الصيحة: القسم الاقتصادي 21 يوليو 2022م
رسمت دراسة أعدها ثلاثة من خبراء البنك الدولي عن اتجاهات سوق العمل في السودان، صورة مقلقة، عن الأوضاع في البلاد، خاصة وسط النساء والشباب، ووصفت الدراسة التي حصلت عليها (الصيحة) وجاءت تحت عنوان “نحو اقتصاد أكثر شمولاً: فهم الحواجز التي تواجه النساء والشباب في الحصول على فرص عمل في السودان” شريحة النساء والشباب بأنهم “يعانون من حرمان اقتصادي شديد”.
وتناولت الدراسة بالبحث دور المؤسسات غير الرسمية والمؤسسات الرسمية والأسواق من حيث صلتها بقرارات الأسر التي تؤثر في النتائج ذات الصلة بتشغيل النساء والشباب في السودان، وبحثت -أيضاً- تراكم واستخدام رأس المال البشري وولاية المرأة على نفسها التي يمكن أن تحسن (أو لا تحسن) إمكانية الحصول على الفرص الاقتصادية.
وجمعت الدراسة النتائج التي خلصت إليها مع تحليل كمي للبيانات الخاصة بالمسح الوطني الأساسي للأسر المعيشية، والمسح القومي لميزانية الأسر المعيشية والفقر اللذين أجراهما في السابق الجهاز المركزي للإحصاء السوداني، بالإضافة إلى بحوث ميدانية نوعية أجراها فريق عمل الدراسة في ولايات الخرطوم والجزيرة وجنوب دارفور.
ارتفاع دون هوادة
وقالت الدراسة: إن في السودان، يواصل معدَّل الفقر ارتفاعه دون هوادة، ويزيد من تفاقمه تفشي البطالة، لا سيما بين النساء والشباب، ففي هذا البلد الذي يتسم بصغر أعمار سكانه – حيث تقل أعمار (60%) من السكان عن (25) عاماً – فإن قلة احتمال مشاركة الشباب في القوى العاملة أو حصولهم على فرص عمل مقارنة بالبالغين، أمر مثير للقلق لأنه ينطوي على تداعيات تتجاوز نقص الأنشطة المدرة للدخل بتأثيره على النسيج الاجتماعي والاقتصادي العام للبلاد.
وتشير الإحصاءات إلى أن معدَّل المشاركة في القوى العاملة لا يتجاوز نصف من تتراوح أعمارهم بين (15 و64) عاماً، أي أقل من المعدَّلات السائدة في العديد من البلدان الأفريقية المجاورة والخارجة من الحروب والصراعات. وفي المناطق الحضرية، بلغت معدَّلات البطالة بين الشباب (40%)، وترتفع تلك المعدَّلات بدرجة أكبر بين الشابات، حيث تتعرَّض النساء لتهميش شديد في سوق العمل بوجه عام. وبلغت مشاركة المرأة في القوى العاملة (33%) في عام 2014، مقابل (76%) بين الرجال، وكان احتمال أن تكون النساء بشكل عام عاطلات عن العمل أكثر من الضعف مقارنة بالرجال. ويزيد احتمال تشغيل النساء والشباب الذين يعيشون في المناطق الريفية على أربعة أمثال مقارنة بمن يعيشون في المناطق الحضرية.
الأكثر حرماناً
ومن الواضح أن هذه الصورة لا تبشِّر بالخير بالنسبة للنساء والشباب الذين يتطلعون إلى تحقيق مستوى معيشي لائق، ما يجعلهم أكثر الفئات حرماناً في سوق العمل السوداني. ولاكتساب معرفة أعمق بشأن المعوِّقات التي تحول دون زيادة مشاركة النساء والشباب في النشاط الاقتصادي من منظور العرض والطلب على الوظائف، وللمساعدة في توجيه التدابير المُتخذة على صعيد السياسات والبرامج، أصدر البنك الدولي مؤخراً تقريراً بعنوان “نحو اقتصاد أكثر شمولاً: فهم الحواجز التي تواجه النساء والشباب في الحصول على فرص العمل”.
