تقرير: مريم أبَّشر. 17 يوليو2022م
بناءً على قرار صادر من رئيس مجلس السياده الانتقالى عبد الفتاح البرهان، تم اعتماد تعيين خمسة من السفراء من الأجهزة الرسمية، الجيش، الشرطة، جهاز الأمن والمخابرات، وأوكلت لهؤلاء السفراء من الجنرالات مهمة رئاسة سفارات محدَّدة بدول الجوار، وهي مناطق ملتهبة وذات خصوصية في المنطقة الإقليمية.
تعيين سفراء من العسكر لرئاسة البعثات، بعد فراغ دبلوماسي عاشته جل سفارات السودان بالخارج لما يقارب العامين، وتعيين هؤلاء السفراء العسكر لإدارة الشأن الدبلوماسي بدول الجوار خاصة وأن بعضها يحتاج لتعامل دبلوماسي خاص، قوبل بنقد واستهجان كبير من قبل قطاع واسع من المحللين السياسيين والدبلوماسيين على وجه الخصوص، مشيرين إلى أن التجربة السابقة أثبتت فشل معظم العسكريين في إدارة الشأن الدبلوماسي وأن ما تحقق من إنجاز لبعضهم تم بفضل وجود كوادر دبلوماسية مدرَّبة تجيد العمل الدبلوماسي وشأن العلاقات الدولية .
قائمة الجنرالات
وبحسب ما أورده موقع (ناس برس) الإخباري من مصدِّر رفيع بوزارة الخارجية فإن قائمة السفراء الجنرالات شملت ضباط من الجيش، الشرطة وجهاز الأمن وضمت القائمة: الفريق أول ركن جمال عبد المجيد، سفيراً لدى دولة جنوب السودان، الفريق فتح الرحمن محي الدين صالح، سفيراً لدى أريتريا، الفريق شرطة عثمان يونس، سفيراً لدى تشاد، وأن جنرالات آخرين سيتم ترشيحهم سفراء في كل من: ليبيا وأفريقيا الوسطى .
عسكرة الوظائف
واعتبرت قوى إعلان الحرية والتغيير أن تعيين البرهان، 5 جنرالات سفراء في وزارة الخارجية، يكشف نوايا الانقلاب الحقيقية في الهيمنة على جميع مناحي الحياة وعسكرة وظائف الدولة.
وقالت الحرية والتغيير، في بيان أصدرته مؤخراً: “إن المرسوم يوضح تناقض الأحاديث المتكرِّرة التي ترد في خطابات قائد الانقلاب منذ الرابع من يوليو، بابتعاد الجيش عن السياسة وعودته للثكنات، وتكشف مثل هذه القرارات النوايا الحقيقية في الهيمنة على جميع مناحي الحياة، وعسكرة الوظائف المدنية، بما في ذلك العلاقات الخارجية التي تعتبر من صميم مهام الحكومة التنفيذية”.
وأضافت: “يعيد هذا المرسوم منهج التمكين في التعيين الذي انتهجه نظام الإنقاذ المباد دون أية أسس أو معايير وتقديم الوظائف الرفيعة مكافآت لبعض الذين قدَّموا خدمات للنظام، غض النظر عن ضعف قدراتهم وعدم أهليتهم الفنية لهذه الوظائف، وإن مثل هذه القرارات تتضرَّر منها البلاد وتهز صورتها في الأوساط الإقليمية والدولية”.
يذكر أن البرهان أعلن في الرابع من يوليو إن الجيش لن يشارك في العملية السياسية التي تيسِّرها الآلية الثلاثية بغرض إفساح المجال للقوى المدنية للاتفاق على حكومة تنفيذية، بعدها يحل مجلس السيادة ويشكِّل مجلساً أعلى للقوات المسلحة ليمارس مهام تتعلق بالأمن والدفاع والسيادة والعلاقات الخارجية،
ورفضت أغلب القوى السياسية وعلى رأسها الحرية والتغيير ولجان المقاومة التي تقود الاحتجاجات ضد الانقلاب، حديث البرهان وأعلنوا تمسُّكهم بمطلب إعادة الجيش إلى الثكنات وحكومة حكم مدني.
