مسيرة “30” يونيو.. استثمار التصعيد وخسائره
الخرطوم: جمعة عبد الله
دفعت قوى الحرية والتغيير يوم الأحد، بأحد أهم أوراقها بعد إعلانها التصعيد مع المجلس العسكري، واستهلمت تاريخ الثلاثين من يونيو لتنظيم مسيرة ينظر لها المراقبون على أنها سيكون لها تأثير في مستقبل العلاقة بين الطرفين، فيما ينظر لها آخرون على أنها لا تخرج عن التصعيد الذي لا يخدم القضية وأن ما يخدمها بالفعل هو التفاوض والحوار..
مليونية 30 أبريل
وانقضى يوم 30 يونيو، وهو يحمل كثير متغيرات على طرفي المعادلة السياسية في الوقت الحالي، المجلس العسكري الانتقالي من جانب، وقوى الحرية والتغيير من الجانب الآخر، ففي وقت راهنت فيه الأخيرة على سلاح المواكب والتظاهرات لفرض رؤيتها حول كيفية الحكم خلال الفترة الانتقالية التي ما تزال تفاصيلها ودقائقها طي الغيب، يرى المجلس العسكري أن البلاد تسع جميع بنيها ولا مجال لاحتكار فئة معينة وانفرادها بتسيد المشهد السياسي دون بقية المكونات السياسية بالبلاد.
الرهان على الشارع
وشكّل اختيار “قوى الحرية والتغيير”، ليوم الأحد اجترارًا للتاريخ وتوظيفه في الحراك الثوري، فبعد مسيرة السادس من أبريل المنصرم التي تحولت لاعتصام أسقط نظام الإنقاذ، تواصل الرهان على المواكب الجماهيرية في تبني رؤيتها الداعية لحث المجلس العسكري على تسليم السلطة للمدنيين، وهذه المرة أسمت موكبها “مليونية 30 يونيو”، وهو تاريخ لا يخلو من رمزية، حيث يتوافق مع ذكرى تسلّم الإنقاذ للحكم، وهذا المرة الأولى التي يمر فيها هذا التاريخ والإنقاذ “خارج الحكم”، وفي المسيرة تصدر تسليم السلطة للمدنيين والكشف عن ومحاسبة المتورطين في إزهاق الأرواح إبان فض اعتصام الثالث من يونيو مطالب القائمين عليها.
مستقبل المرحلة المقبلة
وستكون الفترة المقبلة مفتاحية وسانحة لتجاوز الخلافات والوصول للتوافق بين الطرفين حال إدراك الطرفين لأهمية وضرورة التوافق وعدم التصعيد.
حيث يؤكد المجلس العسكري أنه ليس ضد الجماهير ولا ضد الثورة، بل هو حارس وضامن لنجاحها بحكم كونه شريكاً فاعلاً في التغيير الذي تمّ، ويتمسك بالبقاء لحماية البلاد وضمان عدم انزلاقها لمستنقع الفوضى، وأن تقتصر الفترة الانتقالية على تهيئة البيئة المناسبة لإقامة انتخابات حرة ونزيهة ومراقبة دولياً، وأن تتشكّل حكومة انتقالية بالشراكة مع المجلس.
ولكن الرؤية التي تتبناها قوى الحرية والتغيير تتجاوز ضرورات المرحلة، حيث تطالب بصلاحيات من المفترض أن الحكومة المنتخبة هي الأحق بها، وهي القادرة على إنجازها، ولكن قرائن الأحوال تشير إلى أن استخدام سلاح الإضراب والتصعيد لن يؤدي لفرض هذه الرؤى على البلاد وما من حل سوى الشراكة وتعزيز مناخ الثقة بين مختلف أطراف المعادلة السياسية وعدم الإقصاء.
الاستثمار والخسائر
وأضافت التظاهرة، للمجلس العسكري فرصة أن يرى قوى الحرية والتغيير وهي تدفع بأحد أهم أوراقها وتستخدم سلاح التظاهرات والمواكب، وهو سلاح وعلى فعاليته، فإن فقده سيكون ذا تأثير سلبي لا يمكن تعويضه، كما كانت التحرشات التي تمت بالقوات الأمنية كسباً للمجلس وأكسبته تعاطف بعض الناس بعد تسجيل إصابات وسط أفراد الدعم السريع وهو ما يتنافى مع شعار السلمية الذي ترفعه قوى الحرية والتغيير.
وبالمقابل، عزّزت المسيرة الرأي القائل بأن تجاهل مطالب الشباب الثائر الذي كان وقوداً للتغيير ليس في مصلحة البلاد، ومن شأن الإعراض عن وجهة نظرهم أن يؤدي لاستمرار السخط الجماهيري على الوضع السياسي وما يعقبه من قيام تظاهرات لا تتوقف مع ما يصاحبها من فوضى وانفلات وإغلاق للطرق وتعطيل حياة الناس.
وعلى الضفة الأخرى، حيث قوى الحرية والتغيير، بينت بالفعل مقدرتها على الحشد والتعبئة الجماهيرية، دون أن تغفل أن ذلك لوحدها غير كافٍ للدفع بالعملية السياسية المتعثرة للأمام، فلا مناص من التفاوض مع المجلس العسكري، وقبل التفاوض لا بد أن تعي أنهما شريكان لا – خصمان لدودان.
تكوين حكومة
ويرى المحلل السياسي البروفيسر حسن الساعوري، أن “التصعيد ليس في مصلحة البلاد”، وقال إن إحداث توافق بين الطرفين وتكوين الحكومة الانتقالية هو ما يهم الشعب السوداني راهنًا، موضحاً أن تطاول السجال بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير يخسر من المواطن أولا وأخيراً، وحذر من خطورة استعداء أي طرف للآخر وسيادة مناخ الشك وعدم الثقة.
وقال الساعوري لـ “الصيحة”، إن الجماهير هي الفاعل واللاعب الرئيسي الذي لا يجب على أي طرف غض الطرف عنه، مشيراً إلى أن مطالب الجماهير لا تتعارض مع خلافات الطرفين، حيث أنها مطالب منطقية وواقعية وليست مستحيلة التحقق، حيث أن المجلس العسكري غير رافض لتسليم السلطة للمدنيين ولا يرفض تكوين الحكومة المدنية بقدر ما هي خلافات بينه وبين قوى الحرية والتغيير حول تفاصيل وشكل الحكومة المرتقبة وصلاحياتها ومدة الفترة الانتقالية، والخلاف الأهم وهو من يشارك في الحكومة الانتقالية ومن لا يشارك فيها.
ودعا الساعوري لأن تكون مفاوضات المرحلة المقبلة موفورة بالثقة وقائمة على روح الشراكة التي تضع مصلحة البلاد العليا فوق كل اعتبار وليس الاستعداء حيث لا مصلحة للثورة في استعداء العسكر وهم شركاء في التغيير.