الوساطة الأفريقية الإثيوبية.. التركيز على نقاط الاتّفاق
تقرير: النذير دفع الله
أصبحت العملية التفاوضية بين المجلس العسكري وقِوى إعلان الحُرية والتّغيير أشبه بلعبة التنس في ردّ الاتّهامات، وتبادُل الشكوك، وسُوء النيّة بين الجانبين، مما أوصد الباب أمام العملية التفاوُضية والاستعاضة عنها بالوساطة والتّفاوُض غير المُباشر مِمّا حدا ببعض الدول تقديم بعض المُبادرات، منها الإثيوبية ووساطة الاتحاد الأفريقي.. حيث أوضح ممثل الوساطة الأفريقية (حسن ولد لبات)، مُطالباً الطرفين بعدم التّصعيد ومُمارسة أيِّ فعلٍ أو قولٍ يعوق العملية التفاوُضية وإفشالها، حَاثّاً المُجتمع الدولي بمُضاعفة الجُهُود لإنجاح المُبادرة الإثيوبية الأفريقية، فيما عُرضت المُبادرة المطروحة على الجانبين العسكري وقوى الحرية والتغيير، لدراستها والخُروج برؤية مُشتركةٍ حول قبولها أو رفضها وَهُو ما يجعل الطرفين يقدمان عدداً من التنازُلات حال الاتفاق للجلوس في تفاوُض مُباشرٍ وَهُو مَا يَجعل الوَسَاطَة أن تَعمل على التّركيز في نقاط الاتفاق بدلاً من نقاط الخلاف.
إعلان المدنية
القيادي بالحزب الشعبي أبو بكر عبد الرازق قال لـ(الصيحة)، إنّ الوساطة الأفريقية الإثيوبية هي ليست وساطة دولية ولكنها بستار إثيوبية، لأنّ هنالك كثيراً من الدول ضمن هذا المشهد، مُبيِّناً أن نجاح الوساطة سيجعل المجلس العسكري يُقدِّم شيئاً من التنازُلات من خلال التّفاوُض، وأنّه لن يَعُود إلى مَا كَانَ عليه ولو شَكلاً تسمح له بالسيطرة على المشهد، ولكن إذا فشلت تلك الوساطة الأفريقية الإثيوبية فلن يكون هنالك خيارٌ أمام المجلس العسكري سوى إعلان الحكومة المدنية اليوم قبل الغد ويحسم الصراع، وشَدّدَ أبو بكر لتلكؤ المجلس العسكري في إعلان تشكيل حكومة مدنية فهو ما أدى للمشهد الحالي، وأقرّ أبو بكر بأنّ المسيرات المليونية التي خَرَجَت أمس في غيابٍ تامٍ للأجهزة الأمنية المتمثلة في الشرطة والجيش وجهاز الأمن والدعم السريع بعددٍ من المناطق، في خُطوةٍ لا ندري ما الغرض منها وما هي العقلية التي يُفكِّر بها المجلس العسكري هل هو استجابة لدول الترويكا بعدم التعرُّض للتظاهرات السلمية والسماح لها بالتّحرُّك أم هي مُحاولة للمجلس في عكس ما قاله إنّه ليس ضد التظاهر السلمي ولكنه يرفض العمل الإجرامي والعداوني والتعدي على الأمن والسلامة والعامة؟!
وأكّد أبو بكر أنّ العملية التّفاوُضية تَعتمد في الأساس على إرادة المجلس العسكري إذا كانت مُتماسكةً ورابطة الجأش، وأن تصر على ما هي عليه فليس هنالك تأثيرٌ كبيرٌ سيحدث جرّاء التظاهرات، ولكن إذا أراد المجلس أن يُقدِّم شيئاً من التنازلات ويُفَكِّر بغير الطريقة التي يُفكِّر بها، فإنّه سيعتريه شئٌ من الضعف حيال هذه القضية.
