تجدُّد الصِّراعات القبليّة.. من يسعى لزعزعة الاستقرار في السودان؟
تقرير: نجدة بشارة. 17يوليو2022م
في تقرير أعده معهد تنمية أفريقيا، جامعة (كونويل) سابقاً عن ثورة السودان, قال فيها الكاتب: “سيمضي وقتٌ طويلٌ قبل أن تلتئم الجراح العميقة التي سببها النظام المباد، ولا يمكن لجراح السودان الناتجة عن مآسيها السابقة أن تلتئم طالما سُمح لأولئك الذين يُلحقون بها الظلم من المطلوبين جنائياً بالإمعان بظلمهم بدون عقاب، وطالما استمر المجتمع الدولي بإطلاق الوعود”. ما ورد في التقرير ربما يمثل جزءاً من الواقع, إذ أن الصراعات القبلية في جميع أقاليم السودان والتي رجّح خبراء سابقاً بأنها صنيعة النظام البائد, ظلّت تتجدّد بين الفينة والأخرى، حتى بعد توقيع اتفاقية السلام أكتوبر 2020م، بين الحكومة الانتقالية وحركات الكفاح المسلح والتي أنهت عقدين من الصراع السياسي, لكن مؤخراً عادت هذه الصراعات وطفت بكثافة في السطح مما آثار التساؤلات عن لماذا تجدَّد الصراع بعد عامين من توقيع اتفاق السلام، ولماذ اتخذ الصراع شكلاً مختلفاً، حيث تحوَّل إلى اشتباكات قبلية بين القبائل هنا وهناك، هل هنالك أيادٍ لها مصلحة في استمرار الأزمة بإقليم دارفور وولايات كردفان، وشرق السودان، والنيل الأزرق؟ أم أن الصراع القبلي له دوافع أخرى تتمثل في الموارد مثل الكلأ والمرعى؟ وماهي الدوافع من تأجيج الصراع القبلي في النيل الأزرق؟ وهل هناك روابط بين هذه الولايات ؟ وإلى أي مدى قد تؤثر هذه الصراعات على استقرار المركز، وعلى التجربة اللا مركزية؟ ما وراء الحدث.
لقد اندلعت اشتباكات قبلية مؤخراً في ولاية النيل الأزرق، أدت إلى قتل 31 شخصاً، وجرح آخرين من الطرفين . حيث وقعت الاشتباكات بين قبيلتي البرتا والهوسا، في قتال استخدمت فيه الأسلحة النارية”، قبل أن ترتفع الحصيلة لاحقًا. وكشف مصدر لـ(الصيحة) أن الاشتباكات نشبت بين القبيلتين قبل أربعة أيام في منطقة قيسان الحدودية مع إثيوبيا، وتبعد حوالي ألف كيلومتر، جنوب شرق الخرطوم. وقال مسؤول طبي بمستشفى الدمازين إنه “وصل إلى المستشفى أكثر من 40 جريحًا، بعد أن امتدت المواجهات إلى منطقة ود الماحي”حتى مساء أمس السبت. ووجّه المسؤول نداءً للتبرع بالدم نتيجة النقص الذي يعانيه مستشفى الدمازين. بينما قال قيادي من قبائل الهوسا وفقاً لوكالات إخبارية “طالبنا بأن تكون لنا إدارة أهلية، ورفضت (قبائل) البرتا ذلك . من جهته، رد قيادي من البرتا قائلًا: “إن الإدارة الأهلية تعطي لصاحب الأرض وهذه أرضنا، كيف إذن نعطي الإدارة للهوسا”. ودعت لجنة أطباء السودان المركزية في بيان لها “الكوادر الطبية والصحية (في النيل الأزرق) إلى الاستجابة السريعة وأداء واجبهم المهني والأخلاقي رغم شح الإمكانات”. وأضافت اللجنة أن “هذه الأحداث المؤسفة وقعت وسط صمتٍ مريب وتعتيم إعلامي من حكومة ولاية النيل الأزرق، وعجز تام عن القيام بواجبها القانوني ومسؤولياتها الأخلاقية والإنسانية تجاه المواطنين”، على حد وصف البيان. أين السلام؟ ومنذ 25 أكتوبر الماضي، تشهد بعض مناطق السودان -على رأسها إقليم دارفور- نوعًا من الفراغ الأمني خصوصًا بعد إنهاء مهمة قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في الإقليم إثر توقيع اتفاق سلام بين الفصائل المسلحة والحكومة المركزية، عام 2020م. وفسَّر عضو لجنة إزالة التمكين المجمَّدة صلاح منَّاع، ما يحدث في النيل الأزرق بأنه امتداد لفوضى تصحيح المسار بانقلاب ٢٥ أكتوبر، وفشل مالك عقار في جلب السلام ودليل أن اتفاق جوبا صنع مناصب للقيادات وغيَّب السلام وبعث بروح العنصرية التي غابت عن عقول الشباب الواعي، الذين قادوا الثورة وهم نبراس الوحدة الوطنية وهم أحق بحكم السودان.
