تقرير: نجدة بشارة 22 يوليو2022م
نأى الحزب الشيوعي بنفسه مبتعداً عن جميع المكوِّنات في الائتلاف الحاكم وبات يعزف سيمفونيته منفرداً، لكن هل سيجيد التلحين ويهب للشارع لحناً خالداً، أم سيفقده التناغم الأبدي؟ مؤخراً صعَّدت اللجنة المركزية للحزب لهجتها متخاشنة مع بعض الأحزاب السياسية .
وتفجَّرت اتهامات وملاسنات بين الحزب الشيوعي والحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال والتي كشفت عن اعتزامها مقاضاة الحزب على خلفية تصريحات متعلقة بمسؤولية أحداث إقليم النيل الأزرق.
وقادت التصريحات بشأن أحداث العنف القبلي بإقليم النيل الأزرق الأخيرة، إلى وقوع ملاسنات وحرب بيانات بين الحزب الشيوعي والشعبية بقيادة مالك عقار، بشأن مسؤولية الأحداث.
وأسفرت أعمال العنف التي شهدها الإقليم الواقع جنوب شرق البلاد، بين قبائل الفونج وقبيلة الهوسا، عن مقتل أكثر من (79) شخصاً، وإصابة (199) آخرين، وذلك طبقاً للرواية الرسمية.
وحمّل الشيوعي بالنيل الأزرق، الحركة الشعبية مسؤولية الأحداث، داعياً لتكوين لجنة قانونية للنظر في أصل الصراع، وتحديد من قام بعملية التسليح ومصادر السلاح.
حرب بيانات
وقال الشيوعي في بيان: “إن الشعبية شمال ظلت تمارس الاستقطاب، مستميلة بعض المكوِّنات القبلية وآخرها قبيلة الهوسا التي كان نصيبها إمارة لأهلها، لتلتحق بركب المؤيدين لمالك عقار وحركته”.
وترفض قبائل الفونج منح الهوسا إمارة في الإقليم، بدعوى إنهم وافدين، ولا يمتلكون أراضي في النيل الأزرق.
وفي المقابل، قالت الحركة الشعبية، إنها شرعت في اتخاذ إجراءات قانونية ضد الحزب الشيوعي بالإقليم.
واتهم بيان صادر عن الحركة، الشيوعي، بنشر خطاب الكراهية في النيل الأزرق.
واعتبر الحديث عن عمليات استقطاب قبائل الهوسا لصالح الانضمام للحركة، بأنه متاجرة ومزايدة سياسية فقط .
خميرة عكننة
وبالنظر إلى سيرة ومسيرة الحزب الشيوعي رأى مراقبون أن الشيوعي أصبح خميرة عكننة وآلة لإنتاج المشكلات وتصنيعها، لا سيما وأن الحزب ومنذ سقوط النظام البائد يتلوَّن في مواقفه الرمادية، بين متماهي ورافض لقوى الثورة، بين مؤيد ومعارض للحكومة الانتقالية المحلولة، فيما يتساءل متابعين على منصات التواصل الإجتماعي عن أجندات الحزب الشيوعي ودوافعه من وراء تشاكسه، هل الشيوعي على الصراط فكراً ومنهجاً، أم أن ما يثار بواسطته مجرَّد فقاعات وفرقعات لجذب تعاطف وخطب وُد الشارع ؟
ويقول مراقبون إن الحزب الشيوعي لم يتجاوز محطة سلبيته التاريخية وبقاؤه (خميرة عكننة) في ميدان السياسة السودانية، وقال إنه حزب لا يتوافق مع بقية الأحزاب السياسية، وهذا واضح منذ بداية ثورة ديسمبر عندما تغلغل الحزب الشيوعي وسط قوى الحرية والتغيير وتراجع من المضي في طريق تحمُّل مسؤولية الحكومة بإثارة بعض النقاط المستحيلة ليكون معارضاً للحكومة ومشاركاً فيها عن طريق واجهاته، موضحاً أن ذلك لا ينفصل عن موقفه الحالي من التسوية السياسية واعتراضه عليها واستخدامه ذات المبرِّرات
السابقة.
مركزية قابضة ولكن..!
فسَّر المحلِّل السياسي د. عبد الرحمن أبوخريس، في حديثه لـ(الصيحة) مخاشنات وصدامات الحزب الشيوعي في الساحة السياسية بالمواقف المتحرِّكة أو السير على الرمال المتحرِّكة، وعزا ذلك ربما لالتزام الحزب بخطه السياسي ومبادئه، إضافة إلى الالتزام بالمركزية القابضة والأخير يفسِّر تمسُّك الحزب بمواقف ثابتة من القضايا الكبيرة وعدم إطلاق التصريحات الجزافية، وزاد: وبالتالي فأن التزام الحزب يضعه في خانة المواجهة والصدام مع الأحزاب الأخرى .
وضرب مثلاً بأن الشيوعي ومنذ التوقيع على الوثيقة الدستورية وإعلان تشكيل الحكومة الانتقالية رفض الحزب المشاركة فيها، ومازال الشيوعي يقف ذات الموقف .
ورأى أن الشيوعي يحتاج إلى مراجعات في تعاطيه مع الأحزاب السياسية.
عزف نشاز
قرائن الأحوال تقول إنَّ العزف منفرداً عن الأوكسترا تهب لحناً نشازاً، وهذا ماحذَّر منه محلِّلون، وسبق وأكد نائب الأمين السياسي بالمؤتمر السوداني نور الدين صلاح الدين لـ( الصيحة) أن الشيوعي رقم كبير جداً في المعارضة منذ فترة النظام السابق وحتى الآن، وقد يلعب دوراً كبيراً جداً في حال ساند الحكومة .
ووصف الاستراتيجي د. السر الحسن، مساعي الشيوعي بأنها تكرار للتجارب السابقة التي ذهبت بالحكومة الديموقراطية السابقة، بجانب أنها امتداد للحلول الجزئية، وأشار السر لـ(الصيحة) إلى أن الشيوعي ربما يعمل للحيلولة دون الوصول لمرحلة الانتخابات أن لم يكن الحزب في أفضل حالاته من حيث الجاهزية والاستعداد للمشاركة في الانتخابات القادمة، للحيلولة دون توسيع قاعدة الحكم عن طريق الانتخابات، ولكنه حتماً فإن تلك التدخلات لن تزيد قطع الطريق أمام المحاصصات السياسية، كما جرى في الفترة القليلة الماضية من عمر الانتقالية. وأضاف أن الشيوعي قد بات جلياً بأنه يعمل لأجل مصالح ذاتية تختص بأجندته السياسية وربما مع بعض القوى السياسية الأخرى في نطاق ضيِّق مع بعض الأطراف .