الخرطوم ــ إنعام عامر
تعددت المبادرات التي تحمل لغة الوساطة، بغية حل الأزمة السودانية، إلا أن المشكل لم يبرح مكانها قيد أنملة، هكذا تقول صورة المشهد السياسي الآن بالبلاد.. دخلت هذا الأسبوع المبادرة الإرتيرية على خط الوساطة الإقليمية بشكل منفرد مع ظهور مبادرة إسناد من قبل دول (الترويكا) لدعم الوساطة الأفريقية ممثلة في وساطة الإيقاد والاتحاد الأفريقي معاً، بهدف العمل على تنسيق المواقف بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير.. إلا أن تلك المبادرات وصفت بالضعيفة والمرتبكة.
وفي الأثناء، دعت رموز سياسية إلى قبول وساطات داخلية من بينها المهدي الذي طالب الأطراف بالالتفاف حول وساطة وطنية تحكيمية لتجنب سيناريو الفوضى والاضطراب، ولفت مراقبون إلى أن تعدد المبادرات الإقليمية والدولية مؤشر على عمق الأزمة السياسية بين الفرقاء السودانيين..
وساطة الترويكا
تسعى وساطة الترويكا إلى العمل على توحيد المبادرتين الإقليميتين، مباردة الاتحاد الأفريقي والإيقاد، في مبادرة أفريقية موحدة تحظى بالقبول لدى الأطراف السودانية المعنية، ويشار إلى أن دول الترويكا ممثلة في الولايات المتحدة، بريطانيا والنرويج ظلت تضطلع بدور كبير ومؤثر في الملف السوداني، ودخلت كوسيط في مفاوضات نيفاشا- التي أدت إلى انفصال جنوب السودان– تحت اسم أصدقاء أو شركاء الإيقاد لتتحول لاحقاً إلى منبر شركاء الإيقاد الذي يعتبر داعماً وممولاً وظلت تلك الوساطة مثار جدل وشك كبيرين في الأوساط السياسية ولدى مراقبين تخوفوا من تغلغلها في مفاصل المنظمة الإقليمية والتأثير على قراراتها والمساس بسيادة دول الإقليم.
ويسند هذا الاتجاه الضعف النسبي لمؤسسات الإيقاد وعدم استقلاليتها بشكل عام في اتخاذ قراراتها بسبب تدخلات منبر الشركاء الذي انضمت إليه دول أخرى فاعلة في المنظومة الدولية، إلا أن تأثير الشركاء الجدد السياسي لا يكاد يذكر..لا يعتبر منبر شركاء إيقاد واحداً من أجهزة الإيقاد، إلا أنه تجمع مؤثر في اتخاذ القرارات والتنفيذ ومتابعة القرارات السياسية والمشروعات. وشاركت دول هذا المنتدى في إنعاش المنظمة وشارك خبراؤها في تحديد الأولويات لمشروعات إيقاد والعمل على حشد الموارد من المانحين ويجتمع الشركاء على المستوى الوزاري لوضع السياسات العامة ويجتمعون كذلك على مستوى السفراء المعتمدين بأديس أبابا. وتعقد الدول اجتماعاً مشتركاً مع الشركاء في لجنتين منفصلتين لمتابعة قضايا السلام في كل من السودان والصومال.
ومن جهة إخرى، فإن المبادرة الإثيوبية المنفردة التي قادها الرئيس الأثيوبي آبي أحمد وصفت من قبل سياسيين بالضعيفة وغير المؤثرة في الملف السوداني.. إلا أن الوضع يختلف على أرض الواقع حين ربطها بمبادرة الإيقاد والاتحاد الأفريقي، ويصبح من الصعب بمكان فصل المبادرة الإثيوبية من مبادرة الإيقاد بسبب استضافة أديس إبابا الدائمة لمقر المنظمة وبسبب تداخل مصالح سياسية في الملف.
وفي الأثناء، تبدو الثقة كبيرة بين الوسيط الأثيوبي وقوى الحرية والتغيير وتقل كثيراً بينه والمجلس العسكري، الذي قال إنه سمع بالوساطة الإثيوبية من أجهزة إعلامية قبل وصول الوسيط الخرطوم.. الأمر الذي يضعها في خانة الإملاءات بينما تتمسك قوى الحرية والتغيير بما توصلت إليه مؤخراً من حلول بخصوص المجلس السيادي.. لتطل عثرة المجلس التشريعي تحت حائط الإقصاء بسبب مطالبة التغيير بنسبة 67%.
