محمد طلب يكتب: الشعفوفة
برق قبلي
بعد التفاعل الكبير مع مقالاتي اليومية، اتصلت بي بعض الصحف أن يكون عمودي حصرياً وطلبوا مني كتابة (عمود) مع أسماء لامعة في مجال الصحافة والإعلام… أصابني ما أصاب صديقي الظريف خفيف الظل الذي كان والده يملك (عربة كارو)… وكان والده يكثر عليه (المشاوير) والتحميل على (عربة الكارو) ولا يغدق عليه بالعائد… وفي ذات (قهبونة) وصديقي (مرخم) في قيلولة سمع صوت والده وهو ينادي عليه من الراكوبة أمام الغرفة (يا ولد تعال أمشي لي عمك فلان وووو….. وكم هائل من من التعليمات) فقام صديقنا متكاسلاً (مطنطناً) يسب ويلعن (مع حذف البركاوي) (انعل أبو اليوم العلمنا السواقة ذااتو) فسمعه والده ورد عليه (انعل أبوك يا ود الكلب سائق كريسيدا إنت!!؟) وألحقه (المركوب) وفي ذلك الزمان كانت الكريسيدا سيدة عصرها تغنت لها الحسناوات (كريسيدا وسمح سيدا) وسماحة الكريسيدا تتقدّم على وسامة مالكها وهو يتبع لها وليس العكس…..
سُقت هذه الطرفة (لأن سواقتي سواقة كارو) في هذا المجال لا أستطيع مجاراة هذه الأسماء والنجوم وربما يكون وجودي سالباً….. بل انني ارتبكت في فهم مصطلح (عمود)… (يا ربي الجماعة ديل عندهم زول في الاسبتالية) ورحلت بخيالي إلى زمانٍ سابق وذكريات تختلط فيها مشاعر الحزن والشجن بابتسامة وأنت تكفكف دمعك…. وفجأة انتبهت إلى أن كل (الأعمدة) قد جفت في بلادي وأن (القطط السمان) مقصود بها قطط ذلك المستشفى التي انقرضت جوعاً من جفاف (الأعمدة)…. بل أن (مستشفى الشعب) نفسه قد تم تجفيفه وكأنه (شرموط) جُفف كي (يدق على فندك) ثم (يؤكل) وليس مشفى للبؤساء الكادحين…..
وأهلي في العيلفون بدون قصد يقدّمون بمجهودهم الشعبي (مستشفى العيلفون العام) هديةً في طبق فضي… يدرون أو لا يدرون أن ذلك (دعماً) لمبررات الوزير السابق في مسألة (التجفيف)….. انتقلت بخيالي لعمود آخر….. يا ربي (دايرين ليهم عمود مكنة) فانتبهت أننا في زمن (الإيدز) وكل الأمراض العجيبة والغريبة وليس في عصر (ناسيت) ماركة التمساح…. بل أنه زمن (جيلت جي تو) (الشفرة الأولى تقطع الشعيرات جيداً الشفرة الثانية تنظفها تماماً والنتيجة حلاقة مثالية)…. أيضاً هذا زمن قد ولى…. ونحن في زمن (اللحي الكذوبة) و(الفتاوى الملعوبة)…. أكثر من (عمود) مر أمامي إلى أن وصلت أعمدة الإضاءة في أحياء الخرطوم وعواصم الأقاليم عندما كانت أقاليم السودان بحكامها لا تتجاوز أصابع اليدين…. فأتتني (انتباهة) أننا في ظلام دامس حُجبت عنا قسراً كل الصباحات الجميلة… وتذكرت أبيات من معلقة امرؤ القيس:
وليلٌ كموج البحر أرخى سدوله عليّ بأنواع الهموم ليبتلي
فقلت له لما تمطّى بصلبه وأردف أعجازاً وناء بكلكل
ألّا أيها الليل الطويل ألا انجلي
بصبح وما الاصباح منك بأمثل
إلى متى نظل في هذا الليل الطويل….. تبسّمت وقلت في سري حتماً هو (آخر الليل) وهنا فقط عرفت و(انتبهت) ما هو (العمود المقصود)… وفي بلادي قد أضحى (عمود آخر الليل) هو أشهر عمود صحفي من بين عشرات الصحف المهترئة شكلاً ومضموناً…. حيث ينعدم الوضوح وشفافية الطرح… (أعمدة) (يتسلقها) القارئ بصعوبة عسى أن يجد تأويلاً يقوده للأمل والمرتجى….. فيجد نفسه وكأنه يجالس (وداعية) فيغني لها ترويحاً ورجاءً:
(ست الودع ارمي الودع لي كشكشي)
صبت والسبلوقة مقفولة
زميلي بالعمل بدولة عربية أب لثلاثة أبناء أكبرهم بلغ الحلم بعثت له رسالة بعنوان الشعفوفة.. فرد على عبر الواتساب….. (شعفوفة يعني شنو؟؟)…… فُجعت…. لأن زميلي هذا مهتم بالثقافة السودانية وقضايا الوطن……
أما عدم معرفته بالشعفوفة فهذا موضوع نفرد له مساحة في عمود آخر والحديث عن قضايا (المختربون) ذو شجون وأنا فرد من هذه القبيلة… التي لها تأثير كبير جداً في حياتنا… سلباً أو إيجاباً…
شعفوفة
الآتي ربما يغضب أهلي في العيلفون…. فجميع أهل السودان بمجرد سماعهم إيقاع الدلوكة (تشيلهم الهاشمية) فيطربون حد (الدروشة) والمغني يغني:
(الظايط ما بنقدر سيل الوادي المنحدر)
وربما (عرض) (الزعيم) في حفل جماهيري على إيقاع الأغنية وبعد ساعة يعقد مؤتمراً صحفياً عن تجارة البشر ويدعم حديثه بالإحصائيات التي وفروها له…. وهو لا يدري أن الأغنية التي كان يرقص على إيقاعها تحمل دليل الإدانة…… هييييييع….
(بتكفي ضيفان الهجيمة سيد بت فرج وسيد حليمة)
إلى متى نظل في هذه الدائرة….. الأسود (عب ود غلفة) والأبيض (حلبي مقطع سااااي)
دايريييين شنو بالظبط… حيرتونا؟؟؟
سلام