لجنة بلاغات الفساد.. إعادة الملفات إلى أصلها
الخرطوم: أم سلمة العشا
الفساد أحد القضايا الرئيسية التي استدعت التغيير، وبلغ بها السيل الزبى، وطفح بها الكيل، فصار يهمس بها القاصي والداني، وتداعت له بعد أن ملأ الدنيا ضجيجاً كل السلطات المختصة والمعنية بمكافحته… الأولوية بعد يوم 11 أبريل الماضي من العام 2011 كانت للفساد وتقديم المفسدين للمحاكمة العادلة، هذا المصطلح القانوني، ظل محل اهتمام بالغ على كافة المستويات، حيث كان الهم الأول محاسبة كل رموز النظام السابق.. لا يخفى على أحد المساعي الحقيقية التي بذلها النائب العام المكلف تجاه محاربة الفساد والمفسدين، ولعل تكوين لجنة مختصة ببلاغات الفساد إحدى الآليات المعنية بالأمر، التي منحت كافة سلطات النيابة العامة في التحري والتحقيق وإجراءات ما قبل المحاكمة… قرار كان أثر وقعه على مسامع وكلاء النيابة برداً وسلاماً، فحل لجنة بلاغات الفساد وجد استحساناً وقبولاً كبيراً لدى أوساط النيابة…
سؤال مهم ظل عالقاً ما هي الدواعي والأسباب لتكوين اللجنة وحلها في أعقاب وجود نائبين تقلدا منصب النائب العام؟
تكوين لجان
قرار أصدره النائب العام المكلف عبد الله أحمد عبد الله، ألغى بموجبه اللجنة العليا للإشراف على التحري في بلاغات الفساد والمال العام والدعاوى الجنائية الخاصة بالأحداث الأخيرة منذ 19 ديسمبر الماضي، على أن تتولى نيابة الفساد والتحقيقات المالية الإجراءات مباشرة.. بالرغم من أن قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991 وقانون لجان التحقيق لسنة 1957 يتيح للنائب العام تكوين لجان تحقيق وتفويضها سلطات النيابة العامة المتعلقة بالتحري والتحقيق وإجراءات ما قبل المحاكمة.
إلا أن قرار تكوين اللجنة بحسب مصادر في النيابة كان معيقاً لعمل نيابة مكافحة الفساد باعتبارها الجهة المنوط بها مكافحة الفساد،
دعاوى معقدة
قد يتساءل سائل ما هي العبرة من تكوين قرار اللجنة الذي لم يمض عليها شهران، ويعقبه قرار آخر بحلها وإلغائها، ومن هنا تظل بعض الأسئلة عالقة، هل أدت اللجنة مهامها، الموكلة إليها، هل اللجنة أحالت البلاغات التي شرعت في تحقيقها إلى المحكمة؟
الخبير القانوني عادل عبد الغني قال لـ(الصيحة): عادة قد تكون الحاجة للجان تحقيق في الدعاوى الجنائية المعقدة التي تحتاج إلى عدة تخصصات، وبالتالي يتم تكوين اللجنة من هذه التخصصات المختلفة يمكن أن تشمل اللجنة (النيابة، والشرطة والمراجع العام)، وأوضح عبد الغني أن شكل اللجنة دائماً يكون مناسباً ومفيداً في الدعاوى بالغة التعقيد، أما في البلاغات العادية التي تحتاج إلى مسائل فنية النيابة العادية المختصة للقيام بالإجراءات.
اختلاف رؤى
أثار قرار حل لجنة بلاغات الفساد حفيظة الكثيرين لدى الرأي العام، فاللجنة حديثة التكوين من قبل النائب العام المكلف السابق، وما يشير إلى أن أي قرارات أصدرها النائب العام السابق في طريقها إلى الإلغاء بشكل نهائي، وهذا الأمر نفاه مصدر موثوق بأن كل قرارات النائب العام السابق ستظل دون أن تطالها يد التغيير.
وفي هذا الصدد يقول عبد الغني إن الاختلاف بين النائب العام الحالي، وما اتخذه من إجراءات بحل اللجنة هو مجرد اختلاف رؤى وليس اختلاف أهداف، وأضاف”بالطبع وجود لجنة واحدة ربما يؤدي إلى تراكم العمل أمامها، وبالتالي يقلل من كفاءة الإنجاز والإسراع في التحريات.
وقال عبد الغني: تظل العبرة بدقة التحريات والكفاءة فيها وسرعة إنجاز التحريات وإحالة الدعاوى الجنائية أو شطبها إن لم يكن هناك وجه حق لإقامتها.
ارتياح واضح وجده قرار حل لجنة بلاغات الفساد، وسط وكلاء النيابة، فالمبررات ساقها عبد الغني أن قرار حل اللجنة يؤدي بدوره إلى توزيع العمل والدعاوى الجنائية بين النيابات المختلفة، حسب الاختصاص المكاني، على سبيل المثال إذا كانت الدعوى الجنائية في أم درمان تكون الإجراءات في أم درمان، وهذا يؤدي إلى إشراك عدد كبير من وكلاء النيابة في مباشرة الدعوى، هذا بالطبع إذا لم ير النائب العام إحالة الدعوى من اختصاص إلى اختصاص آخر، وبحسب عبد الغني أن وكلاء النيابة يرون أن النواحي الفنية يمكن حلها بالاستعانة بالخبراء دون الحاجة إلى تكوين لجنة، كذلك يرى البعض أن تشكيل اللجان واختيار أعضائها ربما تستند على بعض المجاملة والمحاباة، وبالتالي الرجوع إلى الاختصاص العادي ألغى المجاملة والمحاباة وتوزيع الدعاوى بين البلاغات المختلفة حسب الاختصاص المكاني، من شأنه أن يطور أداء النيابات ويزيد من خبرة وكلاء النيابة المختلفين.
توزيع ملفات
مصادر عليمة، كشفت لـ (الصيحة) أمس، أن النائب العام، عبد الله أحمد عبد الله، أمر بتوزيع كافة ملفات بلاغات الفساد التي شرعت فيها اللجنة وفقاً للتكليف السابق، إلى النيابات المختصة بالبلاغات، وأوضحت أن الغرض من إلغاء اللجنة تسريع وتيرة عمل الإجراءات. منذ أكثر من شهرين تاريخ تكوين لجنة بلاغات الفساد والدعاوى المالية، لم تُحِل اللجنة أياً من ملفات الفساد إلى المحكمة، ما يشير إلى أن العمل بها يسير ببطء في الإجراءات المتعلقة بالتحري والتحقيق، كان ذلك بمثابة الحد الفاصل والقشة التي قصمت ظهر البعير، حيث أدى ذلك لإصدار قرار بحلها بشكل نهائي، وبحسب المصادر، فإنها لم تقدم أية نتائج ملموسة تجاه ملفات البلاغات، كما أنها لم تحقق الأهداف المرجوة منها، وأفادت أن قرار النائب العام بإلغائها وجد استحساناً وقبولاً في أوساط وكلاء النيابة بصورة عامة. تبريرات أشارت إليها المصادر، أن النائب العام المكلف، قصد بإلغاء اللجنة ترتيب البيت الداخلي توطئة لتسريع وتيرة الإجراءات الخاصة بعمل البلاغات، وأوضحت أن لجنة التحري في بلاغات الفساد مُنحت كافة الصلاحيات والاختصاصات.