في مؤخرة القائمة
تقل أعمار نحو نصف السودانيين العاطلين عن العمل عن (25) عاماً، وتشكِّل النساء النسبة الأكبر منهم، حيث يقل احتمال تشغيل الشابات بنسبة (55%) مقارنة بالنساء الأكبر سناً. وتُتاح للذكور، بغض النظر عن أعمارهم أو مواقعهم الجغرافية أو مستوى تعليمهم، فرص أفضل من الإناث للعثور على عمل. فالمرأة السودانية لا تتمتع سوى بأقل من ثلث الحقوق القانونية التي يتمتع بها الرجال في مناحي رئيسة تتعلق بإمكانية الاستفادة من الفرص الاقتصادية، ما يضع السودان بالقرب من المرتبة الدنيا على مؤشر تقرير “المرأة وأنشطة الأعمال والقانون 2021م” على مستوى العالم، غير أن النساء يواجهن قيوداً كثيرة تتجاوز الإطار القانوني والأعراف الاجتماعية، مثل القدرة على الحصول على التمويل وسلطة اتخاذ القرار. فعلى سبيل المثال، لا تزيد نسبة الشركات التي ترأسها نساء على (3%) في السودان، والشركات التي توجد النساء ضمن مالكيها الأصليين على (8%.).
ليسوا أفضل حالاً
وحسب الدراسة فإن الشباب ليسوا أفضل حالاً من النساء في مجال الحصول على فرص عمل، بل أسوأ في أحيان كثيرة. فعلى الرغم من انخفاض معدَّل البطالة بشكل عام من (13%) في عام 2009م، إلى (11%) في عام 2014م، فإن الشباب ما زالوا يعانون من ارتفاع معدَّلات البطالة، ولا سيما في المناطق الحضرية حيث يعاني (40%) منهم من البطالة. وهذا الاتجاه وفق ما قالت الدراسة، فيما يبدو يرتبط، في جانب منه على الأقل، بزيادة حركة الهجرة إلى المراكز الحضرية مثل الخرطوم. فعلى وجه التحديد، يهاجر شباب الريف والنازحون داخلياً الذين يعيشون في المناطق الريفية إلى الخرطوم بحثاً عن فرص عمل أفضل لتحقيق الدخل. لكن ما إن يصلوا إلى هناك، فإنهم يكتشفون أن مهاراتهم الزراعية، ومستويات تعليمهم المنخفضة عموماً، والأهم من ذلك “عدم وجود صلات ومعارف” لا تضاهي شباب الحضر في الخرطوم.
توصيات لازمة
أشارت نتائج الدراسة إلى عدة مجالات يمكن أن تساعد فيها السياسات والبرامج الموجهة الفئات السكانية الأكثر احتياجاً في السودان، ولاسيما النساء والشباب، على تحسين فرصهم الاقتصادية وأحوالهم المعيشية. ومن هذه المجالات تعزيز سبل الحصول على التمويل للنساء، وتحسين الحصول على فرص العمل في القطاع الزراعي وجودته، وربط جهود بناء رأس المال البشري بالأنشطة الرامية إلى تدعيم القدرة على الاختيار، وتحديد وتطوير المهارات المطلوبة التي تزيد فرص العمل في قطاع الخدمات وأنشطة ريادة الأعمال، وتهيئة بيئة داعمة تزيل القيود المتعلقة بنوع الجنس.
وقالت في نهاية التوصيات: إن اتخاذ هذه الإجراءات لن يساعد على تحسين قدرة النساء والشباب على الحصول على فرص العمل فحسب، بل سيسهم -أيضاً- في تحقيق النمو الاقتصادي والحد من الفقر في السودان ككل.