أعلن انسحاب الجيش من العملية السياسية قرارات البرهان.. هل تسدِّد القوى المدنية الكرة في الشباك
الخرطوم: آثار كامل 6 يوليو 2022م
ليس بإمكان أحد التكهُّن بما ستنتهي إليه الرمال السياسية المتحرِّكة باستمرار في البلاد ولا إلى أين تتجه بها الرياح؟ فقد اتسعت رقعة انسداد الأفق السياسي بصورة غير مسبوقة وتشعبت الأزمة إلى حالة من التمترس والدخول في نفق مظلم فلا زالت الأزمة السياسية أمام مأزق حقيقي في ظل اتساع رقعة الخلاف بين الشارع بما فيه من قوى سياسية مؤثرة والمؤسسة العسكرية بكل مكوِّناتها وفي ظل البحث عن مخرج.
ووسط كل هذا الانسداد الذي كان ظاهراً للعيان أطل رئيس مجلس السيادة السوداني الانتقالي عبد الفتاح البرهان مساء أمس الأول، معلناً حزمة قرارات، أبرزها عدم مشاركة المؤسسة العسكرية في المفاوضات الجارية على مستوى الآلية الثلاثية وحل مجلس السيادة بعد الاتفاق على حكومة كفاءات لإفساح المجال -على حد قوله للقوى السياسية والثورية والمكوِّنات الوطنية الأخرى للجلوس وتشكيل حكومة من الكفاءات الوطنية المستقلة تتولى إكمال مطلوبات الفترة الانتقالية، مبدياً أمله أن تنخرط هذه القوى في حوار فوري وجاد.
اختلفت آراء السياسيين حو اتفاق القوى السياسية وشروعها فوراً في تكوين حكومة مدنية في ظل الخلافات واختلاف وجهات النظر بينها، وأكد بعض المحلِّلين أن القوى السياسية لن تستطيع الاستفادة من الكرة التي مرَّرها البرهان في ملعبها وجعلها أمام المرمى.
اختلافات
بعض القوى السياسية رأت أن خطاب البرهان يشير إلى حدوث تسوية بين قوى سياسية بعينها، بينما قالت قوى أخرى إنها ستخضع قرارات البرهان إلى دراسة دقيقة والتقييم موضوعياً، ويرى بعض المراقبين بأن مليونية الثلاثين من يونيو، برزت من خلالها عمليات تخوين ومشادات كلامية شرسة بين بعض القوى السياسية والأحزاب المعروفة، وهذا لا يزيد المشهد إلا تعقيدًا بينما يرى أخرون أن القوى السياسية يجب أن تستفيد من هذه السانحة بخروج القوات المسلحة من العملية التفاوضية التي تقود إلى حكومة مدنية بالعمل على التوافق وعدم تضييع الفرصة.
ملعب القوى المدنية
قال المحلِّل السياسي محمد أحمد علي، في حديثه لـ(الصيحة): إن الكرة أصبحت في معلب القوى المدنية، وتحديداً الحرية والتغيير بشقيها المجلس المركزي ومجموعة التوافق الوطني، وكأن البرهان أراد أن يقول: إن الجيش أصبح خارج المعادلة السياسية تماماً وأن الأمر بيد المدنيين لا غير وأن القوات المسلحة بعد هذه القرارات لا تتحمَّل أي تبعات لتعقيدات المشهد السياسي، ونوَّه بأن المشهد الضبابي يشير بوضوح إلى أن البرهان أراد بهذه الخطوة أن يبرئ المؤسسة العسكرية من الأوضاع الحالية في البلاد، راهناً تسليم السلطة كاملة باتفاق المدنيين متى ما تم، ولكن يبقى عامل الثقة المفقودة هو المحك الحقيقي للخروج من الأزمة بمستوياتها كافة لجهة أن الثقة مفقودة بين ثلاثة أطراف وليس طرفين، المكوِّن العسكري من جهة والحرية والتغيير بشقيها يمثلان الشقين الآخرين بجانب هذا يبدو الشارع، بالإضافة إلى الحزب الشيوعي لهما رؤية محدَّدة لا تتوافق مع بقية الأطراف، والملاحظ أن المجلس المركزي للحرية والتغيير يحاول -حالياً- كسب الشارع ومازال يعتبر نفسه أنه الحاضنة الأساسية للتيارات المدنية والشبابية المختلفة.
رجوع حمدوك
ولفت في خلال حديثه بأن حتى نخرج من هذا النفق على جميع المكوِّنات المختلفة أن تتراضى على حكومة كفاءات بحتة، وأن تتنازل قوى الكفاح المسلح من المناصب الاتحادية على المستوى الوزاري لإتاحة الفرصة للكفاءات، وأن تكتفي بالمشاركة في الإقليم، ويبدو الأنسب إلى هذه المهمة رئيس الوزراء السابق (حمدوك) باعتباره يجد الحد الأدنى من القبول من الشارع بجانب أنه مقبول لدى الثلاثة أطراف المكوِّن العسكري والحرية والتغيير بشقيها وأن بعدت الشقة مع مجموعة الميثاق, ويرى بأن خطاب البرهان يشكِّل السيناريو القادم.