وفي الأثناء، طالبت قيادات ورموز سياسية بالجلوس إلى مبادرات وطنية، ودعا الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي إلى قبول ما أسماها وساطة تحكيمية وطنية.
تدخل الاتحاد الأفريقي
بدا قرار الاتحاد الافريقي الذي أصدره بداية الشهر الجاري.. القاضي بتعليق عضوية السودان الفوري في المنظمة القارية، إلى حين تشكيل سلطة انتقالية مدنية في البلاد… هامًا للغاية لجهة أن هدفه هو الاسهام في حل الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد عقب التصعيدات الأخيرة على المشهد السياسي. وكان مجلس السلم والأمن في الاتحاد الأفريقي قد أكد في حسابه على (تويتر) أن الاتحاد الأفريقي “علق فورياً مشاركة جمهورية السودان في كل أنشطة الاتحاد الأفريقي إلى حين إقامة سلطة مدنية انتقالية بشكل فعلي، وشمل نص القرار كافة الأفراد والكيانات، التي تعرقل تشكيل حكومة انتقالية مدنية دون تسمية تلك الكيانات.. واصفاً القرار بأنه الوسيلة الوحيدة لتمكين السودان من الخروج من الأزمة الحالية“. وفي الأثناء انتقد مراقبون التلكؤ الواضح من قبل قوى التغيير في التواضع على مطالبها التفاوضية التي وصفت بالإقصائية مثلما انتقدوا التصعيد الأخير على المشهد في الساحة السياسية..
القرار رقم 3
موقف الاتحاد الأفريقي، تجاه التغيرات في السودان بدا واضحاً منذ البداية، إذ شدد على أهمية الإسراع في نقل السلطة إلى حكومة انتقالية، وهدد مرارًا بتعليق عضوية السودان في المنظمة. وسبق أن شدد على أهمية أن تمثل الحكومة الانتقالية كل أطياف المكون السوداني، الأمر الذي لاقى قبولاً واستحساناً من حكومات ومؤسسات وتنظيمات دولية وإقليمية عديدة، ووصف مراقبون تلك الرؤية بالحكيمة كونها ابتعدت عن حائط الإقصاء.. إلا أن قراراته تجاه مجريات الأحداث بدت مرتبكة بعض الشيء بأمر الواقع، عقب الإطاحة بالبشير في الحادي عشر من أبريل الماضي بثلاثة أيام فقط، وفي 15 أبريل الماضي تحديدًا، طالب الاتحاد الأفريقي بتسليم السلطة إلى مدنيين وأمهل “مجلس السلم والأمن” التابع للاتحاد الإفريقي، “المجلس العسكري الانتقالي” في السودان 15 يوماً لتسليم السلطة إلى حكومة مدنية ولوح حينها بتعليق عضويته، عقب 4 أيام على عزل الجيش السوداني البشير من الرئاسة.. وهي مدة وصفها مراقبون بغير الكافية لاختيار حكومة مدنية يتطلب تكوينها مشاورات مع أطياف سياسية واسعة تمثل الشارع السوداني.
قمة القاهرة
اتفق المشاركون في قمة الاتحاد الافريقي التشاورية التي عقدت بشأن السودان في القاهرة، نهاية أبريل الماضي على تمديد مهلة الاتحاد الإفريقي لتسليم السلطة لحكومة انتقالية في السودان من 15 يومًا إلى 3 أشهر .وأوضح رؤساء الدول الأفريقية الذين حضروا اجتماع القمة أن مدة 15 يومًا غير كافية، ومن ثم تم التوافق على مهلة الثلاثة أشهر لتشكيل الحكومة، قبلها تم إمهال المجلس العسكري ستين يوماً إضافية، وظهور الملامح المدنية للمرحلة الانتقالية. وعملياً، تنتهي تلك الفترة في الأسبوع الرابع من يوليو القادم.. أي أن أجل المهلة المقررة من قبل الاتحاد الأفريقي بشأن تسليم السلطة لحكومة انتقالية، حسب مخرجات قمة القاهرة، لم يحن بعد… ما يضع قرار التعليق الآن في خانة التعامل بردة الفعل جراء التصعيدات الأخيرة في المشهد السياسي بالبلاد.