وقالت الحرية والتغيير: إن تعيين 5 ضباط متقاعدين في مناصب سفراء يثير القلق جراء التوجه الواضح في ترجيح المعطى الأمني العسكري على حساب قواعد العمل الدبلوماسي، مؤشراً لعودة السودان مجدَّداً لدائرة الصراعات الإقليمية والخارجية، عوضاً عن دوره بعد ثورة ديسمبر المجيدة في تسخير العمل الدبلوماسي لتعزيز الاستقرار والسلام في المنطقة.
وتابعت: “لعل خطورة هذا التوجه أن بعض العناصر المرتبطة بزعزعة استقرار الإقليم لا تزال نافذة وحاضرة كما تعاني البلاد نفسها من تضارب توجهاتها الدولية والإقليمية بين قادة الانقلاب أنفسهم”.
وكشفت المعلومات عن أن العسكريين الخمسة سيشغلون مناصبهم في كل من دول تشاد، إفريقيا الوسطى، ليبيا، أريتريا، وجمهورية جنوب السودان وإن الأخيرة وافقت رسمياً على تعيين الفريق أول جمال عبد المجيد سفيراً لدى جوبا.
إجراء عادي
دبلوماسي -فضَّل حجب اسمه- اعتبر التعيينات السياسية التي تتم بوزارة الخارجية سواءً من العسكريين أو غيرهم إجراء عادي ومطبَّق حتى في الدول العظمى، وأضاف المصدر لـ(الصيحة) إن هذا النمط من التعيين بخلفيات مختلفة قد تقتضيه طبيعة المرحلة والبلد المراد الترشيح لها، وأضاف: بعض الرؤساء في الولايات المتحدة يلجأون لتعيين عدد كبير من الدبلوماسيين والسفراء أثناء توليهم للمهام، واعتبر المرحلة التي تمر بها البلاد دقيقة، وأن البلاد المراد شغل بعثاتها بعسكريين طبيعة التعاون والعمل فيها عسكري أكثر من كونه دبلوماسي وأن السفير المرشح ينبغي أن يكون إلمامه بالملفات العسكرية أكبر وأعمق وأن الدبلوماسيين الذين يساندونه مهمتهم تلطيف الأجواء وأن الدول المختارة للجنرالات ليكونوا رؤساء لبعثاتها الدبلوماسية تحتاج بالفعل لتلك المواصفات العسكرية أكثر من الدبلوماسية على حد تعبيره.
لا غبار ولكن !
وظائف العمل في السلك الدبلوماسي خاصة في الدرجات الوظيفية العليا مفتوحة لكل التخصصات باعتبار أنهم اكتسبوا خبرة في العمل العام وحتى في الدرجات الوسيطة يتم التعيين وهو نظام تقليدي متبع، هذا ما يراه الخبير في العلاقات الدولية الدكتور عبد الرحمن أبو خريس، الأستاذ بالجامعات، ويضيف إنه في العموم الرئيس أو الملك هو من يعيِّن ويعتمد التعيين حتى أصحاب المهنة أنفسهم وهو من يختار الخلفيات المهنية سواءً سياسية اقتصادية أمنية أو عسكرية وفق ما تتطلبه المحطة المراد ابتعاث السفير لها، ويعتقد أن فتح السفارات في حد ذاته يتوقف على حجم العاملين فيها ومستوى درجاتهم الوظيفية على حجم التعاون والعلاقات معها، وزاد: إن دول الجوار دول ذات خصوصية بعضها توجد فيها نزاعات يتأثر بها السودان من نزوح ولجوء وغيره، ويرى أن اختيار سفراء بخلفيات أمنية وشرطية وعسكرية اختيار موفق، غير أنه كان من المفترض أن تتم مشاورات حول عمليات الاختيار وفق الإجراءات المعروفة التقييم من خلفيات وملف سري حتى يكون من يتم اختياره يستحق أن يمثل السودان بالبلد المعنى.
