الجيش والديمقراطية !!
هل الجيش يقف حجر عثرة أمام ديمومة الحكم المدني التعددي الديمقراطي في بلد كالسودان؟؟ وهل الانقلابات العسكرية التي شهدتها البلاد في سنوات ما بعد الاستقلال “الإنقاذ” هي آخر حلقاتها؟؟ وهل انتفاضة 19 ديسمبر التي أطاحت بها في 11 أبريل هي آخر انتفاضة شعبية ضد نظام عسكري؟؟ وهل “العسكريون” في هذه البلاد طامحون للحكم ومتربصون بالديمقراطية، وأي عسكري يتخرج وتعزف الموسيقى الشهيرة “لن ننسى أياماً مضت” في مخيلته قيادة انقلاب عسكري أو المشاركة فيه؟؟ وهل الموقف المعلن من قبل الاتحاد الأفريقي “بمقاطعة” أي دولة تستولي على حكمها نخبة أو عصبة من العسكريين وإرغامها عن العدول جهراً عن الانقلاب؟ هو علاج شافٍ لوقف مغامرات الضباط في القارة الأفريقية من أجل السلطة، وقد أورثوا القارة الأمراض والصراعات والفشل؟؟ أم تظل طموحات الضباط والجنود بلا كابح لها حتى تبلغ القارة السمراء ما بلغته أروبا من تقدم حضاري جعل من يفكر في الانقلاب على الأنظمة الراسخة يذهب به ذووه إلى مشافي الأمراض العقلية والنفسية؟؟
في السودان لم يسبق للجيش كمؤسسة قيادة انقلاب لوحدها دون وجود حزب سياسي مسانداً لها لم يجد في الديمقراطية “نفسه” فذهب يتربص بها أو تم إقصاؤه وتغييبه وحرمانه من حقه في الوجود فاختار “اللعب” في المناطق المظلمة والتآمر في الخفاء لإسقاط النظام الديمقراطي، والجيش حينما يشعر بالإهمال و”تغييبه” عمداً عن حقه في المشاركة السياسية في الحكم أو تتربص به الأحزاب علناً وسراً وتجاهر بعزيمها “هيكلته” والتدخل في الشأن العسكري أو الزج به في حروب لا مبرر لها.. أو تجاهله وإهماله وتركه يأكل من خشاش الأرض، فإن الجيش يستجيب تلقائياً لرغبات التغيير بغض النظر عن طبيعة النظام الذي يحكم البلاد..
في سنوات مايو تم التوافق بين النظام الحاكم والمؤسسة العسكرية لصيغة “تحالف قوى الشعب العاملة” وشعرت “العسكرية” بالرضاء، وكان في مجلس الشعب “أمين للقوات النظامية” يشارك في التشريع والرقابة، واحتفظت القوات المسلحة بحقيبة وزارة الدفاع والشرطة بالداخلية، وتحقق قدر من الاستقرار السياسي حتى سقطت مايو بعد أن فقدت مبررات وجودها.. والبلاد اليوم على أعتاب مرحلة جديدة وديمقراطية عائدة وراجحة، ولكن ذات المخاطر التي أودت بالديمقراطية الأولى والثانية والثالثة تظل حاضرة وشاخصة ومهدداً لاستمرار التجربة فمن جهة الإقصاء والإبعاد والحرمان من حق الحياة السياسية هناك تربص من قوى اليسار وحلفائهم بإبعاد الإسلاميين “جملة” من المشهد السياسي وحرمانهم حتى من حق الانتخابات، وفي ذلك خطر شاخص على التجربة الديمقراطية..
من جهة القوات المسلحة، فثمة تربص معلن بها ولغة تعالٍ من بعض السياسيين “مثل العودة للثكنات” وغياب الرؤية الكلية بشأن التوافق على صيغة تجعل المؤسسة العسكرية شريكاً حقيقياً في النظام الديمقراطي القادم والاتفاق السياسي من قبل كل مكونات الساحة على أهمية رمزية القوات المسلحة ومشاركتها في الأجهزة التنفيذية و”التشريعية” حتى لا تعود البلاد مرة أخرى إلى ترقب البيان رقم “1” من القيادة العامة بعد قليل..!