ويرى مراقبون أن الخطوة التي يجب أن يتخذها الاتحاد الأفريقي، قبل إصداره قرار التجميد، هي حث الأطراف في السودان على تسريع الخطى في تسليم السلطة إلى حكومة انتقالية قبل انقضاء مهلة الثلاثة أشهر التي لم يتبق على انقضائها سوى شهر ونيف.. وتلك نقطة كان يجب أن تؤخذ في الحسبان، وينظر لها بعين الاعتبار كون أن قرار المهلة اتخذ في قمة بحضور رؤساء دول أفريقية شملت كلاً من تشاد، وجيبوتي، ورواندا، والكونغو، والصومال، وجنوب إفريقيا، ورئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، وممثلين عن إثيوبيا، وجنوب السودان، وأوغندا، وكينيا، ونيجيريا.
ردود فعل دولية
توحدت ردود الفعل الدولية نسبياً، عقب إعلان قرار الاتحاد الأفريقي تعليق عضوية السودان، وقالت فرنسا إنها تدعم الاتحاد الأفريقي والأطراف الإقليمية لتحقيق انتقال سلمي ناجح للسلطة في السودان، وشمل الترحيب بالقرار كلاً من بريطاني والولايات المتحدة وروسيا بالإضافة إلى المنظمة الأممية, إلا أن الخارجية الروسية أكدت أنها تجري اتصالات مع جميع القوى في السودان، وتؤيد حل القضايا عبر الحوار، مؤيدة إجراء انتخابات لإيجاد حل. وأشارت إلى معارضتها التدخل الخارجي في الشأن السوداني…
تحت المجهر
وتساءل تقرير دفعت به الواشنطن بوست (The Washington Post) الأمريكية تناول الأساس القانوني الذي يستند إليه الاتحاد الإفريقي في التعامل مع تلك الحالات، وكيفية تبيان التطبيق الواقعي لهذا الموقف من حالة إلى أخرى، وهل لذلك علاقة بقوة الدولة التي حدث فيها تغيير في السلطة أم بالظروف المحيطة، تناول التقرير حالات أفريقية من بينها تعامل الاتحاد مع الحالة المصرية بشكل بدا صورياً عندما علق عضوية مصر عقب انقلاب السيسي تم رفعها عقب انتخاب الأخير في العام 2014 . وأشار التقرير إلى أن الاتحاد الأفريقي تجاهل مسألة عزل الرئيس المنتخب مرسي بحجة أن الجيش عزله بسبب تغول الأخير على حقوق دستورية… واستناداً إلى معد التقرير، فإن الاتحاد الأفريقي يتمتع من خلال ميثاق الديمقراطية والحكم الرشيد، بسلطة فرض عقوبات على الدول الأعضاء بعد انقلاب على زعيم منتخب ديمقراطياً أو الإطاحة به، أو إذا رفض الزعيم المغادرة بعد خسارته في الانتخابات، وفي هذا المنحى وجدت أبحاث العالم السياسي توماس تيكو أن مصطلح “التغييرات غير الدستورية” مفتوح العضوية بما يكفي لمنح الاتحاد الأفريقي بعض المرونة في استنتاج ما إذا كان الموقف غير دستوري أو غير ديمقراطي. ولفت التقرير إلى أن الاتحاد الأفريقي ابتعد عن التدخل في بعض حالات تغيير السلطة في دول أفريقية وترك الأمر كاملًا لمنظمات إقليمية من بينها (الجماعة الاقتصادية لغرب أفريقيا) في حالة زيمبابوي.
ويبقى السؤال المشروع، هل تفلح المبادرات القارية والإقليمية في وضع حلول عادلة للمسألة السودانية، بإلزام كافة أطياف المكون السياسي في السودان تسهيل عملية انتقال سلس للسلطة إلى حكومة مدنية انتقالية دون عرقلة ذلك المسار والتوافق على استيعاب كل أطياف المكون السوداني أم تظل تفشل في تحقيق ذلك. مع الوضع في الاعتبار أن الاتحاد الأفريقي يبقى نظرياً ملتزماً برفض التغييرات غير الدستورية في الحكم، إلا أن تطبيق ذلك الالتزام يبقى مقيداً على أرض الواقع ومصاباً بداء العثرات… ويبقى بصيص أمل لاستيعاب المسألة السودانية من خلال تصريحات مبعوث الاتحاد الأفريقي إلى السودان محمد الحسن ولد لبات الذي وصف تعليق عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي بـ”الإجراء العادي”. بقوله في تصريحات لوسائل إعلام إن الخطوة تهدف إلى دفع مختلف الأطراف السودانية للحوار، وأكد إرادة الاتحاد الأفريقي في تشجيع التوصل إلى اتفاق لنقل السلطة إلى حكومة مدنية.