السودان يتقلَّب على جمر الفتنة الأحداث تتمدَّد.. الخرطوم ومدن أخرى على الخط
الخرطوم: آثار كامل 20 يوليو 2022م
خرجت جموع هادرة في مظاهرة سلمية انطلقت من منطقة مايو وسط الخرطوم مندِّدة بأعمال العنف التي جرت في ولاية النيل الأزرق التي راح ضحيتها عشرات الأرواح، فيما تصدَّت القوات الأمنية لها بجانب إغلاق الطرق المؤدية إلى القيادة العامة، فيما خرجت مظاهرات سلمية في ولايات أخرى تضامناً ورفضاً لما حدث في النيل الأزرق، وخرجت كسلا أمس الأول، بوقفة سلمية أمام مقر حكومة الولاية تعبيراً وتضامناً مع الأحداث في النيل الأزرق، ولكن سرعان ما تحوَّلت تلك الوقفة السلمية إلى أعمال عنف وحصار وإحراق عربات ومقار حكومية بالكامل، حيث تفجَّرت الأوضاع الأمنية بكسلا وتم حصار مباني أمانة الحكومة, وإحراق لدراجات نارية مواتر حكومية وتهشيم للسيارات بمباني المحلية، وحرق كامل لمكاتب التعليم ومكاتب الغرفة التجارية وديوان الضرائب مع انسحاب كامل للقوات النظامية, في الأثناء تم إخلاء سوق كسلا وإغلاق البنوك، وكانت السلطات أكدت أن الهدوء عاد إلى ولاية النيل الأزرق عقب الاشتباكات القبلية، وقال الناطق باسم الجيش السوداني نبيل عبد الله لـ(الجزيرة مباشر): إن السلطات تمكَّنت من إعادة الهدوء لولاية النيل الأزرق، وإنها تسيطر على الأوضاع، وذلك بعد الاشتباكات القبلية التي استمرت أياماً وأدت إلى سقوط قتلى وجرحى، وأضاف: إن السلطات فرضت حظراً للتجوُّل في الولاية وعزَّزت الوجود الأمني فيها منعاً لتجدد أعمال العنف بجانب تشكيل لجان تحقيق عبر النائب العام.
من المستفيد؟
وأبدى مراقبون استغرابهم من تمدُّد خارطة الاقتتال القبلي في الولايات وغياب الأسباب والدوافع، الأمر الذي يضع العديد من علامات الاستفهام حول تلك الأحداث، مشيرين إلى أن ما يحدث في النيل الأزرق وكسلا والخرطوم وغيرها أمر محيِّر ويؤسف له، ويبقى السؤال قائماً من المستفيد من تأجيج وإشعال الفتن وسفك الدماء؟ وما سبق لا ينفي أن هناك مصالح لفئات وجهات بعينها من مصلحتها عدم الاستقرار وهدوء الأوضاع، تلك الأحداث التي راح ضحيتها العشرات بين قتيل وجريح تعود إلى العديد من العوامل الاجتماعية والسياسية، فالمسألة معقَّدة ومتشابكة.
تحذيرات سابقة
وفي وقت مبكِّر حذَّر نائب رئيس مجلس السيادة، الفريق محمد حمدان دقلو، من مخطّط مدروس للاقتتال في السودان وأجندة داخلية لعرقلة السلام وفي ذلك حث الشعب السوداني على وأد خلافاته وتفويت الفرصة على المتربصين بالبلاد. ولم يكشف حميدتي عن الجهات التي تقف وراء هذا المخطط، لكنه أشار إلى عناصر لم يسمها لا ترغب في تحقيق السلام بالسودان، وتسعى لإشعال الفتن والنزاعات القبلية.
قلق الأمم المتحدة
وفي تغريدة على “تويتر”، عبَّر رئيس بعثة الأمم المتحدة لدعم الانتقال في السودان فولكر بيرتس، عن حزنه وقلقه إزاء أحداث العنف، وحث المجتمعات في النيل الأزرق على ضبط النفس والامتناع عن الانتقام، وفق تعبيره، ونجد أن النزاع الأهلي تجدِّد في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق عام 2011م، وقد تضرَّر بسببه نحو مليون شخص بعد تاريخ طويل من القتال بين 1983 و2005م.
البلاد لن تنزلق للفوضى
وقال رئيس أركان الجيش، الفريق أول ركن محمد عثمان الحسين: “إن القوات المسلحة لن تترك البلاد تنزلق إلى الفوضى”، وقال الحسين في كلمة خلال تلقيه تهاني العيد من قادة الجيش، أول أمس الاثنين: “لا تفريط في أمن البلاد ولا في تماسك القوات المسلحة”، معرباً عن أسفه لما حدث بإقليم النيل الأزرق. وأكد أن القوات المسلحة تتابع الأوضاع في المناطق المتأثرة بتداعيات الأحداث الأخيرة وتعمل على احتوائها بالتنسيق مع لجان الأمن، وشدَّد رئيس الأركان السوداني على عدم ترك البلاد تنزلق إلى الفوضى، مشيداً بالدور الذي تقوم به لجان أمن الولايات وقيادات الفرق بتنسيق تام لحفظ الأمن والاستقرار. كما أكد قدرة القوات المسلحة وجاهزيتها وأنها في أفضل حالاتها وقادرة على تأمين البلاد ومقدراتها.
ظواهر لا محل لها
قال المحلِّل السياسي د. مصطفى عبدالله في حديثه لـ(الصيحة)، إنه يرى أن الطائفية خطوة في ظلام الماضي وقيد مفروض على السياسة يكبِّل حركتها في اعتلاء سلم التطوُّر والحداثة، وأضاف بأن الناظر للساحة السياسية السودانية لا بد له من الإقرار بأن ثمة ظواهر عديدة لا محل لها من الإعراب تأخذ في النمو والتكاثر في سياق العديد من المتغيِّرات التي لازمت تفاعلاتها، بيد أن التفاعلات لم تأخذ طريقها أو نصيبها من التفحيص والتحليل، ولكن ظهرت الآن في النيل الأزرق وكسلا والخرطوم.
إذكاء الجهويات
ويرى المحلِّل السياسي محمد أحمد علي، أن تمدُّد أحداث العنف القبلي في العديد من الولايات وأقاليم البلاد يرجع إلى الضعف الكبير في التعامل مع الأوضاع الأمنية بصورة حاسمة ونتيجة لتراجع دور الشرطة بصورة غير عادية خلال الفترة الأخيرة لجهة أن الشرطة جهاز مدني ومنوط به التعامل مع مثل هذه الأوضاع خاصة في أقاليم مثل: النيل الأزرق وولاية كسلا، إذا استثنينا دارفور لطبيعة الصراعات المعقَّدة.
وأشار محمد أحمد في حديثه لـ(الصيحة) إلى أنه خلال الفترة التي أعقبت الثورة حاولت بعض الجهات إذكاء الجهويات بمحاولة إحياء أدوار الإدارة الأهلية وجرها من دورها الطليعي والمجتمعي إلى دفعها في باب الموازنات السياسية وليس بعيداً ما حدث في شرق السودان من تدخل المجلس الأعلى لنظارات البجا وإغلاق الشرق وتعطيل حركة الموانئ ما انعكس على الأوضاع في مختلف ولايات البلاد، ونوَّه محمد أحمد إلى أن تمدُّد الصراعات القبلية يرجع بصورة أساسية إلى إعادة توزيع الإمارات والنفوذ القبلي ما دفع قبائل الهوسا والفلاتة للمطالبة بنظارة في إقليم النيل الأزرق وهو ما أدى إلى اندلاع شرارة النزاع.