أيادي خفية
يقول المحلِّل السياسي والمراقب للعملية السلمية في دارفور عبد الله آدم خاطر لـ(الصيحة): إن الصراعات القبلية والإثنية في السودان ارتبطت بالصراع حول الموارد والحواكير، وأوضح : بعد ثورة ديسمبر وسقوط النظام المباد، وتوقيع اتفاقية السلام في أكتوبر 2020م، هذه التغيُّرات الجوسياسية أوجدت شكلاً جديداً للصراع في ولايات دارفور، حيث أصبحت بعض حركات الكفاح الموقعة على السلام باتت طرفاً خفياً في تأجيج الصراعات القبلية لأهداف الطموح الاقتصادي، والمصالح مثلما حدث في غرب دارفور، وفي شرق السودان، وقال: إن الأحداث في النيل الأزرق لم تكن بعيدة عما حدث في هذه الولايات، ولم يستبعد خاطر وجود أيادي خفية تسع لتأجيج الصراع بين هذه الإثنيات، لا سيما في ظل انعدام الأمن والاستقرار السياسي في البلاد، وزاد : ربما هذا ما يفسر تحوُّل الصراع من موارد إلى صراع قبلي سياسي.
مخاوف وهواجس
وعبَّر مراقبون ومحلِّلون عن قلقهم من تجدُّد الصراع في النيل الأزرق وولايات السودان الأخرى وتوقعوا أنه وفي ظل السيولة الأمنية فمن المتوقع أن ما حدث في الأيام الماضية من صراعات قبلية في غرب دارفور، الشرق، كردفان، النيل الأزرق ربما هو الجولة الأولى من الأزمة وسط تكتم إعلامي مارسته السلطات، والحقيقة أننا ربما أمام مشروع حرب أهلية سببها اتفاق جوبا.
غياب هيبة الدولة
وقال المحلِّل السياسي عيسى مصطفى: إن القتال والنازعات والحروب والصراعات والخلافات أصبحت هي السمة البارزة في السودان، وأضاف: ازدادت وتيرة الحروب القبلية والإثنية وتكاد تكون عمت معظم أقاليم السودان وأرى أنها أصبحت مهدِّداً لتماسك مكوِّنات المجتمع السوداني وسلمه وأمنه القومي وبدورها يمكن أن تكون مهدِّداً لوحدة وتماسك السودان، وأوضح بأن أبرز أسباب اتساع رقعة الحروب القبلية والإثنية وارتفاع وتيرتها هو عدم وجود حكومة وحكومتها، إقليمية أو ولائية ومحلية وغياب هيبة الدولة وسيادة حكم القانون، وأن الفراغ الحكومي واحد من أخطر المهدِّدات التي قد تقود البلاد إلى الانهيار، ففي ظل تلاشي هيبة الدولة وأجهزتها وغياب الحكومة وأجهزتها وعجزها عن توفير الحماية وفرض الأمن والقانون تصبح القبيلة والإثنية هي الحامي لأفرادها وبذلك تتشكَّل شبه دويلات وجيوش داخل الدولة ويصبح السودان عبارة عن دولة كيانات مشكلة من شبه دويلات وجيوش متنافرة ودولة الكيانات القبلية مصيرها الزوال .
وأضاف : أيضاً هنالك أسباب أخرى لدوامة الحروب القبلية والإثنية منها الجهل وغياب التنمية بما فيها التنمية البشرية والتربية الوطنية –أيضاً- منذ التغيير والثورة وإلى اليوم كل الحكومات ومعظم الفاعلين في المشهد ومعظم القوى السياسية اختصرت نظرتها للسودان في الخرطوم فقط، وطرح الحل بأن المطلوب أن يمتد ظل الدولة في كل شبر من السودان وتفرض هيبتها بسيادة حكم القانون وأن تشكَّل حكومة قوية في أعجل ما يكون تحفظ الأمن والاستقرار والسلام في البلاد وتزيل وتعالج الأسباب التي تقود إلى الصراع والحروب علاج جذري وتهتم بخدمات المواطن وقضاياه، وكذلك تشكيل الحكومات الولائية وإنهاء حالة اللا حكومة والولاة المكلفين هذه .
مضيفاً : واحدة من أسوأ الاستخدام للقبيلة والإثنية الزج السالب بها في مضمار السياسية والصراعات السياسية. نحن بحاجة إلى أن تودع بلادنا عهد الحروب والاقتتال والقبلية والإثنية والجهوية إلى عهد النهضة والتطوُّر ولن يتحقق ذلك إلا عبر المشروع الوطني وبناء دولة الوطن.