رهان المليونية
مدير مركز الراصد بروفيسور الفاتح محجوب أوضح لـ(الصيحة) أن الوساطة الأفريقية قامت على مبدأ المبُادرة الإثيوبية والتي تقوم على فكرة البدء من حيث انتهى التفاوُض سابقاً، مع تقديم مُقترحات لتقاسُم المجلس السيادي، وأضاف محجوب: بهذا الفهم تجد الوساطة الإثيوبية ترحيباً كبيراً من قوى إعلان الحرية والتغيير، ولكن بالنسبة للمجلس العسكري الذي ينطلق من ناحيةٍ مُختلفةٍ، فإنه يعتبر المُبادرة الإثيوبية للوساطة وليست لفرض نقاط مُعيّنة يتم التزام الطرفين بها، مُبيِّناً أنّ كلتا الطرفين ينظران للمبادرة الإثيوبية الأفريقية من زاويةٍ مُختلفةٍ، أما بالنسبة للعسكري فإنه يعتبر أن هنالك مياهاً كثيرة مرّت تحت الجسر خلال الفترة ما قبل العيد وبعدها، سيما وأنه لا يُوجد اعتصامٌ أمام القيادة العامة، بل وظهرت قوى جديدة كانت نائمة وظهرت على السطح تُطالب بعدم الإقصاء وتَرفض احتكار طرفٍ واحدٍ لتمثيل الشّعب السُّوداني، وأنّ المجلس العسكري ينظر بأنّ ما قام من أجله الشعب من ثورةٍ كانت ضد احتكار السُّلطة وهو ما تُحاول قوى إعلان الحرية والتغيير القيام به، مِمّا أدى لأن يرفض المجلس العسكري كل الاتفاقات السابقة!.
ومن جانب آخر، قال محجوب إنّ المسيرة المليونية التي خرجت أمس، كان الغرض منها تعزيز موقف قوى إعلان الحرية والتغيير والتي سيكون لنجاحها بأن قوى إعلان الحرية والتغيير هي الممثل الحقيقي للشعب السوداني، ولكن إذا ضعفت الحشود وقلّت لبضعة آلاف مُتفرِّقة هنا وهناك، فإن ذلك لا يعطي قوى إعلان الحرية والتغيير الشرعية للتحدث باسم الشعب وتمثيله وسيكون ادعاؤها لاحتكار المجلس التشريعي هو أمرٌ غير مقبولٍ، مُشدداً أن مسيرة أمس تكتسب أهمية كبيرة بالنسبة للطرفين، عليه فإن فشل أو نجاح المسيرة سيكون له أثره البالغ على مُجريات التفاوُض التي تُجرى بين الطرفين، وأشار محجوب إلى أن الفرق ليس كبيراً بين الطرفين من الناحية التفاوُضية حَال تبنّت الوساطة الأفريقية الإثيوبية، مُؤكِّداً أنّ المجلس العسكري على سبيل المثال لا يرفض تسليم مجلس الوزراء لقوى الحرية والتغيير لتختار مجلساً، موضحاً أن الوساطة الإثيوبية إذا انطلقت على ما اتّفق عليه فإن نقاط الخلاف سيكون حول البرلمان والمجلس السيادي، مُنبِّهاً أنه اذا تم تشكيل الحكومة فستصبح القضايا الأخرى قابلة للحل، لذا يجب على الوساطة الأفريقية التركيز على نقاط الاتفاق بدلاً من نقاط الخلاف، جازماً بأن الفرصة ما زالت مُتاحة، والأفضل للدولة السودانية من ناحية التَطوُّر والازدهار هو نجاح قوى إعلان الحرية والتغيير والمجلس العسكري في التوصُّل الى اتفاق في كيفية تقاسُم السلطة وتوسيع الصلاحيات من غير حُدُوث أي صدامٍ، ما عدا ذلك فإن المجلس العسكري سيُسيطر لتشكيل حكومة مدنية لتصريف المهام لقيام انتخابات عاجلة مدّتها تسعة أشهر أو عام وهو ليس بالأمر الأفضل، لأنّ هذا النوع من الاتجاه سيؤدي الى أزمة سياسية وتظاهرات مُستمرة وحديث حول عدم شرعية الحكومة ورفضها من جانب المجتمع الدولي وهو أمرٌ لا يصب في مصلحة السودان، نَاهيك عن المَجلس العسكري.