خطل
السفير والخبير الدبلوماسي نصر الدين والي، قال إنه ضد تعيين أي من العسكريين سواءً من القوات المسلحة أو الشرطة أو جهاز الأمن. وأن الضابط لن يتحوَّل مطلقاً بين ليلة وضحاها، لدبلوماسي، دعك عن سفير، وتساءل ولماذا يعيَّن ضابط في وظيفة سفير؟ ولماذا يكافأ الضابط بالتعيين في وظيفة سفير “حصراً” أصلاً؟ ولا يكافأ بقية السودانيين الذين اكتسبوا خبرات ضخمة ومتفرِّدة في المجالات الحيوية الأخرى في وظائف بالدولة بعد بلوغهم سن التقاعد؟
وقال والي في حديث له على صفحته بـ”فيسبوك” بأن هنالك سودانيون تتكالب الدول والمنظمات الدولية والإقليمية والمؤسسات المالية الدولية على استقطاب خبراتهم التي يرفدون بها المجالات الحيوية بقدر مذهل من التميُّز. وقال: إن للجيش تضحيات وطنية جسام، ويحفظ التاريخ السوداني ويشهد ويحفل بوطنية الجندي السوداني، ليس في الزود عن حياض الوطن فحسب، بل في الحرب العالمية والحروب الأخرى، ويرى أن هنالك اختلاف في منهجية وظيفة كل من الضابط والسفير، فالضباط عقيدته المهنية هي التخطيط لإدارة المعارك العسكرية، بينما الدبلوماسي والسفير يتربى على مهنة تقوم على أساس ابتداع الطرق الدبلوماسية لتجنب الاحتراب، وهذا تعاكس جذري ولا يحتاج لتفكير عميق لتبين ذلك الفرق.
وقال إنه ومن واقع تقييمه الشخصي لم يسبق أن نجحت أي تجربة تعيين سفير من العسكريين في وزارة الخارجية بشكل متكامل من وجهة النظر الدبلوماسية، بالعودة بالمصلحة المبتغاة وبشكل كلي للسودان، هذا مع تقدير لقلة محدودة من العسكريين الذين تم تعيينهم في وظائف سفراء، ممن تواضعوا وسعوا لتوسيع معارفهم بالاستفادة من خبرات السفراء والدبلوماسيين المهنيين الواسعة وتوظيفها بما يعود بالنفع في إدارة الشأن الدبلوماسي، وأضاف: إذا نظرنا إلى أن أي تعيين في العهود العسكرية كافة التي تعاقبت على السودان والذي جرى كان هدفه التعيين في منصب السفير بالسفارات أو البعثات، وليس رئاسة الوزارة، لأن تعيين العسكريين معني به بدرجة “واحدة” هو منصب السفير بالخارج.
واعتبر التعيين الأخير خطل يجافي المصلحة الوطنية تماماً، بل إنه من المخزي أن يمثل الثورة بعض العسكريين كسفراء في دول الجوار، وهم أناس ورهط من ضاربي الدفوف، وبعضهم لم يفعل شيئاً سوى الإطلالة عبر شاشات التلفزة العربية دفاعاً عن الانقلاب والانقلابيين.
ويرى والي أنه كان حري أن السفراء الذين اكتووا بوطأة الفصل التعسفي في عهد الإنقاذ وأعادتهم الثورة، وأحيلوا للمعاش بعد انقضاء أقل من عام من عودتهم المستحقة لمهنتهم التي دخلوا باقتدار “وليس بالتعيين”، وكان الأحرى أن يشمل إعادة تعيينهم التمديد لهم فوق السن المعاشية تعويضاً لهم.
ويعتقد أن مفهوم تعيين سفراء عسكريين “تحديداً” لدى دول الجوار خطأ استراتيجي. وقال: إن مفهوم الجوار، يتطلب حنكة ودراية وخبرة دبلوماسية أكثر، بل وتفوق التعاطي مع بقية الدول حتى للسفراء المهنيين.