في مكان الحادث ولفت وفق حديثه لوكالة السودان للأنباء (سونا) أن القطار تعرَّض إلى حادث سقوط ثلاث عربات بشكل انحرافي عن المسار عند الكيلو (62) بالقرب من مصفاة الجيلي، وكان يحمل بداخله (423) راكباً، وأشار إلى أن السكك الحديدية منذ فترة تتعرَّض إلى سرقات أو عمل تخريبي لمكوِّنات الخط من مثبتات ومسامير، لافتاً إلى أن هذا العمل يعرِّض أرواح الناس والممتلكات للخطر، وناشد كل المواطنين الموجودين والقاطنين على امتداد خطوط السكك الحديدية التبليغ الفوري للهيئة عن هذه الممارسات والتعديات تعزيزاً للتنمية.
سوء إدارة
سوء الإدارة والإهمال أخرجت خطوط السكك الحديدية من الخدمة، ونجد أن قضبان السكك الحديدية التي كانت تجوب كل أنحاء السودان منذ الاستعمار وتمتد لأكثر من خمسة آلاف كيلومتر، من الحدود المصرية إلى دارفور وبورتسودان ثم إلى مدينة واو, ظلت تعاني لأكثر من 30 عاماً، من الإهمال والأعطال وهجر بعضها وتركت نهباً لكل من يريد أن يأخذ منها ما يشاء لدرجة أن جميع شبكة السكك الحديدية داخل مشروع الجزيرة تم تفكيكها بواسطة المواطنين وبيعها خردة دون أن تطال أحدهم يد العدالة، غير أن الأعوام الأخيرة من النظام البائد شهدت بعض الاهتمام بالسكة الحديد وتم استجلاب قطارات حديثة، فضلاً عن تغيير السكك الحديدية لتلائم القطارات الجديدة لكن حتى هذه لم تسلم من التخريب.
قطار النيل
حادثة قطار النيل التي وقعت الأربعاء توضح مدى عدم المتابعة وسوء الإدارة ونقص التأمين، فالحادثة ليست نتيجة عطل فني بالقطار، بل جراء تخريب خط السكة الحديد بسرقة وتفكيك معدات تثبيت الخطوط بعد تأكيد مدير عام هيئة سكك حديد السودان عبر تصريحات له، مؤكداً فيها فك وحل مسامير بلنجة مفتاح المحطة، وأكد أن السكك الحديدية منذ فترة تتعرَّض إلى سرقات أو عمل تخريبي لمكوِّنات الخط من مثبتات ومسامير والتي نجدها أدت إلى وضع خطير للغاية في مسار قطارات الركاب والبضائع، وتوعد باتخاذ إجراءات عاجلة مع الأجهزة العدلية والأمنية والشرطية لمعالجة هذه التعديات.
تكرار السرقات
دفاتر الشرطة تعج بالعديد من البلاغات من شاكلة هذا النوع، فالأمر ليس بالجديد، وألقت الشرطة القبض على المتهمين وتم تقديمهم للمحاكمات، ولكن الجديد الذي أفصح عنه مدير عام هيئة سكك حديد السودان بتنفيذ سرقات وأعمال تخريب لمكوِّنات الخط ومثبتات الخطوط، ونجد في السابق تم تنفيذ سرقات لمثبتات الخطوط الباقير إلى سوبا بكيلو (35 و34 و33) وتم حصر (1873) طقم مثبتات فلنكة خرسانية، بالإضافة للبلنجات، كما فقدت مثبتات بقسم القوز الكدرو في الكيلو (69 و70 و71 و74) وتمت معالجة أجزاء كبيرة من هذه العمليات التخريبية بفضل العاملين بهيئة السكة الحديد.
ونجد أنه في ديسمبر العام 2010م، أوقفت مباحث السكة الحديد بالخرطوم عصابة تتاجر بفلنكات الخط الحديدي وبيعها لتجار الخردة بالسوق المحلي، وقد ضبطت الشرطة ما يقارب الــ(5) أطنان، من الحديد الخردة وقطع تم تسريبها من مناطق عمل لصيانة خط القطار بعد معلومات وردت لرئيس القسم عن نشاط عصابة تسرق فلنكات القطار على طريق الخرطوم، وكانت الصفقة بمبلغ (15) ألف جنيه، ونجحت الشرطة عبر كمين محكم في ضبطهم وتقديمهم للعدالة.
