المجاعة.. الخطر القادم على الأبواب
الخرطوم: سارة إبراهيم 18 يوليو 2022م
الفجوة الغذائية في البلاد شهدت اتساعاً كبيراً خلال الثلاث سنوات، الأخيرة بسبب الاضطرابات السياسية والتدهور الاقتصادي المريع الذي طال جميع القطاعات، الأمر الذي زاد من حدة تفاقم الأزمة المعيشية للمواطنين.
الإمكانات الزراعية
وبالرغم من الإمكانات الزراعية الهائلة التي يتمتع بها السودان
إلا أن الانشغال بالوضع السياسي وترك الجانب الاقتصادي وعدم وجود خطة وبرنامج واضح لسد أو تخفيف حدة الفجوة الغذائية أوصل البلاد إلى الاقتراب من المجاعة التي باتت تهدِّد البلاد.
التصنيف المرحلي
وأظهر تحليل التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي متعدِّد الشركاء عن السودان، الذي نشرته منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة «فاو»، تدهور ظروف الأمن الغذائي في البلاد وبحسب التحليل، من المتوقع أن يعاني (11.7) مليون شخص، أي ما يقرب من ربع سكان البلاد، من موجة حادة من الجوع في سبتمبر، بزيادة تبلغ نحو مليوني شخص مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. ووفقاً لموقع أخبار الأمم المتحدة، فقد حذَّرت «فاو» من أزمة غذاء تلوح في الأفق في السودان نتيجة لآثار النزاع المسلَّح وانخفاض إنتاج المحاصيل الأساسية والاضطراب الاقتصادي. وسجلت ولايات غرب وشمال ووسط دارفور والخرطوم وكسلا والنيل الأبيض، والتي تعتبر الولايات الأكثر تضرُّراً من النزاع والتدهور الاقتصادي، أعلى مستويات انعدام الأمن الغذائي .
براثن الأزمات
وفي ذات السياق، قال باباغانا أحمدو، ممثل منظمة الأغذية والزراعة في السودان: إن هذه الأرقام المقلقة هي أوضح مؤشر على تدهور ظروف الأمن الغذائي في البلاد، مضيفاً: «وإذا ما أردنا حماية المزيد من السكان من خطر الوقوع في براثن الأزمات والظروف الطارئة وتجنُّب أزمة الغذاء التي تلوح في الأفق، فعلينا أن نضاعف الاستثمارات في إنتاج الغذاء المحلي لضمان أن تتمكَّن الأسر الزراعية والرعوية من توفير الغذاء لنفسها ولمجتمعاتها في الأشهر المقبلة.
الجوع والفقر
وفي بيان صادر عن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة 16 يونيو 2022م، بأن عدداً قياسياً يبلغ (15) مليون شخص، في السودان، ثلث السكان، يواجهون -حاليًا- انعدامًا حادًا في الأمن الغذائي.
وأوضح البيان أن “الآثار المجتمعة للنزاع والصدمات المناخية والأزمات الاقتصادية والسياسية وارتفاع التكاليف وضعف إنتاجية المحاصيل تدفع بملايين الناس إلى مزيد من الجوع والفقر”.
مرحلة الخطر
أكدت الأمانة الفنية للأمن الغذائي في السودان، رداً على تحذيرات لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، أن الوضع في البلاد لا يرتقي لمرحلة الخطر.