عودة ظاهرية
ويقول القيادي بحزب الأمة القومي والحرية والتغيير عروة الصادق، في حديثه لـ(الصيحة): خطاب البرهان يعتبر مناورة، ونوَّه إلى أن ظاهره عودة الجيش للثكنات، ولكن نجد هيمنة الجيش على مؤسسات الدولة عموماً باعتبار أنه يؤسس مجلس أعلى فوق السلطة الحاكمة لم تحدِّد صلاحياته دون مرجعية دستورية وبدون توصيف، وأضاف بأن الحديث عن أن الحرية والتغيير وصلت إلى اتفاق (80)% هو محض افتراء، لأن الحرية والتغيير طرحت الورقة التي سلَّمتها للآلية الثلاثية للجميع قبل إعلان القائد العام موقفه بالانسحاب، والسؤال الذي يطرح نفسه هل يتوافق مافي المذكرة مع مسودة الجيش؟ وهذا يسأل عنه فولكر، أو البرهان، لأنه إلى يومنا هذا لم ينشر العسكر مسودتهم، وأضاف بأنه لا خلاف بين القوى المدنية كما يزعم البعض والخلاف بين الانقلابيين فيما بينهم، وأشار إلى أن الموقف الصحيح هو إزالة الانقلاب وأن يوقف العسكر المراوغة وأي هيمنة جديدة تعتبر انقلاباً أسوأ من انقلاب (25) أكتوبر، ولفت إلى أن الحرية والتغيير ماضية مع قوى الثورة لقيام المنصة المُوحَّدة لمناهضة الانقلاب، وحنبدأ في الأيام القادمة بالمنصة الإعلامية المُوحَّدة، وقال: إن الحرية والتغيير ترتب للأولويات تبدأ بالدستور وحكومة الكفاءات، وهناك اجتهاد كبير جداً ليكون الوضع الجديد جاهز متى ما انتهى الانقلاب.
الإقحام في العملية السياسية
المحلِّل والخبير العسكري اللواء عبد الرحمن أرباب، في حديثه لـ(الصيحة) أكد أن الجيش اقتحم العملية السياسية منذ عهد البشير بعد ثورة ديسمبر، ويرى بأن الجيش كان عليه الابتعاد من الحياة السياسية، لأن السياسة في عهد البشير قضت على الأخضر واليابس، وبالتالي فإن الجيش مجبر أن يكون خلال الفترة الانتقالية، ولكن نجد أن الوضع أخذ مناحٍ كثيرة وأصبح ينعكس سلباً على القوات المسلحة، ولكن في النهاية قرَّرت القيادة العامة الرجوع عن حديثها والابتعاد عن السياسة وتركها للمدنيين لتدبير أمورهم وهي تحتفظ بالناحية الأمنية لجهة أن الجيش واجبه أن يحافظ على السودان، لأنه مازال بالإمكان حدوث إشكالات، وبالتالي لابد لوجود القوات المسلحة للحفاظ على النظام والأمن في كل ربوع السودان وفق قانون القوات المسلحة، وأضاف: صحيح هنالك تشكك من حديث البرهان، ولكن أعتقد أن القوات المسلحة الآن أصبحت مراقبة من المكوِّنات السياسية الداخلية والإقليمية والدولية.
عناصر الثقة
ويرى المحلِّل السياسي عبد الله آدم خاطر، في حديثه لـ(الصيحة) أن الفريق البرهان فقد كل عناصر الثقة بينه وبين دعاة الحرية في السودان، وأنه بممارساته رسَّخ في أذهان الجميع بأنه ما هو إلا جزء من النظام البائد، ويسعى بأن يحتال على الجميع للقبول باستمرار عناصر النظام السابق، ولذلك ليس أمامه إلا ما قاله في هذا السياق، وأضاف: إن الأهم أن أي ثورة يجب أن يكون لها قيادتها ولها ممثليها ومفاوضيها والمدافعين عنها، ووضح ذلك في بروز القيادة الثورية، وقال: في هذه المرحلة أعتقد أن القوات المسلحة وبتلك القرارات هي محل احترام وتقدير من الجميع وليس هنالك ما يخدش بسمعة القوات المسلحة.
وقال خاطر: إن الأصل في الموضوع الشروع في تكوين الرؤية المدنية وبكل تأكيد ليس بالضرورة أن تكون البداية هي النجاح الكامل وإنما الحرص والسير والمضي قُدماً في بناء الدولة المدنية هو الأساس وهي تتطوَّر وتترسخ في كل الدول والشعوب الأخرى حتى ولو كان هنالك أخطاء أو صعوبات وإنما هنالك طريق يفتح أمام الدولة المدنية في السودان يجب أن لا يتردَّد السودانيون في اقتحام هذه المرحلة بقوة المدنية في التحوُّل الديموقراطي الفيدرالي.
وبسؤالٍ هل يؤثر على الشارع؟ قال: بكل تأكيد، لأن الشارع أصبح مقياس النجاح في قضية الانتقال المدني والتشكيل الديموقراطي، ولذلك الشارع سوف يراقب بوسائله التي تطوَّرت بها المليونيات، وزاد قائلاً: شيء طبيعي أن الشارع مراقب جديد لخطوات الانتقال وكل ما تم الانتقال يباركه الشارع ويؤكده ويمضي إلى حيث ينتهي كي ينتقل إلى ترسيخ القدرات المدنية الديموقراطية في إطار فيدرالي.