تخريب
وإن كان حديث مدير هيئة سكك حديد السودان قد مال إلى أن الأمر لا يخرج عن كونه عملية سرقة أو عمل تخريبي، إلا أن مصدر تحدث لـ(الصيحة) ـ وفضَّل حجب اسمه ـ ذهب إلى أن العمل تخريبي ولم يستبعد أن وراءه أهداف غير السرقة بغرض الاستفادة المادية من القطع المسروقة، مستدلاً على ذلك بأنها ليست كبيرة لتكون الفائدة منها كبيرة عندما يتم بيعها بالوزن لتجار الخردة، وإن كان المصدر قد تحفَّظ على توجيه أصابع اتهام لجهة محدَّدة، إلا أنه قال: إن هناك الكثير من الجهات التي تعمل الآن على خلق أزمات ووضع متاريس أمام حكومة الفترة الانتقالية، فضلاً عن جهات تريد تعطيل القطارات كونها وسيلة نقل ربما تكون الأرخص.
خردة متناثرة
ولكن المهندس الميكانيكي الشيخ الخير، أرجع خلال حديثه لـ(الصيحة) الأسباب الرئيسة لسرقة معدات تثبيت الخطوط بلنجات ومثبتات الفلنكة إلى تناثر العديد من قطع الخردة على شريط السكة الحديد ما يجعلها نهباً للصوص الذين يقومون ببيعها، وقال: إن ذلك يساعد على ظهور عصابات السطو، الأمر الذي يسفر عن زيادة معدَّل سرقات قضبان السكة الحديد واللجوء إلى تفكيكها، وأضاف: إن الحراسة والتأمين من الأمور المهمة التي تمنع وقوع تلك السرقات، قائلاً: هذا دور شرطة السكة الحديد، ولفت الشيخ إلى أن السكك الحديدية لها دور كبير في نقل البضائع، لافتاً إلى أن النقل بها أرخص وأسرع وآمن وطاقتها أكبر، وأضاف: لا بد من الانتباه إلى أن مثل هذه الممارسات التي تعرقل مسيرة الاستفادة من الخط الحديد الناقل للبضائع والمواطنين، خاصةً بعد أن اتجهت الأنظار لنقل البترول عبره.
مباشرة التحريات
كشفت مصادر شرطية لـ(الصيحة) عن مباشرة المباحث بشرطة السكة الحديد تحرياتها في جمع المعلومات والاشتباه في عدد من المتهمين والمواصلة في الكشف عن المتهمين بجانب مواصلة مراقبة الخط الحديدي، بينما انخرط فريق آخر في مراقبة سوق الخردة ونشاط مستلمي المال المسروق، وأفادت ذات المصادر عن رصد الشرطة نشاط معتادي هذا المجال ومستلمي المال المسروق عبر الحملات التي نفَّذتها الشرطة مؤخراً بدءاً من حملات البرق الخاطف والحملات المنعية بجانب اتجاه وزارة النقل بالتفاكر مع وزارة الداخلية بخصوص التأمين بالسكة الحديد ووضع خطة جديدة للحد من السرقات التي تحدث، واستبعد الشيخ بأن تكون الحادثة مدبَّرة أو مفتعلة، بل سرقة عادية في ظل تنامي تجارة الخردة.
جريمة سيئة
يرى المحامي المختص في القانون الدولي الإنساني والجنائي أبوبكرعبد الرازق بأن الجريمة تعتبر جريمة سرقة لكنها ليست حدية، لأن من شروط جريمة السرقة الحدية وجود المسروقات في حرز، وأضاف: إن تشديد العقوبة مربوط بتفريد العقوبة حسب القاضي في التشديد والتخفيف، وقال في حديثه لـ(الصيحة): إن سرقة معدات تثبيت الخطوط بلنجات ومثبتات الفلنكة يمثل جريمة سيئة جدًا ومن الجرائم التي إذا ثبتت تشدَّد فيها العقوبة لأنها تضم الإتلاف وتهديد الأرواح وليس بالضرورة تحديد تعديل القانون من أجل تشديد العقوبات، لأن تشديد العقوبات من مطلقات التقدير القضائي في مرحلة تفريد العقوبة وتحديدها وهي من الجرائم سيئة الآثار فلابد من التشديد حال ثبوت الجريمة، لأنها جريمة خطرة ويمكن أن تؤدي إلى انقلاب القطار وفقدان الأرواح وإتلاف البضائع، ونوَّه إلى أن مثل هذه الجرائم بها جرأة كبيرة جداً على المال العام.