واستبعد مسؤول إدارة الأمن الغذائي بوزارة الزراعة حدوث مجاعة بالبلاد، وقال: خرجت في الفترة الأخيرة الكثير من المنظمات الأممية معلنة عن حدوث مجاعة في السودان وأنها سوف تكون في شهر سبتمبر المقبل، مبيِّناً أن الكثير من هذه المنظمات التي تعلن عن حدوث مجاعة لها أغراض وماَرب، موضحاً أن ارتفاع أسعار الغذاء عالمياً هذه الفترة سببه الصراع الروسي الأوكراني، لأن المنطقة التي تدور فيها الصراعات هي منطقة ذات إنتاج كبير وتمد العالم بالأغذية، مؤكداً على أن الصراع القائم بين روسيا وأوكرانيا أعاق وأوقف مد المناطق التي تمدها بالأغذية، وأضاف: مقابل ذلك هناك طلب عالٍ على الغذاء يؤدي لارتفاع أسعاره، وزاد: الارتفاع يؤدي لعدم قدرة فئات كثيرة من المجتمعات على الحصول على الغذاء وهو ما يسمى بالفجوات ويسبب ذلك انعدام القدرة على تمليك الأغذية والاستفادة منها بصورة أساسية، وأضاف: هذا هو الأثر الرئيس للصراع الدائر جنوب غرب آسيا بين جمهوريتي روسيا وأوكرانيا، مشيراً إلى أن الدول التي كانت تعتمد في استيراد الأغذية من تلك المنطقة هي الأكثر تأثراً بهذا الصراع وهي دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وقال: لا أستطيع القول إن الأمر يصل مرحلة المجاعة، مؤكداً أن الحصاد يؤتي ثماره من الإنتاج والمزارعون حصلوا على كميات كبيرة من القمح، ونحن الآن لدينا وفرة وليست مجاعة والإنتاج يتطلب من الدولة زيادة المساحة وتكثيف الإنتاج الزراعي بشقيه، وبناء مخزون استراتيجي للدولة بصورة سليمة يؤدي دوره في مثل هذه الحروب التي تدور في العالم، مؤكداً على أن المخزون الاستراتيجي واحد من العوامل المهمة في توفر الغذاء والإنتاج الكبير.
مخزون استراتيجي
وشدَّد على ضرورة وجود هيئة مستقلة ذات صلاحيات لبناء مخزون استراتيجي بصورة تضاهي الأجهزة الإقليمية لتخزين المواد الغذائية، وأضاف: الدولة التي تبحث عن الغذاء لشعبها هي التي توجد وتوفر عناصر مهمة لتوفير الغذاء كالمخزون الاستراتيجي.
أبعاد البيروقراطية
واستبعد أن تكون هناك مجاعة وإنما فجوات غذائية، وعزا ذلك لزيادة الاستهلاك أكثر من الإنتاج، وقال: الاستهلاك يغطي بالاستيراد لردم هذه الفجوة، وزاد: لا توجد دولة في العالم تكتفي بنفسها، مؤكداً تأثر السودان بالحروب في المناطق المنتجة وبالتالي على الدولة أن تعمل.
وقال الأمن الغذائي مسألة معقَّدة ومرحلة ليست مبنية على التمني، بل تحتاج لدراسة وتنسيق عالٍ وفعَّال وصحيح وسليم تدخل فيها كل الجهات الشريكة في عملية الأمن الغذائية، وأضاف: علينا أن ننظر للواقع ونصلحه، ودعا إلى أن لا نولي اهتمام بالتصريحات التي تأتي من أي جهة، داعياً إلى إصلاح الأراضي السودانية لزيادة الإنتاج وفتح أبواب الاستثمار الزراعي ووضع قوانين تشجيعية وإبعاد البيروقراطية التي تقف في وجه الاستثمار في سبيل زياد الإنتاج وبناء مخزون استراتيجي قوي يوفر الغذاء.
تحدٍ حقيقي
وفي ذات السياق قال الخبير الاقتصادي د. هيثم محمد فتحي: إن مشكلة نقص الغذاء تعتبر تحدياً حقيقيًا لعدة بلدان بالعالم ليس السودان فحسب، بسبب التغيُّرات المناخية والنزاعات الدولية الحالية والتي قبلها والهجرات من القرى والريف للمدن وإهمال الريف ومناطق الإنتاج عموماً.
انخفاض الإنتاج
ولفت فتحي، إلى علو صوت التحذيرات وقال إنها أصبحت واقعاً معيشاً في بعض مناطق السودان بسبب انخفاض الإنتاج الزراعي للمحاصيل الزراعية، ومنها الحبوب الغذائية بسبب التردي الاقتصادي وانخفاض سعر الصَّرف وعقبات تُواجه المُوسم الزراعي وتدني الإنتاج بسبب التكلفة العالية.
تراجع العملة المحلية
وأشار فتحي إلى المُشكلات التي يُعاني منها القطاع الزراعي برمته، مَا أدى لتصاعُد تكاليف الإنتاج ويؤدي إلى ارتفاع أسعار الحبوب المنتجة محلياً بسبب الانخفاض الكبير في قیمة العملة المحلیة، والتي لا تزال تفقد قيمتها في السُّوق المُوازیة، ونقص الوقود وارتفاع أسعار المدخلات الزراعیة، ما أدّى إلى تضخُّم تكالیف الإنتاج والنقل، مما يجعل توافر المحاصيل في الأسواق ضعيفاً بسبب التخزين.