صلاح الدين عووضة يكتب : نظرة كرك!!
25 يوليو 2022م
وهل ينظر هو؟..
نعم؛ ويبتسم أيضاً مبرزاً أسنانه… أو يكشر عنها إن كان غاضباً ومتحدياً..
والكرك – أو الكارديك – هو آلة حشائش..
آلة ذات سنون حديدية لا تخلو منها تعريشة من التي تُحفظ بها آلات الزراعة..
ونبدأ بقصة عن مزارعٍ كان يهم بولوج تعريشته..
وعلى سقف التعريشة عددٌ من آلة الكرك؛ إلى جانب أدوات زراعة أخرى..
فوقع كركٌ منها على رأسه..
فانحنى ورفعه ليعيده إلى مكانه… فوقع عليه كركٌ آخر جراء حركته هذه..
فرفع الآخر هذا أيضاً ليقع عليه ثالث..
وكلٌّ منها يقع وهو مُكَشِّرٌ عن أنيابه… عن أسنانه؛ أو هكذا بدا له الأمر..
فما كان منه إلا أن ارتد إلى الوراء قليلاً..
ثم نزع جلبابه وربط خصره به… وقبض على عصا… وباعد بين ساقيه..
ثم صاح (أي كرك عاوز رجالة ينزل لي هنا)..
فالكرك لم يكن في نظره – وقتذاك – سوى متحدٍّ بأسنان… ومن فوقها عين..
إنها ثقافة الكرك..
وفي مدينة حلفا جاورتنا في الحي أسرةٌ من قبيلة ذات اعتداد بمظاهر الرجولة..
ولها ابن يماثلنا عمراً؛ نحن أبناء الحي..
فذهبنا لتحيته… والتعرف عليه… وضمه لفريقنا إن كان يجيد لعب الكرة..
فاكتشفنا أنه لا يجيد سوى لعبة التحدي..
فرغم إننا كنا ضيوفاً لديه إلا أنه لم يتقبل دعابة بريئة من أحد رفقائنا..
فإذا به ينزع قميصه… ويربط به خصره..
ثم يصيح في وجوهنا دونما داعٍ (أي واحد فيكم عايز رجالة أنا جاهز)..
فخرجنا من عنده ونحن في حيرةٍ من أمرنا..
ولا أذكر – أنني شخصياً – رأيته مرة أخرى؛ إلى أن اختفى من حيّنا..
إنها ثقافة الكرك..
وجارٌ آخر – في زمانٍ ومكانٍ آخرين – كاد أن يقتل جاراً بدا له كركاً..
قال إنه نظر إليه نظرة احتقار..
وما عضد من إحساسه بالاحتقار هذا تجاهه بروز أسنانٍ تبتسم بازدراء..
والسبب – يقول – شعوره بالتفوق المجتمعي..
شعور الجار… الضحية… الكرك؛ وفي مقابله شعور من تلقائه هو بالدونية..
فلو لم يكن بداخله شعورٌ فطري بالدونية لما غضب..
وهو شعورٌ لا مبرر له؛ ولا يُوجد إلا في خياله النابع من خيالٍ جمعي..
أو من تخيلاتٍ جمعية لفئةٍ ينتمي إليها..
وفوجئ الجار الآخر – الضحية… الكرك – بجاره هذا يربط خاصرته بعمامته..
ثم ينهال عليه ضرباً بعصا كان يحملها..
ولولا أن هُرع الجيران إلى حيث الجارين هذين لكان هنالك قاتلٌ ومقتول..
ولدفع القاتل حياته ثمناً – رخيصاً – لهذه الثقافة..
ثقافة الكرك..
ولا فرق بين من يغضب أو يضرب أو يقتل تحت تأثيرها وبين رجل الكرك..
أي ذاك المزارع الذي تحدى خصماً وهمياً..
ونظل – بغباءٍ عجيب – في حالة صراعٍ مع كرك يبدد أزماننا… وطاقاتنا..
ونتخيّله ذا أسنانٍ تكشِّر..
وعينٍ تنظر!!.