محاذير قبل الاتفاق ..
في ظل تكتّم مُطبق وحذرٍ كاملٍ ، تجري المفاوضات بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير بعد انقطاع دام أسابيع، ويبدو أن الطريق المسدود الذي وصلا إليه، والجهود الحثيثة من الوساطة الأفريقية والأثيوبية التي تجد دعماً دولياً، هي التي قادت إلى استئناف التفاوض الذي قد يصل إلى نتيجة في غضون أيام قليلة، كما أشار الوسيط الأفريقي الأثيوبي المشترك، رغم ذلك، لا يُبشّر واقع الحال بأن اتفاقاً وشيكًا قد يُبرَم، وقد يكون في نهاية الأمر هو اتفاق الضرورة، وهو بالطبع يختلف تماماً عن الاتفاق الذي يتم التراضي عليه بروح وطنية طيّبة، وأيضاً لا يُمكن أن يتوفّر مناخ مُعافى وطيّب للشراكة السياسية بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير في ظل التصعيد ولغة الخطاب المملوءة بالكراهية وعاطفة النشطاء السياسيين قليلي التجربة والخبرة .
هناك قضايا مطروحة على طاولة التفاوض من العسير المرور من عقباتها بسهولة، وحتى لو تم الاتفاق حولها ستكون الفترة الانتقالية مليئة بالخلافات والتنازُع خاصة أن الطرفين لا ينطلقان من برنامج مُوحّد، ولا فكرة وتقديرات واحدة، وما تراكَم من خلاف سينعكس بلا أدنى شك على علاقة الشريكين المُحتملين، ومن غير المتوقع أن يتوافَق ويتناغَم الإيقاع وتنسجم المواقف وتتطابَق إذا لم تكُن مُنطلقات الإرادة السياسية هي ذاتها، والأهداف مُتفاهَمٌ عليها وبرنامج الفترة الانتقالية محل تفهُّم واتفاق.. فمن السهولة تجاوُز قضية نِسَب المشاركة في مؤسسات ومستويات الحُكم في الفترة الانتقالية، لكن من الصعوبة بمكان تنسيق العمل المُشترك ووضع برنامج مُوحّد وواضح ومُتّفق عليه لكيفية إدارة الفترة الانتقالية .
إذا كانت قوى إعلان الحرية والتغيير تُطالب بمُناصَفة في المجلس السيادي أو أغلبية فيه، وتُريد حتى دوريّة الرئاسة، فمن الواضح أن حُجَّة المجلس العسكري أقوى في هذه النقطة ولذا فإن كل المقترحات من الأطراف التي تُقدّم وساطتها سواء كانت من الداخل أو الخارج تُركّز على المُحاصصة في المجلس السيادي، والمُضحك أن هذا التحالُف السياسي الذي يتطلَّع للسلطة يُريده مجلساً تشريفياً بصلاحيات منقوصة، لكن يصر عليه ويسعى في سبيله، فإذا ما قدّم المجلس العسكري تنازُلاً وقَبِل بالمناصفة والرئاسة الدورية و(هذا مُستَبعَد) ، فإنَّ هذه المُناصفة كما صرَّح رئيس ونائب رئيس وأعضاء المجلس العسكري في مناسبات مختلفة، أن هذه القسمة ستكون في مؤسسات الحكم الأخرى مثل مجلس الوزراء والمجلس التشريعي الانتقالي، وهنا سيَطِل رأس الشيطان عند مناقشة هذه التفاصيل بالإضافة إلى التفاصيل الأخرى المُتعلّقة بمهامِ المجلس التشريعي وكيفية تكوينه والمعايير الدقيقة لاختيار شاغلي المناصب الوزارية وأعضاء المجلس السيادي .
من الخطورة بمكان بالطبع في الفترة الانتقالية هذه البِدَع السياسية التي لا تقبل بها دولٌ كثيرة تُقدّم وساطتها ودول القارة ، فلم نسمع بمجلس سيادي مختلط من هذا النوع المطروح، ولا مجالس تشريعية تتجاوز مهامها مقتضيات الفترة الانتقالية والرقابة على أداء الجهاز التنفيذي الذي يتشكّل خلال هذه الفترة، وما لا يعلمه كثيرون أن بعض الأطراف الخارجية وفي سبيل إشاعة حالة السيولة السياسية والأمنية في البلاد، تُشجّع وتدفع بالكثير من المقترحات وتضغط على كل الأطراف حتى تأتي وتُصاغ الفترة الانتقالية، وما يتمخّض عنها خادمة للأهداف الإستراتيجية للقوى الخارجية التي لا تُريد السودان قوياً مُتماسِكاً له دور إقليمي وقارّي ودولي في المستقبل .
وشيء آخر، القوى السياسية الأخرى تُراقب وتنتظر ما الذي يفعله الشريكان المُحتملان في حال اتفقا وحدهما على تقاسُم إدارة الفترة الانتقالية وأقصيا بقية المكونات السياسية والاجتماعية، ستكُر بلا شك المِسبحة مرة أخرى وتجِد الحكومة الجديدة معارضة قوية وسيخرُج الشارِع الذي ليس ملكاً لأحد، فهل ستُجدي شعارات الحرية والسلام والعدالة في حفظ الأمن والتوازن وحدها، أم ستكون هناك تدابير أخرى، فقبل أي اتفاق لابد من من النظر إلى شيء واحد أن الآخرين غير الحرية والتغيير لديهم وجود ودور ونصيب، فمن يضمن هذا النصيب في كل مُستويات الحُكم ومؤسسات الدولة..؟