أعجبت بتنظيم لقاءين منفصلين في يوم واحد خاطبهما رئيس المجلس العسكري الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان ونائبه الفريق أول محمد حمدان دقلو، الأول بأمبدة، والآخر بجبل الأولياء وهي مناطق مأهولة بالذين أجبرتهم الحروب والأزمات على الهروب من مناطقهم الغنية إلى العيش في هامش المدينة وحواف حواريها وأحيائها الطرفية.
نجح المجلس العسكري الانتقالي في انطلاقة عمله بمخاطبة اهل القضية ويتزامن هذا الحراك مع تحركات جادة من كل الأطراف إلى الوصول إلى تسوية عادلة في استكمال سلام دارفور والمنطقتين وهي مناطق فرضت نفسها في صناعة الأزمات السودانية وتدويلها وكثير من المجتمع الدولي يستثمر فيها للضغط على البلاد وحكوماتها المتعاقبة، مستنداً على حملة السلاح والمتمردين من أبناء الهامش السوداني. فشلت معارضة اليسار في مخاطبة قضيتهم عندما لاح لها أفق الحكم عقب التأخير الأخير، فشلت في مخاطبة الشعب السوداني وأهل الهامش بقضيتهم وضروراتهم الحياتية من خلال خطاب وجداول الاحتجاجات التي يصدرها تجمع المهنيين المُحرَّك من الحزب الشيوعي السوداني من حيث يدري لا يدري.
فشلت قوى اليسار في تصميم خطاب يناسب أهل الهامش الذين يتاجرون بقضاياهم ليل نهار داخلياً وخارجياً، ويسوقونها للمنظمات والمخابرات العالمية للتكسب.
الإنقاذ رغم المأخذ عليها لكنها وضعت للهامش وأبنائه اعتبارا وأتاحت لهم مساحات الحكم، وقدمتهم حكاماً نجح بعضهم وأخفق أخرون برغم العثرات والتكتلات لكنها كانت الأفضل من بين فترات الحكم ومراحله السابقة.
فشلت العلمانية اجتماعياً وأخلاقياً في دول أوربا وأمريكا نفسها لا سيما إذا استصحبنا مفهوم الدين، أما فشلها في بلاد المسلمين فلا يحتاج إلى دليل، وهو أوضح من التدليل عليه..
برغم أن كثير من التيارات الإسلامية لديها أخطاء كارثية ويحاول العلمانيون إلصاقها بالإسلام ذاته، إلا أن هذا الأمر لا يلقى قبولاً لدى القطاع الأكبر في المجتمع الإسلامي والسودان نموذجاً.
وهذا ما دفع العلمانيين إلى سلوك العنف والضغط النفسي العالي ومنافاة الطريق الأخلاقي والديمقراطي لترويض الظواهر الدينية بيد أنهم سقطوا وفشلوا أيضاً.
آخر سقوط وسقطات العلمانيين في قوى الحرية والتغيير الذين يحاولون خطف ثورة الشعب والشباب وتحويل مكاسبها نحوهم، إلا أنهم فشلوا في كسر العزلة الاجتماعية المفروضة عليهم، لأنهم فشلوا في إبراز اختلاف مذاهبهم مع الآخرين حول قضايا الوطن، فخرج عنهم الشباب وشيدوا منصاتهم للتعبير عن قضاياهم.
العالم الغربي تمكن من تصنيف العلمانية إلى متطرفة ومعتدلة وجزئية، وهي مدارس مختلفة بعضها استطاع التعايش مع الواقع بعد تعديل خطابه وقبوله الآخر واليوم مدرسة العلمانيين السياسية السودانية إذا لم تحسن خطاب وشعار اشنقوا كل مسلم وأي كوز ندوسو دوس، ستظل معزولة فهي خطابات أكثر رواجاً ومثيرة للسخط ضدهم قبل الآخرين الذين يستهدفونهم، ولذلك هي خطابات حفزت كل المسلمين إلى الوقوف ضد حكم العلمانيين لأنهم حال حكمهم وإسقاط هذه الشعارات إلى التشريعات العامة والقوانين والنظام العام سوف تحدث كوارث مجتمعية كبيرة ومثيرة، ولذلك لابد من مدرسة علمانية في السودان تحترم الدين وأخلاق المجتمع التي هي جزء من شخصية وهوية المجتمع الذي يريدون حكمه، وهو لا يقبل إلا أن يحكم بنصوص دينه ومرجعيات قيمه وأخلاقه التي تعايش عليها، ولذلك المجتمع السوداني أوعى مما يتشدق به العلمانيون المتطرفون والإرهابيون فكرياً الذين يحتاجون إلي ترويض حتى يتعايشوا مع المجتمع قبل السلطان.