4 يوليو 2022م
(1)
قبل عدة سنوات حينما كنا نعمل بصحيفة (فنون) رد الله غربتها.. طالعت تصريحاً في الصحيفة للفنان معتز الصباحي قال فيه إن خفافيش الظلام تطارده .. ولعل ذلك التصريح فقط يؤكد الشخصية الهشة للفنان معتز صباحي والذي كنت اعتبره في فترة ما فتحاً جديداً في الأغنية السودانية.. وإن كان هناك طرح جديد في الغناء السوداني ما بعد محمود عبد العزيز فيتمثل في الظاهرة الجديدة وقتها معتز صباحي.
(2)
فهو قدم نفسه بنمط مغاير لحال التجارب الغنائية السائدة وقتها والتي كان يعتلي ملمحها الراحل محمود عبد العزيز والذي احتكر الفترة منذ بداية التسعينيات حتى لحظة وفاته ورغم سطوة الحوت استطاع صباحي ان يبني قاعدة جماهيرية ضخمة تعلقت به ورأت فيه المخلص لحالة الجمود في الساحة الفنية التي تمور وتعج (بالدفيس والطرور) .. تجربة صباحي الغنائية تميّزت بالتفرُّد والتمرُّد من حيث الألحان وطريقة الأداء.. فهو يتميّز باستايل أدائي خاص لا يشابه فيه الآخرين .. وكان معتز صباحي فرصة واعدة لفنان جديد ستكون له إضافته الثرة والمُلهمة.
(3)
لن أقول بأن ركن للكسل فقط ولكنه ظل يعيش في حالة (غيبوبة) دائمة وانكفأ على نفسه وعاش في عزلة خصمت منه الكثير وجعلته لا يعي تصرُّفاته.. ويجب أن أذكر الموسيقار يوسف الموصلي تحسس موهبة صباحي ومعاناته النفسية وحاول مراراً وتكراراً مساعدته لينتشله من هذه البركة الآسنة التي يعيش فيها ولكنه مع الأسف لم يستجب للموصلي .. لذلك أنا لا استغرب تصرفه الأخيرة حينما أوقف فرقته الموسيقية وأعلن اعتزاله ووضع المايك.. فهل هذه التصرفات تنم عن شخصية متزنة وواعية ومدركة بما حولها؟ نسأل الله لمعتز صباحي تمام العافية والعودة مجدداً.. فهو فنان من سبيبة رأسه الى قدميه.
(4)
يظل الفنان الدكتور عبد القادر سالم واحداً من أبهى التجارب الغنائية التي وفدت إلينا من كردفان، فهو من مواليد مدينة الدلنج بجنوب كردفان في العام 1946 واشتهر على مستوى السودان وخارج السودان منذ العام 1971م، وله من الإنتاج الفني ما يزيد عن أربعين أغنية مسجلة بالإذاعة السودانية كما له نحو عشر أغنيات مسجلة على طريقة الفيديو كليب، تم تصويرها بمنطقة كردفان وغيرها محفوظة بالتلفزيون القومي، وأيضاً هو باحث في مجال الموسيقى التراثية السودانية عامة وموسيقى منطقة كردفان على وجه الخصوص.
(5)
قدم العديد من المحاضرات والندوات والأوراق العلمية حول التراث الغنائي، وله إسهامات بالكتابة للصحف، تخرج عبد القادر سالم في معهد إعداد المعلمين بالدلنج ثم اشتغل معلماً حتى تم ابتعاثه للالتحاق بالمعهد العالي للموسيقى والمسرح بالدفعة الثانية للمعهد عام 1970 حيث نال درجة البكالوريوس. في العام 2002 كان عنوان أطروحته لنيل درجة الماجستير «الغناء والموسيقى لدى قبيلة الهبانية بجنوب كردفان». ونال درجة الدكتوراه في الفنون {موسيقى} من جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا في 2005 عن أطروحته «الأنماط الغنائية بإقليم كردفان ودور المؤثرات البيئية في تشكيلها».
(6)
وتظل أغنية (مكتول هواك يا كردفان) واحدة من أشهر أغاني الدكتور عبد القادر سالم، وجسّد فيها كل محبته لمنطقته، لأن مفرداتها احتشدت بالمحبة الدافقة والشجن العالي، والمفارقة تبدو غريبة بعض الشئ، في أن شاعر الأغنية الأستاذ الشاعر عبد الجبار عبد الرحمن ليس من كردفان ولكن كتب كلمات الأغنية في محبة كردفان التي قضى بها ردحاً من الزمان فيها، والشاعر عبد الجبار عبد الرحمن محمد الشيخ من مواليد النية جنوب الجيلي، عمل معلماً منذ بداية الستينيات من القرن الماضي ونزل للمعاش في عام 2000 مساعداً فنياً بوحدة الجيلي.